أحداث أسبوع واحد، بدأت بعودة محمودة للشقيقة ليبيا إلى حضنها المغاربي الدافئ، برسم خارطة طريق لتعاون مفتوح بلا حدود مع شقيقتها الجزائر، وانتهت بعودة ابراهيم غالي معزّزا بعد أن أسدل السّتار على مسرحية مغربية «رخيصة» كانت فيها كـ «الباحث عن حتفه بظلفه» مع شريكها الأوروبي، تسمح اليوم برصد وإحصاء عوائد دبلوماسية جزائرية ظلت تعمل بصمت، وبتنشيط أبعاد السياسة الخارجية الثلاثة: دعم الاقتصاد بسياسة تحترم الثوابت وتعضدها اليد القوية.
كان الأسبوع بحق حافلا بالأحداث والمفاجآت في مسار إقليم المغرب العربي والساحل، هو اليوم في حال إعادة تشكّل وتحرّر من عبث القوى الغربية ما قبل وما بعد الحقبة الاستعمارية، وتعد رماله المتحركة بمفاجآت كثيرة ومثيرة، بعضها يكاد يكون منظورا متوقعا قابلا للرصد، وبعضها يظل محكوما بمقدار تطلّعات وطموحات نُخبه المؤمنة بواجب استكمال الانعتاق من الاستعمار الجديد، والثقة في المقدرات التي يختزنها هذا الإقليم الشاسع، المتربع على قرابة 9 ملايين كلم مربع، وبكتلة بشرية قد تعادل الكتلة البشرية للقارة الأوروبية قبل حلول العقد الخامس من هذا القرن، أغلبها من الشباب، مع بروز فرص حقيقية للقيام بأدوار محورية في العالم، الذي بدأ يتشكّل ما بعد نهاية هيمنة القرن الأمريكي، ومعه بداية نهاية أسطورة «نهاية التاريخ» كما حلم بها فوكوياما والمحافظون الجدد.
الأحداث التي سأوردها بعد حين في صيغها الخبرية الصرفة، قد تبدو للقارئ المتسرّع أحداثا ثانوية متفرقة، بدليل الحجم الضيّق الهامشي الذي خصّصه لها «إعلام الماينستريم» المهيمن، وقد يماري بعضهم في فرص الربط الموضوعي بينها وبين منطوق الاستشراف الذي يُرصَد خلف الرّمال المتحركة بإقليم «المغرب العربي الكبير والساحل» مع ظهور إرهاصات لتشكل إقليم جديد واعد بالفرص، سوف يكون له شأن على ضفتي البحرين: الأبيض المتوسط، وبحر الصحراء الكبرى والساحل، القابض بناصية القارة السمراء، وانفتاحها المستقبلي على العالم الخارجي وعلى حركة التبادل الوافدة عليه بموازين قوة جديدة، وبتحالفات بديلة تحمل هي الأخرى أكثر من مفاجأة.
خارطة طريق لتعاون جزائري ليبي مفتوح
قبل أسبوع من استقبال الجزائر لرئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة على رأس وفد حكومي مثل أهم القطاعات، وبرفقة 310 من رجال الأعمال الليبيين، لم يكن أحد يتوقع لهذه الزيارة الأولى لرئيس «حكومة انتقالية» لم تحسم بعد في الداخل أهم بنود التكليف الأول لها بتنظيم انتخابات رئاسية نهاية السنة الجارية، لم يكن ليتوقع لها أن تخرج من هذه الزيارة بتلك الحصيلة الواعدة من النتائج في أكثر من ملف تعاون، يتجاوز العهدة القصيرة المتاحة لهذه الحكومة، بل ويتجاوز حدود التعاون الثنائي.
وبعيدا عن الملفات السياسية والأمنية التي يكون قد استعرضها رئيس الحكومة الليبي مع الرئيس عبد المجيد تبون، وحصل بشأنها توافق كبير عبّر عنه الطرفان بكثير من الطمأنينة والثقة المتبادلة، فإنّ أهم محور في هذه الزيارة كان «المنتدى الاقتصادي الجزائري الليبي» بمشاركة 310 رجال أعمال ليبيين، حضروا في وفد يقوده وزير الاقتصاد والتجارة محمد الحويج، كرس بنجاح لبحث «فرص الشراكات الثنائية المتاحة» سبقه إعلان وزير الخارجية صبري بوقدوم عن شروع الجزائر في وضع الترتيبات اللوجيستية والتقنية الأخيرة من أجل فتح المعبر الحدودي الدبداب-غدامس المغلق منذ 19 ماي 2014.
