استغلال 500 ألف هكتار أراضي بور يوفّر حاجياتنا من الزّيوت
يعتبر المدير العام المعهد الوطني للزّراعات الواسعة، محمد الهادي صخري، تقليص فاتورة استيراد الحبوب، الذرة، الزيت والسكر «واجب وطني»، ولهذا رفع إطارات القطاع تحدي تطوير الزراعات الإستراتيجية الكبرى، وتنفيذ برنامج الحكومة بالعمل ميدانيا على إقناع أكبر عدد من المهنيين بالانخراط في هذا المسعى باستخدام المسار التقني لتقليص على الأقل 50 بالمائة من فاتورة الاستيراد التي تجاوزت 10 مليار دولار، 300 مليون دولار ترمى في النفايات نتيجة التبذير والاستهلاك المفرط للخبز الأبيض.
وقال في حوار لـ «الشعب»، إنّ تجربة زراعة السلجم الزيتي والشمندر السكري، أثبت للخارج أنّ الجزائر ليست سوقا مستقبلة للزراعات الصناعية، بل بلد يمتلك القدرة على إنتاج احتياجاته، وبإمكانه تحقيق الاكتفاء الذاتي باستغلال 500 ألف هكتار من الأراضي البور، وإدخال المسار التقني.
وخاض في أسباب بقاء التبعية للخارج في مادة القمح اللين، وإشكالية توفير البذور، كاشفا عن سعي المعهد لتطوير أصناف من البذور تقاوم الجفاف والتغيرات المناخية لتحسين مردودية الإنتاج.
- الشعب: تتضمّن ورقة طريق قطاع الفلاحة للفترة من 2020 إلى 2024، تطوير المحاصيل الإستراتيجية لتقليص فاتورة استيراد المواد واسعة الاستهلاك منها الحبوب، السكر والزيت. ما الدور الذي يضطلع به المعهد لإنجاح هذا المسعى؟
مدير معهد الزّراعات الواسعة محمد الهادي صخري: صرّح وزير الفلاحة في جويلية من العام الفارط، أن الاتجاه الحالي هو تطوير كل ما هو زراعات إستراتيجية، من ضمنها السلجم الزيتي المعروف باسم الكولزا، الشمندر السكري، الذرة، الحبوب بنوعيها القمح الصلب واللين والشعير، هذه المواد يجب تكثيف تطويرها، بهدف تقليص فاتورة الاستيراد التي تقدر 10 مليار دولار، وهذا تصدير للعملة الصعبة، بإمكاننا وقفه.
نراهن في ورقة الطريق للفترة 2024 - 2020 قدر المستطاع على تقليص هذه الفاتورة، وقد حدّدنا في البداية ضمن برنامج السلجم الزيتي زراعة 3 آلاف هكتار في الموسم 2020-2021، ولكن تجاوزنا هذا الهدف، حيث زرعنا حوالي 3330 هكتار وهي مساحة لا يستهان بها، من بينها 1000 هكتار مخصصة للبذور، ستسمح لنا العام المقبل والسنوات القادمة بتوسيع مساحة زراعة هذا النبات، وتجاوز الهدف المسطر في الموسم المقبل زراعة 100 ألف هكتار أو أكثر.
كلفة ما نستورده من زيوت مائدة، وبقايا المنتوج التي توجه كأعلاف للمواشي والحيوانات تقدّر بمليار دولار، ونحن بإمكاننا إنتاج المادة الأولية في مساحات لا تتجاوز 500 ألف هكتار، فالجزائر تحصي سنويا مليوني و500 ألف هكتار أراضي بور، إذا خصّصنا 500 ألف هكتار فقط لزراعة السلجم والمحاصيل الصناعية الأخرى سنتفادى فاتورة الاستيراد، مع العلم أن أراضي «البور» تقنيا صالحة لزراعة هذا النوع من النباتات، ولكن هذا يتطلّب تضافر جهود الجميع من مهنيين، تقنيين، وعلميّين، وإدخال كل ما هو علمي وتقني في برامج تطوير المحاصيل الإستراتيجية لإنتاج حاجيات الجزائر.
بالنسبة للمحاصيل الأخرى، نظّمنا لقاء مع مديري المصالح الفلاحية لولايات الجنوب والولايات التي بإمكانها استقبال نبتة الذرة، وجّهنا تعليمات صارمة لتجسيد على أرض الواقع بداية من جويلية المقبل هدف زراعة 50 ألف هكتار من الذرة، وهي مساحة جد معتبرة.
