متواضعة، خلوقة، متسامحة.. ولا تفوت فرصة مساعدة الفقراء والمرضى
ودعت الساحة الفنية الجزائرية قامة فنية في سماء الطرب الأصيل، أجمع المقربون إليها وأصدقائها على خصالها الحميدة، ودماثة أخلاقها، ووفائها لفنانها الذي أطربت به جمهورها على مدار سنوات، لتقدّم طيلة مسيرتها الفنية أجمل وأرقى الأغاني المستنبطة من التراث الجزائري العريق، إلى أن وفت المنية فجأة صاحبة الابتسامة الدائمة والفنانة المتواضعة التي تمكنت من استمالة قلوب العديد من الجزائريين، وتصنع فرحة مضاعفة في الأفراح الجزائرية.
رحيل نعيمة عبابسة ترك أثرا بالغا في نفوس محبيها، وهي من عرفها جمهورها بصلابتها وتحديها للصعاب، حاربت المرض الخبيث لمدة أكثر من 30 سنة، بعد أن أصيبت به في عز شبابها وتتمكن من هزيمته، غير أن «وباء كورنا» اللعين وفي أيام معدودة يضع حدا لحياتها ولمسيرتها الفنية، ليستيقظ الوسط الفني على خبر رحيلها الذي لم يكن منتظرا، ويغيب الموت واحدة من أفضل الفنانات الجزائريات والتي سخرت حياتها لخدمة الفن الراقي والأصيل، فكانت صاحبة العطاء الكبير التي أثرت الساحة الفنية بأروع الأغاني، التي ستبقى شاهدة على مشوارها الفني.
فنانون ومقربون إليها أبوا إلا أن يتحدثوا لـ»الشعب» عن خصالها ومناقب الفنانة الراحلة التي تميزت بها، والإشادة بحياتها الفنية العريقة، وهي التي عرفت بإعادة إحياء التراث الجزائري، لتقدم مختلف الطبوع الجزائرية التي أدتها على مختلف المسارح العربية والأوروبية، لتساهم في إيصال الفن الجزائري الأصيل إلى ما وراء البحار، وتقدم الجزائر أحسن تقديم في المحافل الدولية بصوتها وأدائها وحضورها الآسر.
سليمان جوادي: فنانة عرفت بدماثة خلقها وسخائها المفرط
«صورة حقيقية لما يجب أن يكون عليه الفنان الحقيقي» بهذه الكلمات اختار أن ينعي الشاعر سليمان جوادي الفنانة الراحلة نعيمة عبابسة، قائلا بنبرة حزينة، بأنه يعرف فقيدة الفن الجزائري منذ أن كانت صغيرة، حيث كانت تربطه علاقة صداقة بوالدها الشيخ عبد الحميد عبابسة رحمه الله، مضيفا بأنها فنانة عرفت بدماثة خلقها وسخائها المفرط، وحبها للضعفاء والمساكين، حيث أن كل من يعرفها يشهد ليها بهذه الصفات الحميدة التي جعلتها تختلف عن العديد من الفنانين من هذه الناحية.
وأكد جوادي بأن نعيمة عبابسة كانت وفية لفنها وملتزمة بمواعيدها مع الجميع، وبالخصوص مع العائلات الفقيرة والمعوزة، حيث لم تكن تخلف موعدا معهم حتى وإن كانت مرتبطة بحفلات أو سهرات فنية، لتضع هذه الفئة ضمن أولوياتها لمساعدتها والتكفل بحاجياتها، وهي من الصفات التي تميزت بها الفنانة الراحلة.
وإن كان قد جمعهما عمل فني، كشف الشاعر سليمان جوادي بأن نعيمة قدمت أوبيرات من كلماته وتلحين الأستاذ الكبير محمد بوليفة، الذي اختارها لتأديتها، وهي بحوزته وبصوتها، إلا أنها ـ بحسب المتحدث ـ لم تحضى بالبث، إلا أنها شاركت في أغنية جماعية من تأليفه قدمت في إطار الحملة التضامنية الخاصة بفيضانات باب الواد.
