نقل منجزات العلم الحديث إلى الزّراعة الإفريقية لتحقيق النّهضة
أطلق الاتحاد الوطني للمهندسين الزّراعيين، وبتشجيع ودعم من اتحاد المهندسين الزراعيين العرب مبادرة تتعلّق بإنجاح مسار تأسيس اتحاد المهندسين الزراعيين الأفارقة، من خلال عقد المؤتمر التأسيسي له بالجزائر شهر أكتوبر من السنة الجارية، وذلك بعد تعثّر تأسيسه سنة 2005 بطرابلس، ولم يكتمل بناؤه بعد مؤتمر شرم الشيخ، وهو المسعى الذي يندرج في إطار الجهود الحثيثة للجزائر على تعزيز التعاون والتنسيق بين الدول الافريقية على كل المستويات آخرها، كما يتماشى مع توجهها نحو الاستثمار في إفريقيا وولوج أسواقها الذي أصبح ضرورة قصوى.
أخذ الاتحاد الوطني للمهندسين الزراعيين، حسب ما صرّح به رئيسه منيب أوبيري لـ «الشعب»، على عاتقه مسؤولية عقد مؤتمر لاتحاد المهندسين الزراعيين الأفارقة بالجزائر خلال الثلاثة الأشهر القادمة للانطلاق في مسار العمل المشترك، وتحقيق الأهداف المرجوة من هذا الاتحاد، والذي سيسعى لتحقيق والتأسيس لنهضة زراعية مستدامة في إفريقيا.
ويرى أوبيري أنه بالنظر للمهام الملقاة على عاتق المهندسين الزراعيين بمختلف تخصّصاتهم ومن مختلف مواقعهم لتنمية قطاع الزراعة بدول إفريقيا، وضمان تجسيد خارطة طريق مستقبلية للزراعة الإفريقية وتطويرها، وتحسين الإنتاج ومحاربة الفقر والمساعدة في تحقيق الأمن الغذائي والصحي المستدام، فإنّه يأمل في أن يكون هذا الاتحاد نموذجا ناجحا للتنمية في إفريقيا من خلال الخطط المتوخاة أن يرسمها ويؤسّس لها مع كافة الشّركاء والباحثين والوزارات، بالإضافة إلى هيئات المجتمع المدني ليساهم بذلك في تنمية وتطوير مختلف شعب قطاع الزّراعة.
وحسب المتحدّث فإنّ التنسيق والتعاون بين نقابات واتحادات ومنظمات المهندسين الزراعيين في الدول الافريقية في مجالات تبادل المعارف والخبرات والبحوث التطبيقية وتبادل التقنيات الحديثة ونقل التكنولوجيا، أصبح أكثر من ضرورة اليوم لدعم قدرات الانتاج والتصنيع الزراعي وإنجاح التجارة البينية المرجوّة للمواد الزراعية بين الدول الإفريقية، كما سيسمح ذلك بإقامة مشاريع زراعية نموذجية مشتركة توضع تحت تصرف المزارعين وتوفر مناخا للمهندسين من أجل التدريب والتأهيل والابتكار.
...توثيق التّعاون من أهداف الاتحاد
يهدف الاتحاد إلى تحقيق عدّة أهداف تتعلق بالعمل على توثيق التعاون بين دول الاتحاد الإفريقي، وتعميق التكامل فيما بينها في مجال التنمية الزراعية والريفية بين الدول الإفريقية، والإسهام في تحقيق الأهداف التي ناضلت الدول الإفريقية لتحقيقها وتخليصها من مفرزات الاستعمار بكل أشكاله، العمل على تعميق أواصر التعاون العربي الإفريقي تحقيقا للأهداف المشتركة، والمساهمة في توثيق التعاون الاقتصادي والتقني.
وينتظر أن تساهم هذه المبادرة في دراسة المشاكل التي يعاني منها القطاع الزراعي في الدول الافريقية، ووضع الحلول المساعدة على إزالة معوقات التنمية الزراعية، والارتقاء بمهنة الزراعة ومستواها العلمي، والمساهمة في تخريج مهندسين زراعيين أكفاء، قادرين على تطوير وتحديث القطاع الزراعي الإفريقي، مع الاستفادة من منجزات العلم الحديث، واستيعاب المفيد منها في الزّراعة الإفريقية، والارتقاء بمستوى الكفاءات المتخصّصة في العلوم الزراعية، وزيادة إنتاجية العاملين في الحقل الزراعي، بتعزيز العمل مع الإدارات من وزارات، مؤسّسات علمية، والمنظمات المهنية والشعبية، ومساعدتها في توفير الخبرات الفنية الزراعية، دعما لأجهزتها وتطوير أدائها.
ويعوّل الاتحاد أيضا على دعم البحوث العلمية الزراعية في شتى المجالات، وتنسيق وتوحيد جهود الهيئات البحثية الزراعية، وتطوير الإرشاد الزراعي عن طريق إعداد المرشدين الأكفاء القادرين على نقل منجزات العلم الحديث إلى الزراعة الإفريقية، ناهيك عن إجراء الدراسات المعمقة المساعدة على تحقيق الوحدة الإفريقية في المجال الاقتصادي، وتكوين ما يسمى بـ «بيت خبرة» للدول الإفريقية وتقديم الاستشارات اللازمة لها، والمساعدة على نقل التقنيات الحديثة أو تبادل الخبرات مع الدول الأخرى، خاصة بعد الانضمام بصفة عضو أو عضو مراقب إلى الاتحادات الدولية أو الإقليمية بقصد توحيد الجهود وتوثيق التعاون.