أما مادة الشمندر السكري، فنعمل حاليا على تحديد المساحات التي تليق بزراعته، بعد التجربة الأولية هذا الموسم، وقد اتضح أنّ هذه الزراعة تتطلب وجود مصانع التحويل لأن الشمندر السكري سريع التلف.
وكنّا قد نظّمنا منتدى قبل بداية رمضان، عرضنا فيه على الهيئات ومنظمات أرباب العمل، فكرة إنشاء مصانع، ومرافقة توجه الدولة في تطوير الزراعات الإستراتيجية، وقد أبدى الكثير منهم الرغبة في مرافقة هذا المسعى، وإنشاء مصانع لتحويل الشمندر السكري، خاصة مع إنشاء ديوان تنمية الزراعات الصحراوية الذي يستقبل طلبات، وحسب الدراسات نحتاج إلى مساحة 200 ألف هكتار لزراعة وإقامة مصنع تحويل السكر، وهذه العملية ستقلّص قيمة كبيرة من فاتورة الاستيراد.
- إذا كان هذا النّوع من الزّراعات يتطلّب وجود مصانع تحويل، ما هو مصير الإنتاج الذي تمّ جنيه هذا الموسم؟
في بداية التّجربة لمسنا تخوفا لدى الفلاحين في حال إدماج المنتوج ضمن الدورة الزراعية من يتولى شراء المنتوج، ولكن نحن قبل الدخول في برنامج إنتاج وزراعة السلجم الزيتي والشمندر السكري، اتّصلنا بمحوّلين جزائريّين ووجدنا استجابة من عندهم لشراء المنتوج وتحويله، وقدّموا سعرا للقنطار أكبر من سعر المنتوج المتداول في الأسواق الدولية، رغبة منهم في دعم الفلاح ومساعدة الدولة على تقليص التبعية للخارج.
والأبواب مفتوحة لجميع من تتوفّر فيهم الشروط لإنشاء مصانع تحويل الزيوت أو السكر حتى ولو كان مصنعا صغيرا، والاستثمار في هذا المجال مفتوح لكل الجزائريين، حتى لا تبقى في ذهنيات الفرد، أن هذا الاستثمار سيقتصر على محول واحد أو اثنين، حتى لا يكون احتكار.
كذلك بالنسبة لعتاد الحصاد يجب أن يتوفر، فهذا الموسم تم توفير 30 حاصدة لمادة السلجم، وهذا عدد لا يكفي، إذا ما تم توسيع مساحة زراعته، ويتطلب الأمر إمكانات وتوفير آلات أخرى، وقد تعهّد المتعامل الجزائري العمومي الذي استورد الحاصدات الأولى بتصنيع هذه الآلات محليا، وهذا سيشجع الصناعة الوطنية.
- معنى هذا أنّ تجربة زراعة المحاصيل الإستراتيجية هذا الموسم حقّقت الهدف المطلوب؟
السلجم الذي كنا متخوفين منه تمت زراعته على مستوى 29 ولاية، كأول تجربة على مساحة 3300 هكتار، وهي نتيجة ايجابية، في العام المقبل ستكون المساحة أكبر خاصة بعد نجاح التجربة التي حفّزت الفلاحين، وبروز المزايا العديدة لمادة السلجم، فهي تحسّن التربة، تمنح مردودا عاليا أكثر من مردود القطعة التي لم تستقبل السلجم، على الأقل بـ 3 أو 4 قناطير، وقد أثبتت التجربة تحصيل بعض المساحات أكثر من 8 قنطار في الهكتار الواحد، بعد إدماج السلجم في الدورة الزراعية، كما أنه مغذي للنحل، لذلك سننتج زيوت، عسل وأعلاف للحيوانات.
- كيف تمّ إقناع الفلاح بإتباع المسار التقني، وهو الذي يتمسك بالأساليب التقليدية في زراعة الحبوب؟ هل يعتبر هذا نجاح للمعاهد التقنية والإطارات الجزائرية؟
قبل الشروع في تجسيد برنامج زراعة السلجم، نظمنا محاضرتين مع تونس لأنها بدأت تجربة زراعة السلجم الزيتي في 2014 بـ 300 هكتار، ووصلت الآن إلى 17 ألف هكتار، استفدنا من خبرتها، وانطلقنا في زراعة 3 آلاف هكتار، نتمنى توسيعها إلى 100 ألف هكتار، وقد استطعنا إقناع المهنيين بالانخراط في هذا المسعى بسبب عامل الثقة، والخرجات الميدانية التي قمنا فيها ابتداءً من المدير العام إلى المديرين المركزيين، والإطارات والتقنيين بتحسيس الفلاحين بأهمية التوجه إلى هذا الاستثمار وتنفيذ البرنامج المسطر، وقد توصلنا إلى إمكانية إنتاج هذا المحصول وبكميات كبيرة.