كما قال بأن البقاع المقدسة جمعت بينهم أيضا، حيث التقاها خلال آدائها لفريضة الحج، مشيرا إلى أنها كانت إنسانة خلوقة، عطوفة وتمتلك كل الصفات التي يمكن أن تجتمع في امرأة مثالية، مضيفا أنها لم تتميز بتقديم الأغاني الجديدة، فقط تلك التي أدتها مع بعض الفنانين الجلفاويين في إطار عمل ثنائي، إلا أنها اشتهرت ووفقت في إعادة القصائد والأغاني الشعبية، كما اختصت في الأفراح، وبتأدية الأغاني النظيفة، النابعة من الفن الأصيل، كما أنها كانت فنانة محبوبة سواء في الوسط الفني أو لدى جمهورها، وقال في ختام حديثه «نطلب لها الرحمة والمغفرة والعزاء لعائلتها وكذلك الأسرة الفنية».
دنيا الجزائرية: نعيمة ستظل بيننا بفنها وأغانيها
أما الفنانة دنيا الجزائرية فقد أكدت بأنها إلى حد الساعة ما تزال تحت الصدمة، ولم تستوعب رحيل الفنانة نعيمة عبابسة، قائلة بأن الخبر مفجع ومؤلم في نفس الوقت، كونها من الفنانات القريبات إلى قلبها، وصديقة عزيزة عليها، كما وصفتها بالإنسانة الطيبة والمتسامحة والخلوقة، وقامة من قامات الفن الجزائري.
وأضافت بأن الساحة الفنية الجزائرية ستفتقد هذه الفنانة، لكنها ستبقى خالدة في قلوبهم بأعمالها الفنية المتميزة، وبصيتها الذائع وصفاء روحها، مؤكدة على أن رحيلها كان فاجعة إلا أنه لا مفر من قضاء الله وقدره، وأشارت الفنانة دنيا الجزائرية إلى أنها كانت على اتصال دائم بالفنانة الراحلة، وآخر مكالمة جمعتها بها منذ أيام قليلة مع بداية الشهر الفضيل، حيث تحدثت معها عن ألبومها الأخير في طابع «المالوف» على اعتبار أنهم كانوا يتواصلون فيما بينهم ويتبادلون النصائح فيما يخصّ أعمالهم الفنية الجديدة.
دنيا الجزائرية، قالت بأن فقيدة الجزائر هنأتها بألبومها الأخير عبر بريد صوتي، ستظل محتفظة به كذكرى لصديقتها الراحلة، مشيرة إلى أن الحزن يعتلي قلبها، كونها لم تتمكن من رؤيتها في أيامها الأخيرة، وأن تكون عائلتها الفنية إلى جانبها في أزمتها الصحية، حيث وقفت جائحة كوفيد ـ 19 حائلا بينهما، داعية في سياق حديثها أن يرفع الله عنهم هذا البلاء ويجمعهم في الخير.
ولم تفوت الفنانة دنيا الجزائرية فرصة الإشادة أكثر بمناقب المطربة الراحلة التي قدمت الكثير للساحة الفنية، وعرفت بحفلاتها مع العائلات في مختلف الأفراح والأعراس، قائلة بأن نعيمة ستظل بينهم بفنها وأغانيها التي تمكنت من خلالها أن تكسب قلوب الجزائريين.
جمعاوي: نسخة طبق الأصل عن والدها
«نعيمة عبابسة من الفنانات التي كانت تمتلك موهبة كبيرة من خلال آدائها لمختلف الطبوع الفنية» هذا ما افتتح به الفنان القدير صادق جمعاوي حديثه إلينا عن الفنانة الراحلة نعيمة عبابسة، مشيرا إلى أنها تمكّنت بصوتها الجميل من الغناء في طابع الصحراوي، الشعبي، النايلي والحوزي.. حيث قدمت الكثير للفن، إلا أنه للأسف ـ يقول ـ الساحة الجزائرية فقدت برحيلها قامة فنية كبيرة، فهي سليلة عائلة فنية عريقة، على اعتبار أنها ابنة أحد عمالقة الفن الجزائري ورواد الأغنية البدوية عبد الحميد عبابسة، الذي أخذت عنه أصول الفن.
