«ما السّعر اليوم؟»، سؤال تعوّد لسان الجزائريين طرحه يوميا فيما بينهم أو على التجار، حيث تسمعه في أسواق بيع الخضر والفواكه، خلال شهر رمضان المبارك، والقاسم المشترك دائما في إجابة الجميع هو أن «الأسعار لا تزال مرتفعة، نحن لسنا السبب اسألوا المصدر ؟»، هذه ذريعة التجار لتبرير ارتفاع الأسعار بشكل دوري، في حين يلخّص كل من تحدّثنا إليهم حال الجزائريين اليوم بعبارة وصل «الموس للعظم»، فالراتب الشهري يراوح مكانه، حتى أصبح يعجز عن تأمين أبسط الاحتياجات الرئيسية اليومية، بينما سُحقت الطبقة المتوسطة وسط هذا الزّحام.
في جولة قادت «الشعب « إلى سوق «كلوزال» بالعاصمة، وبعض التجمعات العشوائية لبيع الخضر والفواكه المعروضة على الطاولات، وهي غالبا مقصد الجزائريين هروبا من أسعار الأسواق المغلقة، بساحة أول ماي، وكذا ببلدية جسر قسنطينة، استقينا أراء المواطنين الذين أكّدوا أن أسعار الخضر تعرف ارتفاعا جنونيا وتواصل استقرارها بالرغم من انقضاء نصف أيام شهر رمضان المبارك، بينما تراجعت أسعار بعض المنتجات الفلاحية، لكن بشكل طفيف لا يرقى إلى تطلعات المواطنين.
منحى تصاعدي..
جنون ارتفاع الأسعار في جلّ المواد ذات الاستهلاك الواسع في الجزائر، منذ مطلع سنة 2012، امتدّ ليشمل الخضر والفواكه، والتي ارتفع سعر بعضها بنسبة 50 ٪، قبل حلول الشهر الفضيل، وبقيت الأسعار تحافظ على أرقامها.. ومثلا لم ينزل سعر الطماطم وفي عزّ موسمها عن 150 دينار، والبطاطا عن 80 دينار، أعلى سعر لها وصل 100دينار، دون الحديث عن أسعار بقية الفواكه المرتفعة أصلا على غرار الموز، والفراولة في موسمها والخوخ.
وبحسب ما عايناه في جولتنا عبر سوق «كلوزال»، بقلب العاصمة، فقد وصل سعر الكوسة إلى 80 دج للكلغ، السلطة 100 دج، الفلفل الحلو والحار 100دج، البطاطا تتراوح بين 70 دج و80 دج، القرنون 80 دج، الجزر 60 دج، الجلبانة 150 دج، الشمندر 100 دج، البرتقال 140 دج، اللّيمون 250 دج، الفول 100 دج، اللّوبيا الخضراء 350 دج، الحار 100 دج، لخيار 140 دج، البصل 70 دج.
بحسب أحد باعة الخضر الذي تحدّث إلينا ــ 30 سنة خبرة ــ فقد أكد أن الأسعار تراجعت ولو نسبيا مقارنة بالأسبوع الأوّل من رمضان، إلا أسعار البطاطا التي تعتبر قاعدة الطبخ الجزائري، لا تزال بعيدة عن سعرها المعقول، إضافة إلى الشمندر والخيار، إلى جانب الطماطم. وأضاف «مقارنة مع السنة الماضية، حيث كان الوباء في عزّ ذروته، وشهدت البلاد حظر التجوال، ابتداء من الساعة الثالثة بعد الزوال، فالأسعار كانت أحسن، فمثلا سعر الموز، خلال السنة الماضية، لم يتعدّ 150 دج، بينما هذه السنة لا يقلّ سعره عن 300دج.
هذه الأسعار لا تختلف كثيرا ببلدية جسر قسنطينة، ففي حي الحياة أكثر الأحياء شعبية في البلدية، بدت ملامح السوق هي هي، منذ دخول الشهر الفضيل، بالرغم من التراجع الطفيف في أسعار الخضر والفواكه.
أسعار اللّحوم ترتفع بزيادة ساعات الصيام!
على غرار الخضر والفواكه، تُواصل أسعار اللّحوم الحمراء والبيضاء ارتفاعها في الأسواق، لتصل بحسب بائع اللّحوم الحمراء في كلوزال، إلى أعلى سعر لها، ويقول: «زاد سعر الكيلوغرام من لحم الخروف، وهبرة العجل، لتنعكس أسعار اللحوم الحمراء على أسعار الدجاج الذي ارتفع إلى 750 دج للكيلوغرام، وقفز سعر كيلوغرام شرائح صدر الدجاج إلى 700 دج أيضا».
