طباعة هذه الصفحة

الرئيس تبون لأسبوعية «لوبوان» الفرنسية:

«الماك و«رشاد» من اعتبروا أنفسهم إرهابيين

 لم أكن مرشح حزب، بل مرشح الشعب والشباب 

الجزائر بلد يسهل العيش فيه

خصّّ رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، أسبوعية «لوبوان» الفرنسية بحديث «مطوّل»، أجاب فيه على أسئلة الصحفيين بـ»صراحة نادرة» دون تفادي «أي موضوع»، بحسب الأسبوعية. طوال الحديث الذي أعده الصحفيان والكاتبان الجزائريان المقيمان بالجزائر كمال داود وعدلان مدي، تمحورت الأسئلة أساسا حول الساحة السياسية في الجزائر والإصلاحات السياسية والاقتصادية الجارية ودور الجيش الوطني الشعبي.

كما تم التطرق إلى العلاقات القائمة بين الجزائر وفرنسا وملف الذاكرة والقضايا الإقليمية، لاسيما النزاع في الصحراء الغربية والوضع في الساحل.

الحراك الوحيد الذي أؤمن به هو الحراك الأصيل

أكد رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، أنه لا يؤمن إلا بالحراك «الأصيل والمبارك»، الذي تجاهل «الأصوات» التي كانت تدفعه للذهاب إلى مرحلة انتقالية.
وأضاف الرئيس تبون قائلا: «إنني لم أعد أستخدم هذه الكلمة (الحراك)، لأن الأمور تغيّرت»، موضحا أن الحراك الوحيد الذي أؤمن به هو الحراك الأصيل والمبارك الذي جمع بشكل عفوي ملايين الجزائريين في الشوارع، مضيفا أن هذا الحراك اختار طريق العقل بالذهاب إلى الانتخابات الرئاسية (12 ديسمبر 2019)، مؤكدا أن هذا الحراك «لم يستمع للأصوات الناعقة التي كانت تدفعه للذهاب إلى مرحلة انتقالية، واختار عشرة ملايين جزائري الذهاب للتصويت. وشدد الرئيس تبون على أن «أقلية رفضت الانتخابات، وأعتقد أن لكل جزائري الحق في التعبير عن رأيه، لكنني أرفض إملاءات الأقلية.
كما أشار الرئيس تبون، إلى أنه «اندهش» من رؤية ديمقراطي يرفض صندوق الاقتراع ويدعو إلى التعيين، علاوة على ذلك، -يضيف رئيس الدولة- «سأكون دائما مندهشا لكون ديمقراطي، الذي يعرّف نفسه على هذا النحو، يرفض صندوق الاقتراع ويدعو إلى التعيين. وعندما لا يرفض رأي الأغلبية، وهو في حد ذاته رأي غير ديمقراطي. ولماذا تريدون تعييّن أشخاص لقيادة البلاد، ومن أنتم؟ لمَ هذا الغرور؟ أنت الذي لم يسبق أن رأيناك حاملاً السلاح، لاستعادة «السيد» (Le Cid)، كما تساءل الرئيس تبون.
وذكر في ذات السياق، أنه «عندما كانت المسيرات، بعد الانتخابات الرئاسية، لاتزال تعد ما بين 20 إلى 25 ألف متظاهر عبر البلاد»، كان «أول من مد يده إلى الحراكيين واستقبالهم».
وأضاف، أن «حكومتي الأولى، كانت تضم خمسة وزراء منهم»، وهم أشخاص رأيتهم يهينونني في مقاطع فيديو. ثم بدأنا في إطلاق سراح سجناء لنصل إلى 120 شخص أطلق سراحهم. واستمر الناس في انتقادي ولكنني واصلت القيام بالتفاتات، مؤكدا بالقول «أظن أن ذلك فُسِّر على أنه ضعف. واعتبر الناس أننا في موقف صعب، لقد كانوا على خطأ».
وأشار من جانب آخر، إلى أن «المتظاهر والشرطي الذي يحافظ على النظام العام هم أبناء نفس الجمهورية». وأكد الرئيس، «لا يحق لي أن أتركهما يتشابكان، خاصة وأن الدعوات للعنف كانت واضحة وطالما كنا في مرحلة الأفكار لم تكن هناك مشكلة، لكن الدعوات إلى العنف، شيء آخر».