...بناء زراعة إفريقية متطوّرة
تأتي هذه المبادرة لتستجيب لتطلّعات الدول الافريقية موحّدة لبناء زراعة متطوّرة، بحشد جهود المهندسين الزراعيين فيها لإعداد وتنفيذ الخطط الزراعية الطموحة، وكذلك لمعالجة المشاكل الزراعية التي تواجهها إفريقيا المتماثلة في شمالها وجنوبها وشرقها وغربها، وذلك إدراكا لأهمية القطاع الزراعي في جميع الدول الإفريقية كقاعدة مهمة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، باعتبار أنّ الزراعة مسؤولة عن توفير الغذاء اللازم لشعوبها، الخزان الذي يموّن الصناعات الغذائية والزراعية بالمواد الأولية الخام اللازمة لها، دون إهمال النسبة الكبيرة من القوى العاملة التي تشتغل في الفلاحة، واستقطاب الاستثمار الأجنبي بما تتيحه من صادرات سلع زراعية إلى الخارج.
ويؤكّد أوبيري على الدور الذي يقوم به المهندسون الزراعيون الأفارقة في التنمية الزراعية، ومساهمتهم في حل المشاكل التي تعترض تحديث هذا القطاع المهم، ودورهم الفاعل في البحوث والإرشاد، والعمل على إدخال مستلزمات الزراعة الحديثة من وسائل وطرق تعمل على زيادة الإنتاج الزراعي من خلال تطوير إنتاجية العمل ووحدة المساحة الزراعية، والثروة الحيوانيه، وتحسين إنتاجية العمل، بحيث سيتم العمل على المساهمة في حشد جهودهم وخبراتهم بتكوين وإنشاء اتحاد لمنظمات المهندسين الزراعيين في الدول الافريقية بالتنسيق مع الاتحاد الافريقي.
وسيسمح هذا التنسيق - حسبه - بالمساهمة مع قادة القطاع الزراعي في دولهم لبناء زراعة متطورة تحقق تطلعات القادة، والعمل مع القاعدة ضمن منظومة الاتحاد الإفريقي، للمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية الافريقية بشكل عام ، وتوفير متطلبات تحديث وتطوير القطاع الزراعي الإفريقي، والعمل جاهدا على خدمة التعاون والتكامل الزراعي العربي الإفريقي، والقيام بنشاطات مشتركة تحقق تبادل الخبرات وتنمية التعاون بين منظمات المهندسين الزراعيين العرب والأفارقة.
خيــار إستراتيجي
جعلت الجزائر انضمامها إلى منطقة التجارة الحرة الإفريقية خيارا استراتيجيا وفرصة من أجل تنويع الصادرات ومحاور الشراكات الاقتصادية وفق قاعدة «الكل رابح» وتحقيق هدف تقليص التبعية لقطاع المحروقات، كما أنّ القدرات الكامنة في الاقتصاديات الأفريقية فرصة سانحة أمام الجزائر لوضع إستراتيجية لتعزيز تنافسية المؤسسات الوطنية، والاستحواذ على حصص سوقية، خاصة في مجالات الفلاحة والصناعات التحويلية الغذائية.
وتربط الجزائر علاقات تجارية مع 24 دولة فقط من بين 54 بلدا عضوا بالاتحاد الإفريقي في حين تمثل مبادلاتها التجارية مع إفريقيا 3 % من مجموع تعاملاتها الخارجية، حيث تتركز أساسا مع دول شمال القارة، خاصة مع مصر وتونس.
وبالتالي، فإنّ إنشاء منطقة التجارة الحرة الافريقية يمكن أن يساهم في رفع قيمة التبادلات البينية الإفريقية من 15 % إلى 55 % بعد 5 سنوات، مما قد يؤدي إلى زيادة تدفق النقد الأجنبي، وبلوغ 5 مليارات دولار كصادرات خارج المحروقات خلال سنة 2021، وهو الهدف الذي رسمه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون.
..13 بالمائة نسبة التّجارة البينية
في المقابل تمثّل التجارة البينية اليوم نسبة 13 بالمائة وهو رقم متواضع جدا، كما أنّ نسبة تمثيل افريقيا دوليا بالتجارة لا يتعدى نسبة 5 بالمائة، حيث تحتاج اليوم إفريقيا لإنشاء منطقة تجارة حرة تحقق الامن الغذائي والقدرة التنافسية، وتحتاج إلى بنية أساسية لإزالة الحواجز الجمركية والسماح بتبادل وتناول العملات في الأقطار الافريقية.
ولمواجهة جميع التحديات سواء الطبيعية أو المناخية أو البشرية أو البيئية خاصة، يرى أوبيري أنه لابد من تعاون الدول الإفريقية، خاصة مع وجود أمل إفريقي كبير للنمو والتطور، حيث تم إحصاء 6 دول إفريقية من بين أسرع 15 دولة في النمو في العالم ممّا سمح بزيادة النمو الاجمالي الافريقي في مجال الاستثمار الزراعي، حيث أن الزراعة تمثل القاعدة الأساسية للاقتصاد الإفريقي، مؤكدا على ضرورة التعاون الزراعي بين دول افريقيا ومحاربة الفقر وتحقيق الأمن الغذائي والصحي لشعوبها.
وشدّد المتحدّث على أنّ المبادرة المتعلقة بإنجاح مسار تأسيس اتحاد المهندسين الزراعيّين الأفارقة تتطلب اليوم وأكثر من أي وقت مضى الحرص على دعم كل نشاطاته، والدفع به لأن يتولى صدارة المنظمات التي تلعب دورا مهما في تطوير الزراعة في مختلف الدول الافريقية، والحرص على تنظيمه واستكمال بناء مؤسّساته رفقة جميع المهندسين بالدول الافريقية حتى يكون بذلك قوّة علمية وتقنية ومهنية يمكن من خلالها تجسيد خارطة الطريق المستقبلية للزّراعة الافريقية.