قبل كل شيء تنفيذ هذا البرنامج كان استجابة لنداء الواجب الوطني، ورأينا روح التحدي عند كل الإطارات، ففي الوقت الذي كانت الجزائر تزرع كانت دول تتساءل ماذا تفعل؟ لأنها تعودت على النظر للجزائر أنها سوق مستقبل فقط، ولكن نحن نقول لهم اليوم الجزائر ليست سوقا مستقبلة بل بلد يملك القدرات لإنتاج الزراعات الصناعية، ويمكن لها تقليص 30 إلى 40 حتى 50 بالمائة من فاتورة الاستيراد.
إذا أردنا تحسين المردود وبالتالي الوصول إلى إنتاجية قوية، لابد من تطبيق المسار التقني، وإدخال العلم في طريقة الإنتاج لأننا لا يمكن النجاح دون علم، هذا من المستحيل، لذلك نحن نرافق الفلاحين منذ تحضير التربة إلى عملية الحصاد والتجميع والتخزين، كل عملية مرتبطة بالعملية التي تسبقها، وإذا لم نزرع لهم بالطريقة التي يحث عليها العلم ستنقص قيمة المنتوج، كذلك يجب وضع السماد في وقته وبالكمية المطلوبة، نفس الأمر للتعشيب، المعالجة وعملية السقي التكميلي. كل هذه العمليات مرتبطة ببعضها البعض، ولهذا نلح على تطبيق المسار التقني في خرجاتنا الميدانية، لأنه يسمح لنا بتحصيل مردود وفير، وعلى المهنيين تقبل نصائح التقني وصاحب العلم، فكما يتبع نصائح الطبيب بأخذ الأدوية للشفاء من المرض، النبتة كذلك كائن حي تحتاج إلى العناية اللازمة، ويجب منحها لها.
هذا ما نرغب الوصول إليه، ونرغب أن تنخرط معنا كل الطاقات العلمية والتقنية من جامعات ومنظمات المهندسين، والمعهد يعمل مع بعض الجامعات عن طريق عدة اتفاقيات لقيام الطلبة بالبحوث عند المعهد وتستغل في تطوير الزراعات.
- كيف تفسّر ارتباط الجزائر الدائم بالسوق الدولية في مادة القمح اللين الأكثر استهلاكا، وعجزها عن تحقيق الاكتفاء الذاتي رغم الإمكانات المتاحة؟
لدينا 3 مليون و400 ألف هكتار مخصصة لزراعة القمح الصلب واللين والشعير، وسنويا لدينا مليون و600 ألف هكتار من القمح الصلب، وحوالي 400 ألف هكتار القمح اللين، ومليون و300 ألف هكتار شعير، والجزائر تستورد كمية كبيرة من القمح اللين تتجاوز 6 ملايين طن، وكمية أقل منها بكثير من القمح الصلب حوالي مليون و500 ألف طن، لماذا؟ لأننا منذ سنوات قطعنا أشواطا في زراعة هذه المادة، وبذلنا جهدا كبيرا في السنوات السابقة لتطوير القمح الصلب وتوسيع مساحات زراعته، لأن القمح الصلب لا تنتجه دول كثيرة، وغدا إذا ما أردنا شراءه من السوق الدولية لا نجد خيارات متعددة، لأن الدول والكميات المنتجة معروفة، وقد عجزنا في وقت الأزمة الاقتصادية في 2008 عن ايجاد أسواق نشتري منها رغم توفر الأموال، لذلك حاولنا تطوير زراعة إنتاج القمح الصلب، ووصلنا إلى إنتاج كميات كبيرة قلصنا به فاتورة الاستيراد.