فك الحصار برّا، جوّا عن علاقات حبلى بالوعود
كما أعلن أنّ «الجانبين يعكفان على استكمال المحادثات النهائية لإعادة فتح الخط البحري الرابط بين طرابلس والجزائر العاصمة لاستغلال نقل السلع والبضائع»، مؤكدا أن طموح الجزائر في الشراكة الاقتصادية المنشودة مع ليبيا لن يقتصر على الرفع من المبادلات التجارية، وإنما يتعداه إلى تشجيع تدفق الاستثمارات المباشرة المتبادلة، وإنشاء الشراكات المختلطة، والاشتراك في رأس مال المؤسسات.
ومن جهتها، عبّرت الحكومة الليبية على لسان الوزير محمد الحويج عن رغبتها في إنشاء منطقة تجارة حرة، وتوقّعت أن تصل المبادلات التجارية إلى 3 مليارات دولار، أي بزيادة تقارب 46 ضعف حجم المبادلات الحالية التي لا تزيد عن 65 مليون دولار، وهو رقم في متناول البلدين خارج حساب مشاركة الجزائر في إعادة أعمار ليبيا: في المنشآت القاعدية، والطاقة، والكهرباء، والسكن، والري ، وعبر مشاريع واعدة في الطاقة الشمسية حصل بشأنها توافق بين رئيسي الحكومتين.
وتوّجَ «المنتدى الاقتصادي» أشغاله بإبرام اتفاقية تأسيس مجلس أعمال بين البلدين بهدف تعزيز التبادل التجاري، وكذا الرفع من مستوى تدفق الاستثمارات، مع عدّة اتفاقيات وتفاهمات بين شركات خاصة وعمومية في البلدين لم تكد تستثني قطاعا، مع فتح ورشات تفكير مستقبلية خاصة في مجال الطاقة بشقيها الأحفوري والمتجددة، هي التي دفعت بأمين بوطالبي مدير المركز العربي الأفريقي للاستثمار والتطوير إلى القول: «إنّ اللّقاءات الحكومية الثنائية كشفت عن خريطة طريق واضحة لدى الأشقاء الليبيين، تتّصل أساسًا برغبتهم في مساهمة الشركات الجزائرية في التعمير»، وذكر بهذا الصدد «أولويات قطاعات الطرقات، والري، وبناء السكنات» مع طلب الحكومة الليبية «إنشاء منطقة تجارة حرة بين البلدين».
إعادة اكتشاف العمق الإفريقي للبلدين
وربما يكون بوطالبي قد عبّر بأفضل صورة عن نوايا الشريك الجزائري للجارة الليبية حين أكّد «أنّ الجزائر الآن تبحث عن آليات لتفعيل جسور الأخوّة وللتشييد الحقيقي، لكنها غير مستعجلة أبدا، بل تريد بناء قاعدة صلبة للارتباط الوثيق في العلاقات الاقتصادية، كتتويج مستحق لعمق التقارب السياسي» تماما مثلما عبّر عنه الوزير الليبي محمد الحويج بقوله: «نحن نعرف أصحاب المحبّة الصادقة لنا»، وختم بالإشارة إلى «أنّ الجزائر باستثمارها في المبادلات التجارية مع ليبيا ستتمكّن من توصيل منتجاتها إلى تشاد والسودان، وحتى الكونغو، وكينيا، ودول الجوار الشرقي، وفق تعهّدات المسؤولين والمتعاملين الليبيين».