وأضاف رئيس الدولة، إننا «نجد كل شيء اليوم، فيما تبقى من الحراك، فهناك من يصرخون «دولة إسلامية!» وآخرون يهتفون «لا إسلام!» قد يكون المتظاهرون يعبّرون عن الغضب، لكنه ليس الحراك الأصيل. إن ذلك غير متجانس للغاية.
وردا على سؤال حول تصنيف الجزائر لرشاد والحركة من أجل تقرير مصير منطقة القبائل (ماك) كحركتين إرهابيتين، قال الرئيس تبون، «إنهم هم من اعتبروا أنفسهم كذلك». وتابع قائلا، إن رشاد بدأت بالتجنيد في جميع الاتجاهات وإعطاء التعليمات لمواجهة الأجهزة الأمنية والجيش. أما الماك فقد حاول القيام بعمليات باستعمال سيارات مفخخة. وأمام الدعوات الى العنف فإن الصبر له حدود».
أما بالنسبة لمراسل صحيفة ليبرتي في تمنراست، الذي تم توقيفه ووضعه رهن الحبس المؤقت، بسبب مقال صحفي، فقد أشار رئيس الدولة إلى أنه «قام بتأجيج الوضع في معالجته لموضوع حساس للغاية»، واصفا ذلك «بالأمر الخطير جدا».
وعن سؤال يتعلق بأوضاع البلاد التي سبقت الانتخابات الرئاسية لديسمبر 2019، أشار الرئيس تبون إلى أن «البلاد كانت على حافة الهاوية» ولكن لحسن الحظ، كانت هناك الهبة الشعبية، المتمثلة في الحراك الأصيل والمبارك في 22 فبراير 2019، الذي سمح بوقف انحلال الدولة بإلغاء العهدة الخامسة، وهو ما كان سيمكن العصابة، تلك المجموعة الصغيرة التي استولت على السلطة وحتى على صلاحيات الرئيس السابق بالعمل باسمه، من تسيير البلاد». وأضاف، «أنه لم تعد هناك أية مؤسسات فاعلة، فقط مصالح مجموعة ناتجة عن نظام الفساد»، مؤكدا أنه «لذلك كان من الضروري إعادة بناء الجمهورية، بما يتضمنه ذلك من مؤسسات ديمقراطية».
وبالعودة إلى غيابه بعد إصابته بفيروس كوفيد-19، قال الرئيس تبون، إن ذلك لم يؤثر على ممارسة الحكم، لكنه «أخر برنامج الإصلاحات»، مضيفا بالقول لم يؤثر ذلك على برنامج الإصلاحات، بل أخّره. لكننا نجحنا في جعل الدولة تعمل في غيابي. والدليل على ذلك، أن إعادة تأهيل المؤسسات التي شرعت فيها قد نجح».
كما أشار الرئيس، إلى أنه تمكن من تقييم محيطه المباشر والمشاريع التي تم إطلاقها، حيث أكد «لقد تمكنت من إجراء تقييم لمحيطي المباشر والمشاريع التي أطلقناها. فقد اعتقد البعض أنه كان الغرق - وأنتم تعرفون من يغادر السفينة في مثل هذه الحالات - لكنني لاحظت، بكل فخر، كل وفاء الجيش وعلى رأسه رئيس الأركان سعيد شنقريحة»، مؤكدا «إننا كنا نتصل ببعضنا كل صباح».
لن نتردد في قول ما نعتقده
مشيرا إلى مشواره المهني في خدمة الدولة، معتبرا أنه «بعد أن عمل ما يزيد عن خمسين عامًا في خدمة الدولة»، منذ تخرجه من المدرسة الوطنية للإدارة في عام 1969، فإنه «من الصعب للغاية القيام بالمعارضة داخل النظام نفسه». ومع ذلك، لقد فعلت ذلك، «فقد كنت نوعا من الخروف الأسود»، حيث تم إرسالي كوال إلى مناصب حيث كانت هناك مشاكل كثيرة. والصق بي اسم «الرجل الصلب»، وذلك لأنني لم أكن أتردد في قول ما أعتقده».
