طباعة هذه الصفحة

هدف حدّدته إتفاقية «أوتاوا»

عالم خــالٍ مــــن الألغـام في 2025

سهام بوعموشة

 حرب مدفـونة غير معلنــة... سلاح بــدون جنــود

 الدكتورة عثماني: المعاناة النفــسيـــة للضحايا متـــواصلة

ما تزال الألغام التي خلفتها الحروب تتسبب بسقوط ضحية كل ساعتين في جميع أنحاء العالم، بحيث يواجه السكان تهديدات انفجار هذه الألغام. ويمثل اليوم الدولي للتوعية بالألغام، فرصة للتشديد على الأهمية التي توليها الدول لمكافحة الألغام المضادة للأفراد. وقد وضعت اتفاقية أوتاوا عام 2014 (وهي الاتفاقية المعتمدة عام 1997 لحظر الألغام المضادة للأفراد)، هدف عالم خال من الألغام بحلول عام 2025، والجزائر التزمت بتحرير كل المناطق الملغمة في إقليمها، بفضل مجهودات أفراد الجيش الوطني الشعبي الذين تكفلوا بالعملية رغم خطورتها.

تندرج الصحراء الغربية ضمن البلدان العشرة الأكثر تلغيما في العالم، حيث تتراوح كثافة التلغيم بـ22 لغما للفرد وبالتالي تصل إلى درجة الإبادة، بينما كانت جبهة البوليساريو بتاريخ 03 نوفمبر 2005 تُوقع مع المنظمة غير الحكومية «نداء جنيف» على الالتزام بعدم استخدام الألغام المضادة للأفراد في النزاع القائم بينها وبين السلطات المغربية، أصرّت هذه الأخيرة استعمال الألغام على طول حائط العار.
يقول أحسن غرابي الأمين العام لمعهد الدراسات الإستراتيجية الشاملة وكاتب تنفيذي للجنة الوزارات المشتركة مكلف بمتابعة اتفاقية أوتاوا من 2001 إلى 2019 سابقا، وخبير مؤهل وفق المادة 8 لاتفاقية أوتاوا (لجنة تقصي الوقائع). كانت المرحلة الأولى لإزالة الألغام بالجزائر خلال الفترة 1963 / 1988، بإزالة مفعول 7.819120 لغم وتحرير 50006 هكتار من الأراضي. في حين المرحلة الثانية كانت من 2004 إلى 2016 بإزالة مفعول 1.035129 لغم، وتحرير 50006 هكتار من الأراضي، حيث زرعت أشجار في الأماكن التي حرُرت من الألغام، وبلغ عدد الناجين من اللغم 7300 شخص، منهم 4830 أثناء حرب التحرير و2470 بعد الإستقلال.
ويضيف غرابي، أن عدد الضحايا بولاية سوق أهراس بلغ 367 و317 بتبسة، و292 بالنعامة و274 ضحية بتلمسان و143 بالطارف و132 بقالمة و100 ضحية ببشار، حيث قدرت نسبة السكان المعاقين بهذه الولايات الحدودية 2,05 بالمائة، مشيرا إلى ثلاثة أنواع من الألغام المضادة للأفراد: المتفرقعة، المضغوطة والمضيئة. كما دمرت الجزائر 165080 لغم مضاد للأشخاص لمخزونها الشخصي.
لا يزال ضحايا الألغام خاصة الأطفال من سكان المناطق الحدودية الشرقية بكل من ولايات الطارف، سوق أهراس، قالمة وتبسة. والغربية بولايات تلمسان، النعامة وبشار، يحملون آثارا جسدية ونفسية خلفتها الألغام المزروعة من طرف الاستعمار الفرنسي عبر خطي شال وموريس المكهربين بسبب حقده الدفين، ويستذكرون مشاهد انفجار لُغم أودى بحياة البعض، فيما ترك آخرين معاقين للأبد ببتر أحد أعضاء الجسم سواء الساق أو اليد أو غيرها من الأطراف.