طُفنا في رواق بيع اللّحوم والدجاج بسوق كلوزال، ووجدنا الأسعار لا تنزل عن 750 دج للدجاج، ويصل سعر كيلوغرام من كبد الدجاج إلى 900 دج، وشرائح الديك الرومي إلى 700 دج للكيلوغرام، بينما يتجاوز سعر لحم الغنم 145 دج، ويتراوح سعر لحم «البقري» بين 1500 دج و 1700دج، وحتى «الدوّارة»، أو «الكرشة « آخر ملاذ الفقراء فقد وصل سعرها إلى 700 دج للكيلوغرام.
يقول لنا أحد باعة اللّحوم بعين المكان» إن إقبال المواطنين تراجع مقارنة مع السنة الماضية، ففي مثل هذا الوقت من السنة الماضية، حيث كانت الساعة تشير إلى الواحدة بعد الظهر، كانت اللّحوم تنفذ من المحل سريعا، لكن هذه السنة بالعكس تبقى أحيانا كثيرة إلى الغد، ما يشير إلى تراجع الإقبال على المادة.
بائع آخر للحوم الحمراء، أكد في دردشة معنا أن أسعار لحم البقر ارتفعت مقارنة بالأسبوع الأول من رمضان، حيث وصل السعر اليوم إلى 1700 دج، بينما كانت أسعاره في بدايات الشهر لا تتعدى 1550دج في ظاهرة تصاعدية، عكس السنوات الماضية، التي تشهد الأسعار انخفاضا كلما ازدادت أيام الشهر الفضيل، وهذا بالرغم من ضعف الإقبال على اللّحوم الحمراء.
في نهاية الرواق، يتواجد بائع الكونجلي «من أسماك ولحوم حمراء مفرومة وجلبانة، حيث وجدنا واجهة محله فارغة، نفذت سلعته تقريبا، ما يدل على إقبال المواطنين عليها نظرا لانخفاض أسعارها مقارنة مع الطازجة.
بينما وجدنا في حدود الساعة الواحدة والنصف، بكلوزال أن صاحب طاولة بيع الأسماك لا يزال ينتظر من يُفرغ طاولته قبل مغادرته، سمك «المرلون» وصل سعره إلى 800 دج، وقال لنا «الحوّات»، إنّ السنة الماضية كان الإقبال أكثر على الأسماك، بينما هذا العام اضطررنا لعرض بضاعة أقلّ، نظرا لارتفاع أسعاره، ما سبب عزوفا كبيرا عن شرائه.
ونحن نتبادل أطراف الحديث مع بائع السّمك، وإذا بسيدة في أرذل العمر، وبهندام أنيق تظهر أنها من الطبقة التي لم يسحقها بعد جنون الأسعار، تقف أمام الطاولة تنظر طويلا إلى الأسماك المتبقية، لتغادر في صمت، بالرغم من إلحاح «الحوّات» على تخفيض أسعار ما بقي من سمك، من أجل أن يُنهي نهاره، ويحصل على منظر الطاولة الفارغة، فالسمك، والسردين الذي غالبا ما كان الجزائريون يتناولونه كطبق ثاني خلال الشهر الفضيل، غاب هذه السنة عن موائدهم نظرا لغلائه الفاحش.
شجارات زوجية، تذمّر، استغناء والله المستعان
«الشعب» استطلعت آراء بعض المواطنين، حول تأثر قدرتهم الشرائية، خلال الشهر الفضيل، فأجمع غالبية من تحدّثتا إليهم، بحصول ما وصفوه بالإنهيار غير المسبوق لقدرتهم الشرائية، والدليل على ذلك، بحسب تأكيد أحد المتجوّلين بسوق كلوزال، إن ما كانت يعتبر أطباقا يومية سهلة المنال للطبقة الفقيرة والمتوسطة سابقا، خلال الشهر الفضيل، أصبحت تُصنّف ضمن الأطباق الكمالية حاليا.
أكد استغناء الكثيرين عن قائمة من المواد الغذائية، كانت خلال السنة الماضية في نفس الوقت من الضروريات، وأهمها مشتقات الحليب، فالكثير أكدوا لنا عن الاستغناء عن تحلية سهرات رمضان والاكتفاء «بالفلون»، نظرا لارتفاع أسعار مكوّنات التحليات الرمضانية، وندرة الحليب في عديد المناطق، أما مواد أخرى فصار دخولها للمنزل «حلما»، ومنها السمك واللّحوم الحمراء، وبات طبق الشوربة يُعدّ بالدجاج بدل اللّحم الأحمر بالنسبة للطبقة الساحقة من المواطنين.
فاختيار طاولة الإفطار ليس بالأمر اليسير بالنسبة للسيد ع. س. (48 عاما) وزوجته، فهذا نقاشهما اليومي، كما تصف حاله زوجته في حديث معنا، قائلا لها تقريبا كل صباح: «اذهبي إلى السوق لنعلم ما هي الأسعار اليوم».
أضافت «من الصعب جدا أن تعلمي ما هي كلفة وجبة الفطور لليوم التالي، ومن الصعب أكثر أن تستطيع شراء كمية كبيرة من المواد الغذائية وغيرها من الاحتياجات المنزلية لمدة أسبوع وليس شهر، لأن راتب زوجي لم يعد يكفي لتأمين وجبة واحدة في اليوم عمادها الدينارات والبطاطا».