كذلك سعر الطن من القمح الصلب ضعف سعر طن القمح اللين، بسبب قلة العرض وكثرة الطلب، لهذا كان الالحاح على السير في اتجاه تكثيف زراعته وإنتاج كميات معتبرة من القمح الصلب، وهذه الرؤية سديدة وفي محلها، لكن هذا لا يعني أننا سنهمل تطوير إنتاج القمح اللين، وقد سطرت وزارة الفلاحة ضمن إستراتيجيتها هدف توسيع مساحات زراعته، مع العلم أننا كنا في عام 2011 نزرع أكبر من هذه المساحات وتراجعت قليلة، والآن هدفنا توسيع مساحة رقعة إنتاج القمح اللين في العام المقبل، ونعمل بالموازاة على تطبيق المسار التقني، وإذا تمكنا من ذلك سنرفع مردود المنتوج ونقلص فاتورة استيراد الحبوب.
- هل صحيح أنّ ضعف مردود إنتاج الحبوب راجع إلى نوعية البذور المستوردة؟
منذ 1995 الجزائر لم تستورد ولو بذرة واحدة من الحبوب، والبذور والأصناف المتواجدة والتي تقارب 200 صنف بين شعير وقمح صلب ولين هي بذور جزائرية 100 بالمائة، وليس لدينا أي تخوف من هذا الجانب، ونحن نسير في تطوير هذا المجال الأولوية على الأقل 4 أو5 أصناف جزائرية تقدم للدليل العالمي.
يوجد متعاملون اقتصاديون خواص يستوردون كميات من البذور من أصناف معينة، وهذا يمثل 1 بالمائة مما ينتجه القطاع العمومي، والمعهد بصفة خاصة.
- وهل عدم نجاح إنتاج القمح اللين راجع لعدم ملاءمة التربة، المناخ وقلة المياه؟
هذه خرافات ولا نشاطر من يقول هذا الطرح، كمعهد نتابع الدورة الزراعية، والمساحة التي تستقبل هذا العام القمح الصلب، بعد 3 أو 4 سنوات يمكن أن تستقبل القمح اللين، ووجدنا أن في نفس القطعة يعطي القمح اللين مردودا عاليا على القمح الصلب، بل أكثر من ذلك القمح اللين سهل زراعته مقارنة بالصلب، الذي يتطلب الكثير من المعالجة، ونتحدى أي طرف يقول إن أرض الجزائر غير صالحة لزراعة القمح اللين، فالأرض التي تنتج القمح الصلب بإمكانها أن تنتج القمح اللين وكل شيء.
- وكيف تواجه إشكالية شح الأمطار وتأثير التغيرات المناخية؟
نعمل منذ سنوات على تطوير إنتاج سلالات وأصناف من البذور تقاوم الجفاف وشح الأمطار، وتقاوم الأمراض والتغيرات المناخية من حرارة، وبرودة، ثانيا نطلب مرافقة وزارة الموارد المائية، وقد رأينا في بلدان مجاورة أنهم يقومون بإنشاء سدود صغيرة لتجميع الأمطار الضائعة. صحيح هذه المشاريع تتطلب إمكانات وإنجازات، ولكن نرغب في دعمها حتى تستغل في سقي الأراضي الفلاحية، كذلك يجب على وزارة الموارد المائية أن تخصص حصصا من مخزون السدود، للسقي الفلاحي، ونحن نتمنى مديرية الري الفلاحي تابعة لقطاع الفلاحة.
- هل بالإمكان تحقيق اكتفاء ذاتي من الحبوب والزّراعات واسعة الاستهلاك؟
تقليص فاتورة استيراد القمح اللين يستدعي توسيع مساحات زراعته في المناطق الشمالية، وفي الجنوب يمكننا تهيئة مساحات كبيرة تصل إلى 200 ألف هكتار، إذا أعطت معدل إنتاج 50 قنطار في الهكتار، نصل إلى تحصيل 10 ملايين قنطار وهذه الكمية ستقلص سدس فاتورة الاستيراد.
ما يبذر يوميا من القمح اللين الذي يدخل في صناعة الخبز 6 ملايين قنطار سنويا حوالي 10 ملايين خبزة يوميا، بتكلفة مالية تصل 300 مليون دولار، وهذه الكميات المبذرة عملة صعبة ترمى في النفايات، يمكن استرجاعها، لذلك نريد تغيير نمط استهلاك الجزائريين، فمنذ 50 سنة لم نكن نستهلك هذه الكميات من الخبز الأبيض، كنا نستهلك الخبز الكامل، الشعير، لتقليص فاتورة الاستيراد، وقبل ذلك نستهلك خبزا صحيا لأن الشعير بإمكان الجزائر إنتاجه في مساحات كبيرة وتكلفة أقل من القمح اللين، كما يمكن إدخال القمح الصلب في أنماط الاستهلاك الأخرى.