ما يستخلص من تصريحات المسؤولين من الوفدين، أنّ خارطة الطريق، التي ارتسمت بعض معالمها البارزة في هذه الزيارة، تتجاوز حدود تنشيط وتعظيم المبادلات الثنائية، بل وحتى استحقاقات مشاريع إعادة أعمار ليبيا، لتستبق ركبان الدور المنوط بالبلدين في إعادة بناء الفضاء الشمال إفريقي والساحل، ليتحوّل إلى جسر فاعل في جنوب البحر الأبيض المتوسط، كما في اتجاه قلب القارة الإفريقية، شريطة استكمال تحريره من الحضور العسكري الأجنبي كيفما كان، خاصة في خاصرته الرخوة بدول الساحل.
الإستقواء بالجار ذي القربى لاتّقاء شرور الجار الجنب
الوفد الحكومي الليبي اختار تنفيذ هذه الزيارة للجزائر بهذا العدد الكبير من الوزراء ومن رجال الأعمال، وبهذه الآفاق الواسعة للتعاون بين البلدين بلا حدود، قبل زيارة طرفين آخرين: مستعمر سابق هما إيطاليا وفرنسا ـ التي كان «آخر هدية مسمومة منها للشعب الليبي» تدبير انقلاب عسكري بتشاد فاقم من الوضع الأمني المتردي بجنوب ليبيا، ويبدو وكأنّه أعطى الضوء الأخضر لحفتر وقواته بتجديد التهديد بالحسم العسكري مرة أخرى، حيث توعّد، في تصريح له منذ أيام، بإعادة نشر قواته جنوب وغرب ليبيا، مقدّمة لما حصل قبل أربع سنوات، ليأتيه الرد من الجيش الجزائري، بتحرّكات متعدّدة الأشكال حرمت الحركة على سلاح الرافال الفرنسي، وأحبطت تهديدات حفتر، وقد بدى وكأنّ ذلك منح في الوقت نفسه الحكومة الليبية الانتقالية قدرا من الثقة في تعاملها مع إيطاليا، وخاصة مع فرنسا التي لم تهضم بعد هزيمتها في ليبيا.
انقلاب عسكر مالي «ناعم» على انقلاب فرنسي «أبيض»
الحدث الثاني الذي لم تتعاط معه سوى بعض المواقع العسكرية الروسية واليونانية والأمريكية، له صلة أيضا بحدث آخر حصل هذا الأسبوع، كان مسرحه بباماكو عاصمة مالي، وما سوّق له الإعلام الفرنسي والرئيس ماكرون على أنه انقلاب عسكري على السلطة الانتقالية، هو في طريقه إلى تحقيق هدفين رئيسيين لهما صلة بمستقبل هذا البلد، وبإعادة رسم خارطة طريقه بعيدا عن كتلة دول غرب إفريقيا المترددة حتى الآن في تفكيك منظومة «فرانس - أفريك» الاستعمارية: التخلص من الحضور العسكري الاستعماري الفرنسي وإعلان الطلاق مع «باراخان»، والبحث عن وجهة تحول قبلته نحو الشمال، وتحديدا نحو الجارة الجزائر، ومن خلفها حلفائها وأصدقائها الوافدين مع طريق الحرير القادم، وهو ما استوعبته قيادة الجيش المالي، ولحقت بها شريحة واسعة من المعارضة السياسية التي كانت وراء الاحتجاجات التي أطاحت بالرئيس المالي السابق.
وعلى خلاف موقفه من الانقلاب الذي باركته فرنسا في تشاد قبل أسابيع، فإنّ ماكرون قد جنّ جنونه مما حدث تحت أعين، وبحضور قرابة ستة آلاف من عسكر النخبة الفرنسية، دون أن يمنح فرصة للردع القبلي ولا البعدي، ولم يبق له سوى هذا التهديد الفاتر بـ «سحب القوات الفرنسية من مالي ما لم تستعاد الشرعية الديمقراطية والمرحلة الانتقالية»، وكان وزير خارجيته قد هدّد بتاريخ 25 ماي بفرض عقوبات موجهة ضد العسكريين المتورطين في ما وصفه بـ «الانقلاب داخل الانقلاب»، وهو توصيف دقيق بالنظر إلى أن نفس القيادة العسكرية المالية التي قادت الانقلاب الأول، قد أدارت انقلابا على «انقلاب أبيض» كانت تديره فرنسا بجناح مدني موال، توغل في قلب الحكومة الانتقالية المقالة، يتقدمهم الرئيس باه نداو ورئيس الحكومة مختار عوان.