وتابع قائلا: «لقد كنت فعلا على قناعة في 2017، بأن الجزائر كانت تتجه مباشرة إلى الهاوية، وأنه إذا استمر تدهور المؤسسات، فإن ذلك سيؤثر أيضًا على الدولة- القومية ذاتها، وليس السلطة وحدها»، ليؤكد في ذات الصدد «كنا نشبه أكثر فأكثر، جمهورية من جمهوريات الموز، حيث كان كل شيء يتقرر في فيلا تقع في مرتفعات الجزائر العاصمة. فقد أصبحت المؤسسات شكلية بحتة، باستثناء الجيش الذي استطاع الحفاظ على مكانته»، لذلك كان علينا أن نتحرك وأعلنت، كوزير أول، أمام البرلمان، أن الخلاص سيأتي من الفصل بين المال والسلطة. ولقد دفعت أنا وعائلتي الثمن، لكن هذا يعد جزءاً من مخاطر ممارسة السلطة».
واعتبر الرئيس تبون في هذا السياق، زنه «عندما تبتلى السلطة بمصالح شخصية، فإنها تدافع عن نفسها بطريقتها الخاصة. ويمكن أن تصبح مهاجمة هذا النظام مميتة وخطيرة جدا، مضيفًا أن «جزءًا من الإدارة، التي من المفترض أن تكون محايدة وتخدم المواطنين، وضعت نفسها في خدمة لوبيات الفساد، التي يطلق عليها خطأ «الأوليغارشية»، لأن الأمر يتعلق أكثر بمجموعة من اللصوص».
كما أشار الرئيس تبون، إلى أنه لم يكن مرشح حزب سياسي، بل مرشح الشعب والشباب اللذين يعتبرهما «ركيزتين» يعتمد عليهما كثيراً.
وقال في هذا الخصوص، «لم أكن مرشح حزب، بل مرشح الشعب والشباب، وهما ركيزتان أعول عليهما كثيرًا»، معربًا عن أسفه لكون «العديد من أحزابنا لا تمثل تيارًا من الأفكار، لكنها مبنية على شخص يخلد على رأسها، دون أي رغبة في الانفتاح أو الإصلاح»، مضيفا «يجب الانتباه هنا، أنا لا أقول بأنني لا أؤمن بالطبقة السياسية، لكنها تمثل القليل مقارنة بالشعب. حيث أن كل الأحزاب مجتمعة لا تتوفر على مجموع 800 ألف مناضل، بينما يقارب عددنا 45 مليون جزائري». «ربما فيما بعد، كما قال، عندما تستعيد المؤسسات مكانتها ووظائفها، وتتحرر من إملاءات المال الفاسد، سنفكر في خلق حزب رئاسي. لكن ليس في الوقت الراهن».
وفي معرض رده على سؤال حول عهدة رئاسية أخرى محتملة، أشار إلى أنه لا يفكر في ذلك وأن مهمته تكمن في تمكين البلاد من استعادة عافيتها. «بكل صراحة، أنا لا أفكر في الأمر. إذ أن مهمتي هي تمكين بلدي من استعادة عافيته ومكافحة المحاباة والمحسوبية، وإعادة بناء المؤسسات وجعل الجمهورية ملكًا للجميع. عهدة أخرى؟ لا أعرف. نحن لازلنا في بداية عهدتي».
على صعيد آخر، أشار رئيس الجمهورية إلى أن الجزائر بلد «يسهل العيش فيه» وأن «ثقافة التضامن لدينا استثنائية، كما رأينا ذلك خلال الأزمة الصحية: حيث ضاعف المواطنون المبادرات لمساعدة بعضهم البعض». كما أشار إلى أن الصحة والتعليم في الجزائر «مجانيان» وأنه «مقارنة بالدول المجاورة، كان لدينا عدد قليل من المجندين في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية، ولدينا عدد أقل من الحراقة، وفقًا لإحصاءات مراكز الاحتجاز في إسبانيا وإيطاليا».
وختم الرئيس حديثه بالقول، «يمكن أن نكون سعداء، لكن علينا أن نتحلى بالشجاعة لرؤية بلدنا بشكل مختلف. يمكن أن نكره تبون، لكن لا نكره بلدنا».