وأضاف صادق جمعاوي، أن نعيمة كانت نسخة طبق الأصل عن والدها، وهو الأمر الذي قليلا ما نراه في أبناء الفنانين، بحيث يكون لكل واحد منهم طابعه الخاص، مشيرا إلى أن نعيمة عبابسة تمكنت من الحفاظ على موروث والدها.. وبدوره تحدث صاحب أغنية «المعلم» عن خصال الفقيدة، والتي قال بشأنها بأنها إنسانة اجتماعية، طيبة وقريبة من جمهورها، كما عرفت بأعمالها الخيرية، حيث كانت دائما إلى جانب العجزة والمرضى.
واعتبر رحيل نعيمة عبابسة خسارة كبيرة للفن الجزائري، وللوسط الفني الذي فقد واحدة من أيقوناته، قائلا بأن الساحة الفنية عزائها كبير بوفاتها، غير أنها ستظل حية في قلوب محبيها وجمهورها الذي تمكنت من استمالته بطربها الراقي والأصيل.
مشوار الفنانة الراحلة نعيمة عبابسة
تنحدر نعيمة عباسة من أسرة فنية عريقة، فهي ابنة الفنان الكبير المؤلف والملحن صاحب رائعة «حيزية» الشيخ عبد الحميد عبابسة، ووالدتها شيخة أعراس شقيقة مطربين عملاقين وهما «الحاج منور كرار» أحد مؤسسي موسيقى الشعبي الجزائري و»ليلى الجزائرية»، كما أنها شقيقة الفنانة فلة الجزائرية، الأمر الذي أهلها لولوج عالم الفن من أوسع أبوابه.
قربها من والدها علمها الطبوع والمقامات، في سن 14 سنة انضمت للفرقة الموسيقية الخاصة بوالدتها كعازفة «أورغ»، ثم كونت فرقة موسيقية خاصة بها في سن صغيرة، لتكون مرافقتها في مختلف حفلاتها ونشاطاتها الفنية، آدائها لفريضة الحج سنة 2006 دفعها لتكوين فرقة جديدة تتكون من العنصر النسوي وفقط نزولا عند رغبة جمهورها.
25 ألبوما في الرصيد
نعيمة عبابسة فنانة متعدّدة المواهب فهي المطربة والكاتبة والملحنة التي توجت مسيرتها الفنية بـ25 ألبوما، أوله سنة 1997 يحمل عنوان «القايمة» على اسم جدتها من أبيها، اشتهرت بعدها بعديد الأغاني التي أثرت بها السجل الفني، حيث أدت ببراعتها وصوتها الجهوري «باسم الله بديت»، «محلاها»، «ليام طوالو»، «يا دزاير»، «ها شاوية»، «سيدي عبد الرحمن».. وغيرها من الأغاني.
صاحبة أغنية الأعراس الشهيرة «يا لي باغي يكسي مرتو» والتي ما يزال صداها يعلو في مختلف الأفراح الجزائرية، وحقّقت نجاحا باهرا، كونها أدت معظم الطبوع الجزائرية في أغنية واحدة ترحل عن عالمها الفني تاركة ورائها رصيدا حافلا، على غرارألبوم «ما زالني على ديداني» والذي أطلقته سنة 2001، «يا اختي» في 2010، وفي 2017 قدمت ألبوما يضم 18 أغنية في طابع النايلي، العاصمي، الصحراوي والترقي، كما أعادت من خلاله أداء الأغنية الرائعة «حيزية».
كانت لها جولات فنية عبر مختلف ربوع الوطن وخارجه، حيث شاركت في حفل تكريم الفنان معطوب الوناس على مسرح «بيرسي» في باريس سنة 2005، إلى جانب مجموعة من الفنانين، كما شاركت في مهرجان « orientalys» بمونتريال سنة 2014 بأسلوب جديد يقترب من موسيقى «التيكنو»، ناهيك عن مشاركتها في العديد من المهرجانات الكبيرة وفي جميع أنحاء العالم خاصة الوطن العربي.