وفي بحر أسبوع، جدّدت فرنسا للمرة الثانية، أمس الأول، شجبها لما وصف بـ «الانقلاب داخل الانقلاب» وأوكلت مهام الضغط لمجموعة غرب إفريقيا (سيدياو) لتجمّد عضوية مالي «إلى حين تنظيم انتخابات رئاسية في فبراير من العام القادم»، مع التهديد بسحب القوات الفرنسية، وهو تهديد أجوف، ليس بيد ماكرون، الذي يواجه تحديات خطيرة مع كبار قادة جيشه، وهو يعلم أنّ القرار قد يكلّفه خسارة الانتخابات القادمة، ولأنّه يعلم أن خسارة مالي سوف يتبعها زلزال بأكثر من رادفة في بوركينا فاسو والنيجر، قبل أن تمتد العدوى لبقية مربع النفوذ الفرنسي بدول غرب إفريقيا، ولأنّه سوف يفقد وقتها أهم ورقة ضغط كان يلعب بها في مناوراته.
تعظيم سلام من حاملة الطّائرات
«إيلزابيث» للمياه القاريّة للجزائر
الحدث الثالث الذي شهده الأسبوع كان عسكريا بامتياز، قلّما يلتفت إليه الإعلام، سوى بعض المواقع المتخصّصة التي تناقلت مضمون رسالة وجّهتها وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي للسلطات البريطانية، تحتج فيها على مسار الإبحار الذي اعتمدته حاملة الطائرات البريطانية «إليزابيث»، وقد تعمّدت احترام الخطوط والإحداثيات التي كانت الجزائر قد حددتها لمجالها البحري ومنطقتها الاقتصادية، فيما يشبه «الاعتراف البريطاني الرسمي بهذه الحدود، وبامتداد سلطة البحرية الجزائرية على مياهها القارية»، وقد رصدت مواقع متخصصة في رصد حركة السفن والطائرات بالبحر الأبيض المتوسط، كيف أن حاملة الطائرات البريطانية ـ وهي متوجّهة لشرق المتوسط وربما للبحر الأسود ـ كيف أنّها تعمّدت السير وفق الإحداثيات التي وضعتها الجزائر لرسم حدود منطقتها الاقتصادية بالحوض الغربي للمتوسط، كما التزمت بها طائرة الأواكس المرافقة لحاملة الطائرة، ومثلها فعلت طائرة حربية برتغالية في نفس التوقيت، وهو ما أثار حفيظة فرنسا وإسبانيا، مع دخول طرف أوروبي بحجم بريطانيا، في معركة لم تفتح بعد في الحوض الغربي للأبيض المتوسط قبل حسم المعركة الدائرة بشرق المتوسط، والتي شاركت فيها فرنسا في عملية استباقية لما سيحصل في غرب المتوسط.
وفي الحسابات الخفيّة لفرنسا، يكون هذا الاعتراف البريطاني بالحدود البحرية القارية للجزائر، وبشكل عملي تطبيقي، قد شكّل سابقة خطيرة، سوف تكون له تداعيات على ما يجري في شرق المتوسط، وقد يُوفّر نوعا من «التعضيد» للمسار الذي اتبعته تركيا، خاصة مع ترسيمها لحدودها البحرية مع ليبيا، والتي تعوق اليوم جميع المشاريع الغازية في شرق المتوسط، بما يمنح هيمنة كبيرة لدول الضفة الجنوبية وعلى رأسها الجزائر وليبيا، وربما حتى مصر التي لا يضايقها كثيرا الاتفاق التركي الليبي.
وفي الخلفية ترى فرنسا أنها في الطريق إلى الإقصاء الفعلي، كقوّة بحرية متوسطية، ليس فقط بسبب اتساع المجال البحري القاري الجزائري، الذي نقل حدود الجزائر إلى مشارف مارسيليا وتولون، بل أيضا بفقدانها لنفوذها في تونس، التي منحت قاعدتين: بحرية وجوية للولايات المتحدة.
