احتضنت قاعة المحاضرات للمركز الثقافي الاسلامي لبلدية دلس، أمس، ندوة فكرية بعنوان «الفكر الاصلاحي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين»، نشّطها كل من الكاتب الصحفي بجريدة «البصائر» عبد القادر قلاتي، والباحث في الدراسات التاريخية مولود عويمر، وهذا في إطار تفعيل الأنشطة الثقافية والعلمية خلال شهر رمضان، وتزامنا ومناسبة يوم العلم بهدف إنعاش المشهد الثقافي المغيب بالبلديات الداخلية التي تعاني نقصا فادحا في مثل هذه الفعاليات.
دعا الكاتب الصحفي عبد القادر قلاتي المتخصص في الفكر الإصلاحي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، إلى «ضرورة الاهتمام أكثر بمآثر الجمعية وإسهامات رائد النهضة الجزائرية في بناء المجتمع والفرد الواعي»، مع تأسّفه «من غياب قنوات التسويق لهذا الفكر الحداثي والتعريف به في الخارج، باعتباره فكرا متقدّما جدا مقارنة مع باقي المذاهب الفكرية والفلسفية الأخرى بما فيها الغربية، من حيث نظرته لأسس بناء الدولة وتقديس الحرية كقرينة للحياة».
تناول الباحث في مداخلته مفهوم الفكر الإصلاحي عند جمعية العلماء، وبمعنى أوسع المشروع الاصلاحي الذي تبنّته الجمعية منذ تأسيسها سنة 1931، ونظرتها لإصلاح المجتمع الجزائري الذي كان يرضخ تحت نير الاستعمار وسبل بناء الفرد الواعي بتاريخه وحضارته ومسؤوليته في الانعتاق، ومواجهة المستدمر وسياسته الاستيطانية وأساليبه في محاربة الهوية الوطنية، وكل ما يرمز لهذا الشعب من لغة، دين وماضي حضاري.
وحاول المحاضر إنصاف الجمعية من حيث دورها الفعال في مكافحة الاستعمار والنضال الفكري من أجل بناء الأمة الجزائرية المستقلة والدولة الوطنية المستقلة على عكس بعض التيارات التي تحاول تشويه هذا الدور، وقال في هذا الخصوص «إنّ حركة الاصلاح أول من ناد بالاستقلال»، ومحاربة سياسة المستعمر الفرنسي بهدوء والتركيز على التعليم في الكتاتيب الصغيرة»، لان ابن باديس تيقّن أن محاربة فرنسا وسياستها لا يكون الا بالعلم وبناء الفرد الواعي مثلما قال.
كما تطرق أيضا إلى مفهوم «الحرية» في فكر بن باديس ومدى تعظيمه لهذا البعد الانساني، مستشهدا باقتباس من مقولة شهيرة للعلامة ورائد النهضة الجزائرية التي يقول فيها «فحق كل إنسان في الحرية كحقه في الحياة، ومقدار ما عنده من حياة هو مقدار ما عنده من حرية»، وهذا كناية على مدى اهتمام الفكر الاصلاحي للجمعية بدور الحرية والانعتاق ولا بديل لبناء الدولة الجزائرية الحديثة والمستقلة الا بالحرية والاستقلال.
من جهته، حاول أستاذ التاريخ والمتخصص في فكر جمعية العلماء الدكتور مولود عويمر، أن يلم أكثر بالموضوع انطلاقا من البعد التاريخي لتأسيس الجمعية، مع التطرق الى طبيعة هيكلتها التنظيمية وأهدافها، مشيرا إلى «أن جمعية العلماء عبارة عن تكتل يضم عدة تيارات فكرية واتجاهات حسب انتماءات أعضائها، الذين استلهموا من مشارب ومدارس اصلاحية ودينية مختلفة وطنية وعربية لكنها متكاملة من حيث نظرتها وتصورها للمشروع الاصلاحي الوطني المبني على التعليم، ومحاربة الجهل والتخلف من أجل التحرر وبناء الجزائر المستقلة».