الجيش... «واقع إيجابي» حمى سلمية الحراك
أشاد رئيس الجمهورية إشادة قوية بالجيش الوطني الشعبي الذي وصفه بـ»الواقع الإجابي» الذي «فضل حماية سلمية» الحراك الشعبي لـ22 فبراير 2019.
وأكد أن «وزن الجيش واقع إيجابي. لو لم نملك جيشا عصريا ومحترفا لكان الوضع في الجزائر أسوأ من ليبيا وسوريا».
واستطرد يقول، إنه خلال الحراك، «فإن البعض، لاسيما في صفوف أولئك الذين يزعمون أنهم ديمقراطيون، طلبوا من الجيش أن يتدخل»، مشيرا الى ان الجيش الوطني الشعبي «رفض ذلك مفضلا حماية سلمية الحراك».
وذكر يقول، إنه «لو كان يريد تولي السلطة لفعل ذلك. كان ذلك بطلب شعبي، حيث ان الشعب دعاه الى وضع حد لمهزلة العهدة الخامسة ولانهيار الدولة»، مؤكدا ان «الجيش لم يستول على السلطة ولن يستولي عليها، لأنه يحترم القوانين».
وتابع يقول، إن «الجيش انسحب من الساحة السياسية منذ نهاية سنوات الثمانينات» وأن «الزمن الذي كان فيه ضباط من الجيش أعضاء في اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني (الحزب الواحد سابقا) قد ولّى»، مشيرا الى أن «الجيش لم يعد يمارس السياسة».
«إقبال للشباب الجزائري على التشريعيات»
أكد الرئيس عبد المجيد تبون، على وجود «إقبال»، سيما لدى الشباب، على تشريعيات 12 جوان، مؤكدا «ليس هناك مخرج آخر» و»كل أولئك الذين يحاولون جر البلاد نحو المغامرة بصدد تضييع وقتهم».
وأوضح قائلا، «أعلم أن هناك إقبال على هذه التشريعيات، سيما لدى الشباب الذي كان يعزف في الماضي القريب عن تسجيل نفسه في القوائم الانتخابية»، مشيرا إلى أن «أكثر من 50% من السكان تقل أعمارهم عن 30 سنة بالجزائر».
ولدى تطرقه إلى أهمية هذا الموعد الانتخابي، أكد رئيس الجمهورية قائلا: «ليس هناك مخرج آخر»، مضيفا أن «كل أولئك الذين يريدون جر البلاد نحو المغامرة بصدد تضييع وقتهم».
وأردف قائلا، «حتى عندما كنت مريضا وبلغت الإشاعات ذروتها إلى درجة إشاعة خبر وفاتي، كان أغلبية الجزائريين قلقون بما فيهم أولئك الذين لم يصوتوا لصالحي أو لا أروق لهم».
وفسر الرئيس تبون تصرف الجزائريين «بكونهم لا يرضون للبلاد أن تبقى بعيدة عن مسار الشرعية».
وعن سؤال حول «جزء هام من المعارضة» التي قد تعتزم «مقاطعة الانتخابات»، أشار «ما ألاحظه عبر كامل القطر الوطني، لا يحمل على الاعتقاد بأن الجزائريين في معظمهم يعارضون الانتخابات التشريعية».
واسترسل «تقولون «جزءا هاما من المعارضة» كم عددهم يا ترى؟ بالنظر إلى أدوات التقدير التي نحتكم اليها، إذ يتعلق الأمر بأقلية تُعرف نفسها كأغلبية بفضل إعلام مبالغ فيه، سيما ما وراء البحار».
في ذات السياق، أشار رئيس الجمهورية إلى أن «بعض السفراء، وللأسف، لا يرون سوى هذه الأقلية ولا يعيشون إلا معها ويجهلون أغلبية الجزائريين، بما يجعلهم يضللون البلدان التي ينتمون إليها».
وعن سؤال حول احتمال انتخاب مجلس شعبي وطني «بأغلبية برلمانية إسلاموية»، أكد الرئيس تبون أن «الإسلاموية كإيديولوجية، تلك التي حاولت فرض نفسها مطلع التسعينات في بلادنا، لن تكون موجودة أبدا بالجزائر».