عودة «غالي» تسدل السّتار
على مسرحية مغربية «رخيصة»
آخر حدث يروي قصة الرمال الرخوة التي بدأت تتحرك في كل الاتجاهات بمنطقة المغرب العربي والساحل، وهبوب الرياح بما لا تشتهيه السفن الفرنسية، جرت وقائعه على تخوم مضيق جبل طارق بين حليفين لفرنسا: إسبانيا والمغرب، بدأت بـ «هبّة» مغربية أقامت الدنيا ولم تقعدها على حكومة الشريك الاسباني، على خلفية استضافة اسبانيا لرئيس الجمهورية العربية الصحراوية للاستشفاء، متهمة إسبانيا بالتدليس، والتزوير في وثائق السفر لإبراهيم غالي، قبل أن تقع في المحظور وتنظم ما يحاكي «المسيرة الخضراء» بثلة من الشباب القصر على «الجيب الإسباني» بمدينة سبتة، ويُسوّقها أحد وزرائها كعملية تأديب وترهيب لاسبانيا، وصفتها الحكومة الإسبانية بـ «الابتزاز» و»قلة الاحترام»، ومعها تضامن كثير من شركائها في الاتحاد الأوروبي، مع التهديد بعقوبات أوروبية على المغرب بعضها بدأ العمل به من الجانب الاسباني.
وقبل أن «تتوافق» الحكومة الإسبانية مع ابراهيم غالي، ويتطوّع الرئيس الصحراوي للمشاركة في جلسة استماع عن بعد تمّت، أمس الأول، عاد بعدها إلى أرض الوطن، بعد رفض المحكمة جميع طلبات الأطراف المدعية لغياب القرينة، سارع وزير الخارجية المغربي بوريطة إلى نقل كنانته من كتفه الأيمن إلى كتفه الأيسر، مدعيا أنّه لا يعنيه قرار القضاء الاسباني بقدر ما يعنيه «أنه مع الشركاء لا توجد مناورات، أو طعن في الظهر حول قضية أساسية بالنسبة للمغرب، وأنه قبل السير خطوة واحدة إلى الأمام في العلاقات الثنائية يتعين أولا توضيح الأمور»، وبتذكيره بموقف المغرب من الانفصاليّين في مقاطعة كاتالونيا، يكون بوريطة قد أعاد صياغة الطلب من المطالبة برأس ابراهيم غالي إلى الافصاح عن بيت القصيد، وهو «المطالبة باعتراف اسبانيا «بمغربية الصحراء» كشرط لعودة المياه إلى مجاريها» ليصنع جدارا سميكا أمام تسوية النزاع بين البلدين، ويدفع بإسبانيا، وربما بشركائها في الاتحاد الأوروبي، إلى مراجعة أغلب بنود اتفاق الشراكة مع طرف فاقد للمصداقية، اتّهم صراحة بـ «الابتزاز».
مع تفاقم الأزمة بين المغرب وإسبانيا، والتي قد تصل حد تجميد العلاقات الدبلوماسية وتعطيل الحركة بين البلدين، مع خشية كثير من الأوروبيين أن يتخذ النزاع بعدا عسكريا، مع بداية التحشيد العسكري الاسباني بسبتة ومليلية، والمغربي بمنطقة الفنيدق، فإن الطرف المتضرر أكثر ـ ربما حتى من المغرب الذي كان في هذه اللعبة كالباحث عن حتفه بظلفه ـ هو فرنسا، التي تخشى أن تتبنى اسبانيا رفقة ألمانيا موقفا جديدا من ملف الصحراء الغربية، ينسف عقودا من المقاولة الفرنسية لصالح المغرب داخل المؤسّسات الأوروبية، ويتفكك معه مشروع التوغل الفرنسي في إفريقيا وضبط منطقة غرب إفريقيا عبر الدور المنوط بالمملكة، لتكون الضربة القاضية للحضور الفرنسي في منطقة المغرب العربي والساحل، المقبلة على إعادة هيكلة جيوسياسية تعيد إدارتها لشعوبها ولنخبها الوطنية، بحكم الضرورة حتما، إن لم يكن بحكم الجوار، والتاريخ، والملة، والنضال المشترك ضد نفس القوة الاستعمارية.