بينما يعتبر المتلّقي الإعلام الاجتماعي بديلا للصحافة التقليدي، يحذّر المختصون والمسؤولون عن قطاع الإعلام في الجزائر من مغبّة التفاعل مع الإشاعة والأخبار المغلوطة، داعين من جهة أخرى وبحرص شديد المؤسسات الإعلامية إلى التكيّف مع أحدث المستجدات التكنولوجية في الممارسة الإعلامية.
في هذا الحوار، يحدثنا الدكتور سمير محرز، أستاذ محاضر بكلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة احمد بن يحيى الونشريسي بولاية تيسمسيلت، عن مستقبل الصحافة الورقية والرقمية، أمام تمدّد الإعلام الاجتماعي وشبكاته.
- «الشعب»: هل يمكن أن يعوّض الإعلام الاجتماعي من خلال منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، الإعلام التقليدي وحتى الإعلام الرقمي الجديد؟
الدكتور سمير محرز: في البداية لا يمكن الإجابة على هذا السؤال دون فهم غاية وهدف وسائل التواصل الاجتماعي والمؤسسات الإعلامية الرسمية، فهذه الأخيرة تنبثق عن هيئات حكومية وتسعى لقطع الشكّ باليقين من خلال الخبر الذي يصدر من الهيئة الرسمية.
أما منصات التواصل الاجتماعي فكل منا يقدم الخبر من زاويته الإيديولوجية والفكرية والسياسية دون مراعاة مصداقية الخبر، وغايتها التأثير على أكبر قدر ممكن من المتفاعلين في صفحات التواصل الاجتماعي، خاصة منصّة الفايسبوك التي تتميز بالانتشار والرواج لدى غالبية أوساط المجتمع الجزائري بكل فئاته.
ومهما كان الخبر منتشرا في وسائل التواصل الاجتماعي، دائما يسعى المواطن العودة للمصدر الرسمي من أجل التحقّق ولن يجد الخبر الرسمي سوى في مؤسسات الإعلام الرسمية.
وعليه، ومن رؤيتي التحليلية الشخصية، مهما يكن رواج التواصل الاجتماعي، إلا أن المصداقية والرسمية تغيب في الخبر والمعلومة، بالتالي لا يمكن لها تعويض مؤسسات الإعلام الرسمية.
- في وسط هذا الزخم من وسائل الإعلام الافتراضية والمعتمدة التي تكاد تفقد سلطتها، هل يتحمّل المتلّقي جزء من مسؤولية رواج الإشاعة، وكيف نساعد المتلّقي على التمييز بين الخبيث والطيب من الأخبار والمعلومات التي توفّرها وسائل الإعلام المعتمدة والافتراضية؟
كإضافة لما قلته في الشق الأول من حوارنا، بأن صفحات التواصل الاجتماعي لها بعد تأثيري قوي على المتلّقي، وجب على الهيئات الرسمية فهم ذلك ومواكبة ذهنية الأجيال الحديثة التي تفكّر بطريقة مختلفة تماما عن الجيل السابق، بحيث حدود تفكيرها افتراضية الكترونية وتفاعلية.
وتتأثر بالشخصيات المؤثرة في سوشيال ميديا، هنا يجب أن تتدخّل الدولة والمؤسسات الرسمية في توظيف هذه الشخصيات المؤثرة في الجانب الايجابي وجعلها جسر تواصل بينها وبين الشباب.. وتوظيف المؤثرين في تفعيل الايجابية والعمل الخيري والإنساني وتمكينهم في غرس قيم الروح الوطنية، هذه هي الحالة الوحيدة والمثلى في ضبط المتلّقي.
مع العمل على تطوير المؤسسات الإعلامية الرسمية ومواكبتها لذهنية الشباب العصري والحالي.
- هل علينا الحدّ من نفوذ وسائل التواصل الاجتماعي أم علينا أن نواكبها ونستفيد من خدماتها؟
لا يمكن أن نحدّ من نفوذ وسائل التواصل الاجتماعي ولكن يمكننا تقييدها بضوابط قانونية وأخلاقية، لأن مفاتيح تأسيس هذه الوسائل والمنصات ليست بأيدينا، بالعكس كل تواصلنا وتفاعلنا مرهون بهذه الشركات الكبرى المتواجدة أغلبها في الولايات المتحدّة الأمريكية أو أوروبا.