إلا أنه أوضح أن «الإسلام السياسي لم يعرقل نمو البلاد مثلما هو الحال في تركيا أو في تونس ومصر». لكن، كما قال، «هذا الإسلام السياسي لا يزعجني، كونه لا يعلو على قوانين الجمهورية التي ستطبق بحذافيرها».
الجزائريون ينتظرون اعترافا كاملا بكل جرائم فرنسا الاستعمارية
أكد رئيس الجمهورية، أن الجزائريين ينتظرون «اعترافا كاملا بكل الجرائم التي اقترفتها» فرنسا الاستعمارية، مؤكدا أن الاعتراف بجرائمها يعد شكلا من أشكال الاعتذار.
وقال الرئيس تبون: إن ‘الجزائريين ينتظرون اعترافا كاملا بكل الجرائم التي اقترفتها فرنسا الاستعمارية»، مؤكدا أنه في تاريخ الاستعمار كانت هنالك «ثلاث مراحل مؤلمة» بالنسبة للجزائر.
وأشار إلى «بداية الاستعمار مع إبادة دامت أربعين سنة لقبائل على بكرة أبيها وقرى كاملة أبيدت ومحارق اقترفت. ثم أتت بعدها مرحلة النهب، حيث تمت مصادرة أراضي الجزائريين لتوزع على الأوروبيين».
كما ذكر بـ»فظائع 8 ماي 1945 حيث سقط 45.000 شهيدا ثم حرب التحرير عندما حمل الجزائريون السلاح لتحرير البلاد».
وأوضح، أن «كل هذا لا يعني جيل الرئيس ماكرون ولا جيل المثقفين الفرنسيين الذين لا لوم عليهم»، مشيرا أن «الاعتراف بهذه الأفعال مهم للغاية،» وتساءل «لماذا التمسك بالاعتراف بما تعرض له الأرمن واليهود ويتم تجاهل ما وقع في الجزائر؟».
وأكد في هذا الصدد: «ما نريده هو تضميد جراح الذاكرة ومعترف بها. لنخرج من خرافة أن الجزائر أرض مباحة جلب الاستعمار لها الحضارة»، مشددا على أنه «ليست فرنسا فولتير وفرنسا التنوير التي نحكم عليها، بل فرنسا الاستعمارية».
وأضاف: «لن ننسى أبدا العديد من الفرنسيين الذين التحقوا بمعركة الجزائريين واليوم ننحني أمام أرواحهم».
واعتبر الرئيس تبون تسوية المسائل الخلافية ستتيح «صداقة مستدامة بين الأمتين»، مذكرا في هذا الصدد «أن الرئيس الجزائري هواري بومدين كان قد قال لجيسكار (الرئيس الفرنسي السابق)، إننا نريد قلب الصفحة لكن دون تمزيقها ولتحقيق ذلك يجب القيام بأفعال».
وفي سؤال متعلق «بالتعويضات» التي يجب أن تقدمها فرنسا، لا سيما فيما يخص التجارب النووية التي قامت بها في الجنوب الجزائري ومخلفاتها، أكد الرئيس «نحترم موتانا كثيرا، إلى درجة أن التعويض المالي سيكون بمثابة إهانة. فنحن لسنا شعبا متسوّلا، نحن شعب فخور يُبجّل شهداءه».
وطالب في هذا الصدد فرنسا «بتنظيف المواقع النووية»، مؤكدا أن هذه العملية «قطعت شوطا كبيرا، لأن التلوث الإشعاعي مازال يخلف ضحايا لغاية اليوم».
وذكر الرئيس تبون بقوله، «فلتقم فرنسا بعلاج ضحايا التجارب النووية. فالعالم احتشد من أجل كارثة تشيرنوبيل، في حين إن التجارب النووية في الجزائر تثير ردود أفعال قليلة، بالرغم من أنها حدثت علنا وبالقرب من التجمعات السكنية».
وفي تطرقه لتقرير بنيامين ستورا حول الاستعمار، أوضح رئيس الجمهورية أن «ستورا مؤرخ لم يتماد أبدا» وكان «دائما قريبا من الحقيقة»، مضيفا أنه «حرر تقريرا وجهه لرئيسه، لكنه لم يُرسل لنا».