في السوق استوقفتنا سيدة تظهر ملامحها أنها في العقد الخامس، تصول وتجول بين أروقة محال بيع اللّحوم البيضاء والحمراء بسوق كلوزال، تريد شراء بعض الاحتياجات قائلة لنا: «أنا في حيرة في كيفية صرف المبلغ الذي بحوزتي اليوم، حيث لا يتعدى 1500دينار، في اقتناء اللّحوم وبعض الخضر والفواكه، ونحن في منتصف الشهر الفضيل والأسعار لم تنخفض كما وعدونا، وراتب زوجي كله تقريبا صُرف «. وأضافت: «لقد أصبح شهر رمضان شهر الرحمة، شهرا للجشع والطمع».
من جانبه، يشكو أحد المستهلكين الذي كان يتجوّل في رواق بيع اللّحوم، من اضطراب الأسعار، قائلا: «الأسعار تواصل في الارتفاع، لكن المشكلة أن ارتفاع الأسعار أصبحت تفوق رأس المال والربح»، مبرزا أن مدخراته المالية استنفدها، خاصة مع بداية الأزمة السنة الماضية تزامنا مع الأزمة الصّحية التي ضربت البلاد.
بينما تقول أم لأربعة أطفال، إن «الخلافات الزوجية اشتعلت بحدة، بسبب عدم كفاية دخل زوجي الذي يبلغ 50 ألف دينار، وعدم قدرته على توفير مصروف البيت الضروري بسبب ارتفاع أسعار كل شيء»، وتضيف «لم نعد نعرف التصرف بهذا الرتب في ظل الغلاء الفاحش في الأكل ولا الدواء ولا الدروس ولا النقل.. ووو..».
وتتحدث سيدة أخرى بحزن يختلج نبرة صوتها «إن «الأسعار والتجار أصبحوا يتلاعبون بنا.. أصبحنا نعيش في همّ وغمّ بسبب مصاريف البيت، ربي يجيب الخير ويقدّرنا».
وبحسب أحد المتجوّلين، فإنه لا بد من زيادة الأجور لمواجهة ارتفاع الأسعار فدخل الموظف ثابت منذ سنوات، وتابع: «هذا الدخل يتعلق بالموظفين فقط، بينما معظم الجزائريين لا يجدون عملا اليوم، فنسبة البطالة ارتفعت بفعل جائحة كورونا التي ضربت البلاد، وأنهكت مخزونات ومدخرات الجزائريين، لابد أن تراعي السلطات كل هذه الظروف وترفع من الأجور، وإلا فإن الانفجار سيحدث في البلاد»، منهيا كلامه بحرقة ونبرة حادة تغني عن كل تصريح.
التذمر نفسه كان في كلام متقاعد، الذي تساءل «كل شيء زاد ثمنه، هذا كثير، قالوا لنا سيكون هناك استقرار في الأسعار، والعكس هو الذي وقع، أصحاب الدخل الضعيف لن يستطيعوا شراء أي شي، «أين الرقابة؟ كل شيء في السوق سعره مرتفع، الجزائري لم يعد يعرف ماذا يشتري، وماذا يأكل، والحكومة لا تهتم لحالنا».
تجار .. نُسّب ونُشتم ونحن بريئون
التجار الذين غالبا ما يتبرؤون من الزيادات في الأسعار ويربطون رفعهم للأسعار بغلائها، ابتداء من المصدر، هم أيضا مواطنون، حيث أوضح أحد تجار الخضر في حديث مع «الشعب»، «نحن لا نتحمل المسؤولية، بل نحن ضحايا المضاربين، وفي غلاء المعيشة أيضا الذي نعاني منه بدورنا، وفي تراجع القدرة الشرائية لكل الجزائريين، فنحن الحلقة الأضعف، حيث نُسبّ ونُشتم ونواجه المواطنين، حتى هناك من يدعي علينا بالسوء، تخيّلوا ذلك، لكن ما باليد حيلة هذا عملنا، لذلك ندعو السلطات للتضييق على من يضيقون عيش الجزائريين وإيجاد الحلول سريعا».
في حين أجمع العديد ممن تحدّثوا إلينا عن استياءهم للطريقة التي ترتفع بها الأسعار قبل فترات المواسم الدينية، وأكدوا إن الظاهرة تستحق دراسة عميقة للمجتمع الجزائري، الذي تغيّر كثيرا، والضرب بيد من حديد على المضاربين والسماسرة الذين يستغلون الأمر للربح السريع، داعين إلى استعمال ورقة المقاطعة لمعاقبة التجار على تصرفاتهم اتجاه المواطنين، وعوض حصولهم على المال «الحرام» تكسد سلعهم ويتعرضون للخسارة كدرس لهم.