وكما لهذه الوسائل الاتصالية سلبيات كثيرة وخاصة في الجانب الأخلاقي كما في تطبيق TikTok الذي تجاوز كل المعايير والقيم الأخلاقية للمجتمع الجزائري المحافظ، إلا أن لهذه الوسائل جانب إيجابي ومهم للحياة البشرية في كل المجالات العلمية والثقافية والاقتصادية وحتى الخيرية والإنسانية، وجب مواكبتها واستغلالها والاستفادة من تجارب الدول الأخرى من خلال بحث لا يتجاوز الدقيقة.
يراهن العديد من الخبراء على انتهاء زمن الصحافة الورقية، وبطبيعة الحال الصحافة الورقية في الجزائر ليست وسيلة لمطالعة الأخبار فحسب، إنما أيضا وسيلة إدارية للإشهار والإعلان.
- ما هي التحدّيات التي يجب أن ترفعها الصحافة المكتوبة؟
نعم صحيح زمن الصحافة الورقية قد ولى، ولم تعدّ للجرائد تلك القوة التأثيرية للقارئ نظرا لتراكمات الحياة من جهة، وانتشار الصحافة الالكترونية أو الإعلام البديل الذي يعتمد بشكل كبير على الهاتف الذكي، لهذا نجد أغلب الجرائد تعزّزت بموقع الكتروني. خاصة وأن الدولة أولت اهتماما بالغا للصحافة الاكترونية.
وعن التحديات التي يجب أن ترفعها هذه الأخيرة، أعتقد أن الحل في يد أهل الاختصاص من مديري نشر الجرائد ورؤساء التحرير ووكالة الإشهار anep ووزارة الإعلام والمؤسسات الاقتصادية الكبرى.
فباعتقادي لا يمكن أن نصل لحل من أجل وقف نزيف وسقوط قيمة الجريدة الورقية إلا من خلال لقاء يجمع الفاعلين الذين ذكرتهم سابقا والعمل على إعداد ميثاق.
- ما المطلوب من المؤسسات والصحافة الاحترافية في الجزائر، أمام امتداد وتأثير إعلام منصات التواصل الاجتماعي وموجات الإشاعة والأخبار المغلوطة والمغرضة؟
«الفايك نيوز fakenews» إشكالية تعاني منها كل الدول وليس الجزائر فقط وخاصة تلك الدول التي لها عراقة كبيرة وانفتاح واسع في الإعلام. فما لاحظناه في الانتخابات الأمريكية يؤكد أن الفايك نيوز أصبح جزئية في الإعلام والإعلام المضاد داخل اللوبيات والمؤسسات والهيئات.
والتصدي الوحيد لهذا النوع من الإعلام وجب أن يتشارك فيه كل الفاعلين داخل الدولة من مؤسسات مانحة ومؤسسات إعلامية وأحسن إستراتيجية للصدّ لهذا النوع صناعة الوعي داخل المجتمعات مع تمكين ترسانة قانونية قوية تحفظ حقوق الإعلاميين والدولة وحتى القراء.
فمثلا عندنا في الجزائر وجب على المؤسسات الإعلامية أن تقدم أخبارا دقيقة غير مغلوطة ومضخمة خاصة في الملفات الثقيلة والحسّاسة كملف الحراك الذي تسعى بعض الأطراف الداخلية والخارجية توظيفها في سياقها الخطير.
- ما تقييمكم العام لأداء الإعلام الوطني في ظلّ كل هذه المتغيّرات المتسارعة وضغط وسائل التواصل الاجتماعي؟
كتقييم عام لأداء الإعلام الوطني في ظلّ التحديات الداخلية والخارجية، يمكن أن نقول عنه يعيش انتعاشا ملحوظا منذ 2012 مع انفتاح القنوات الخاصة.
عموما يمكن القول، إن أداء الإعلام في تحسن ملحوظ وهذا ما يجب أن نشيد به في السنوات الأخيرة.