وفي مقارنة بين مبادرات الرؤساء الفرنسيين القدماء وما فعله إيمانويل ماكرون اليوم، أقر الرئيس تبون أن «الرئيس ماكرون كان الأبعد في هذا الموضوع».
وأشار بقوله، «نعم، ينبغي التذكير بذلك وتسجيله. وأنا أعرب للرئيس ماكرون عن كل تقديري. فهو الأكثر استنارة من بينهم جميعا. كان للرؤساء الآخرين جميعا تاريخ يربطهم بالجزائر». وألقى السيد تبون اللوم على أولئك الذين «ينتقدون سياسة ماكرون تجاه الجزائر»، قائلا «إنهم يشكلون أقلية صغيرة».
وأكد الرئيس، «أنهم يحتفظون بأذنابهم، لكنهم منبوذون من طرف الرأي العام الفرنسي، لأن غالبية الشباب الفرنسي اليوم معنيون بدرجة أقل بالتاريخ الجزائري»، معتبرا أنه «إذا لم تتوصل الجزائر وفرنسا إلى مد جسور التواصل القوية بين البلدين تحت رئاسة ماكرون، فإن ذلك لن يتحقق أبدا، وسيحتفظ بلدانا على مر الدوام بالحقد المتبادل».
وفي سؤال حول الإصرار على «الاعتراف بالجرائم بدل الاعتذار»، أجاب الرئيس تبون بأن «الاعتراف هو شكل من أشكال الاعتذار».
سأحرص على مكافحة البيروقراطية
أكد رئيس الجمهورية، أنه يعتزم مكافحة البيروقراطية بكل ما يملكه من قوة، وصرح قائلا «الوضع (مناخ الأعمال مذكرة التحرير) ليس بالكارثي إلى هذه الدرجة وإن كانت هناك بالفعل مشاكل وصعوبات، بل وأيضا حالات انسداد بسبب البيروقراطية التي سأحرص على مكافحتها بكل ما أملك من قوة».
في ذات السياق، أردف يقول «لقد بلغت رجال الأعمال والمؤسسات الناشئة بذلك: البيروقراطية هي عدونا المشترك. ما عدا ذلك فإن الناس مستمرون في العمل والاستثمار والبلاد لا تعرف حالة توقف».
إلا أن الرئيس تبون اعترف من جهة أخرى، «لدينا اقتصاد متخلف وغير مُحكم التنظيم موجه نحو الاستيراد دون أي تبادل مشترك بين القطاعات»؛ اقتصاد «تتعالى ضده الأصوات للتنديد بحالات الانسداد المسجلة على مستوى الإدارة وبالمسؤولين المتخوفين من تحمل قرارات وجباية تدعم السوق الموازية وبنوك حذرة...».
وعن سؤال حول النشاطات التي تباشرها الجزائر قصد تحسين مناخ الأعمال، أوضح الرئيس تبون بشأن ممارسة الأعمال ومقاييسها الخاصة باستقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، بأن «بعض الدول تقبل بها، كونها لا تملك وسائل أخرى لاستحداث الشغل، الأمر الذي يجعلها تتحول إلى شبه محميات لدول أخرى، حيث يمكن على سبيل المثال منع مزاولة النشاط النقابي». لكن تطبيق ذلك بالجزائر يعد «دربا من دروب المستحيل»، لأن «هناك طلب دولة وحماية اجتماعية قوية بما يكفي، لكن الأمر غير مغري كثيرا».
وبخصوص القاعدة 49-51% التي تحكم الاستثمار الأجنبي التي أُلغيت بالنسبة لجزء هام من القطاعات والتي أبقي عليها استثنائيا بالنسبة للقطاعات الاستراتيجية، أكد الرئيس تبون أن هذه القاعدة، «لا تزعج أحدا»، عندما يتعلق الأمر بالاستثمار في مجال المحروقات.
و»يضاف إلى ذلك، كما قال، أن الأمر يتعلق ببلد ميسور يتمتع بالملاءمة المالية ويملك 45 مليون مستهلك».
كل الإجراءات الضرورية اتخذت لطمأنة أرباب العمل
عن سؤال حول الظروف التي ينشط فيها أرباب العمل الجزائريون، أجاب الرئيس تبون «لقد بذلنا ما بوسعنا بل وأكثر لطمأنتهم. لقد جمعنا مرتين أرباب العمل الجزائريين واتخذنا إجراءات في إطار قوانين المالية».
وأضاف، «الآن إذا كانت لديهم (أرباب العمل) أمور يلومون أنفسهم عليها، فالذنب ليس ذنبي والعدالة اتخذت الوقت اللازم لمحاسبة المسؤولين عن نهب المال العام، لا نعبث في توجيه التهم لأحد».
لدى تطرقه إلى صناعة السيارات، تأسف مرة أخرى للنموذج المُطبق سابقا في الجزائر، حيث تم استيراد مجموعات (في مجال السيارات والصناعة الكهرومنزلية) لتركيبها بالجزائر «كلفت الدولة 3,5 ملايير دولار لاستحداث بالكاد 400 منصب شغل».
وأوضح الرئيس تبون قائلا، «لقد تمكنا من تزويد السوق بسيارات أبهظ ثمنا من تلك المستوردة»، مضيفا «وهو أمر منافٍ لقواعد الاقتصاد».
في ذات السياق، جدد نداءه للمستثمرين الجادين الراغبين في الاستثمار في الصناعة الميكانيكية، مع احترام دفتر الشروط وضمان نسب الإدماج المطلوبة.
وأضاف تبون، أن «الراغبين في خوض مجال الصناعة الميكانيكية في ظل احترام دفتر الشروط، مرحب بهم»، مؤكدا «بالنسبة للصناعات الخفيفة كالصناعة الكهرومنزلية نسبة الادماج يجب أن تبلغ في البداية 70% على الأقل».
وخلص إلى القول، «ما نصبو إليه هو بناء اقتصاد تلبى فيه احتياجات بلادنا من خلال إنتاجنا الوطني».

إجلاء أزيد من 80.000 جزائري
ولدى تطرقه لعودة آلاف الجزائريين إلى البلد بعد فتح الحدود جزئيا في الفاتح جوان، أوضح رئيس الجمهورية أن «فتح أو غلق الحدود يمليه المجلس العلمي حسب تطور الجائحة».
وذكر أنه حتى لما كانت الحدود مغلقة أجلت الجزائر «أزيد من 80.000 جزائري» وهذا على عاتق الدولة، مشيرا إلى أنه «ليس هناك أي بلد قام بذلك».
وشدد على أن «إغلاقنا للحدود ليس لمعاقبة المواطنين، بل لحمايتهم»، مذكرا أن الجزائر كانت أول بلد فرض تحاليل الكشف عن كوفيد في مطاراته وأغلق رياض الأطفال والمدارس والمساجد ومنع الجماهير في الملاعب».
وأضاف: «اليوم نحصي حوالي 200 حالة يوميا، في حين أن بلدانا أكثر تطورا تحصي 20.000 وحتى 30.000 حالة يوميا»، محذرا من «الفيروس الذي لا يزال موجودا في كل وقت ومن أن الأرقام يمكن أن ترتفع مجددا».
واعتبر أنه في «حال حصول ذلك سيلومنا الجزائريون عن بدء إعادة فتح الحدود»، مشيرا إلى أنه «في حال تدهور الوضع سنغلق الحدود مجددا».
إطلاق «حملات تحسيسية كبرى» حول التلقيح
وأعلن رئيس الجمهورية، عن إطلاق «حملات تحسيسية كبرى» حول التلقيح في إطار مكافحة جائحة فيروس كورونا.
وأوضح الرئيس، أن «وتيرة التلقيح تتماشى مع رغبة الجزائريين، لأننا لا نريد أن نفرضه، لكننا سنطلق حملات تحسيسية كبرى»، مضيفا أن كون الجزائر «لم تتأثر نسبيا كثيرا يجعل الناس يمتنعون عن التوجه لأخذ اللقاح».
وفي هذا السياق، ذكر الرئيس تبون أن «الجزائر شرعت في التلقيح في شهر يناير قبل كل البلدان الإفريقية تقريبا. واللقاحات موجودة لمن يطلبونها».