تحدثت نعيمة عثماني، دكتورة في علم النفس بجامعة سعيدة لـ «الشعب ويكاند»، عن دراسة عيادية مسحية تحت عنوان: «عصاب ما بعد الصدمة عند ضحايا الألغام»، والتي استهدفت 20 حالة من ضحايا الألغام بدوائر تلمسان ومتوسط العمر لديهم 60 سنة، حيث تمت الدراسة بمقر جمعية الحياة للمعاقين حركيا بدائرة سبدو.
تُوضح الدكتورة عثماني، أنه استخدمت كل الطرق العلمية من الملاحظة، المقابلة والاستبيان في هذه الدراسة الأولية وتركت لهم الأريحية في الكلام، حيث استغرقت المقابلة العيادية من 30 إلى 45 دقيقة، مست 95 بالمائة من الذكور و5 بالمائة إناث، منهم متزوجون بنسبة 90 بالمائة و5 بالمائة عزاب وأرمل ومستواهم العلمي ضعيف بنسبة 90 بالمائة، 80 بالمائة أميون، 15 بالمائة مستوى ابتدائي و5 بالمائة متوسط، وتاريخ الحادث لأفراد عينة الدراسة من 1958 إلى 1996 في الفترة الصباحية تزامنا مع قيامهم بعملهم اليومي تنفجر الألغام.
وتُضيف المختصة في علم النفس، أنه رغم مرور سنوات عن الفترة الاستعمارية إلا أن مخلفاتها وأثارها مازالت على الأفراد، الذين يحكون أثار اللغم على جسدهم ويبكون بحرقة أمام أطفالهم، فمعاناتهم ليست بفقدان أحد الأعضاء كالساق، الرجل أو اليد وإنما المعاناة النفسية متواصلة معهم في كل فترة.
وما لاحظته عثماني من خلال العينة تردد وخوف وعدم البوح بالمعاناة النفسية، كون الأمر ليس بالسهل للضحية للحديث عن ما وقع له، حيث خلصت إلى أن 25 بالمائة من أفراد العينة كانوا يعانون أكثر من مرض مزمن و15 بالمائة من ارتفاع الضغط الدموي، 5 بالمائة من الكولسترول، 30 بالمائة لم يكونوا يعانون من أمراض، بالإضافة إلى مشكل السمع، والانهيار العصبي، وكانت الأطراف السفلية أكثر تضررا، وتراود الضحايا كوابيس وكأن الحادث أعيد من جديد، وصعوبة في النوم ويقظة مفرطة، تدني في أدائه المهني، عدم الإقبال على الزواج ومحاولة الانتحار.
وتوصلت الدراسة إلى أن الضحايا يعانون من أثار ما بعد الصدمة، تدخل فيها عوامل وهي تاريخ الحدث، سن الضحية وأثر الحادثة.
وتأمل محدثتنا توسيع العينة لتشمل الجهتان الشرقية والغربية وتكوين ملف لإيصال انشغالاتهم ومعاناتهم للسلطات وإلا فما الجدوى من الدراسات.
وتقترح عثماني دراسة درجة الصدمة النفسية جراء التعرض لانفجار اللغم وانعكاساتها على الجانب المعاش ومدى انتشار الأمراض الذهانية لدى ضحايا الألغام. كما تطالب بضرورة التكفل المتكامل بضحايا الألغام وتوفير مراجع علمية.

أطلس لمكافحة الألغام

ناليا حميش، أخصائية في علم النفس الطبي ومحللة فرق، شاركت بفعالية في فضاء بورتريهات ضحايا الألغام لكتاب «الأطلس لمكافحة الألغام في الجزائر»، وكذلك في تنشيط ورشات تفسير الرسومات عند الطفل، تتحدث عن الجروح غير المرئية لضحايا الألغام والتي أثرت على شخصيتهم وشكلت لهم صدمة لا يمكن علاجها، بحيث تتبادر إلى أذهانهم ذكريات أليمة لتلك الصور المروعة لإنفجار اللغم بكل تفاصيلها.
وتقول الأخصائية في علم النفس الطبي بمستشفى باب الوادي، إن الضحية يروي في شهادته أنه يشم رائحة اللغم والصراخ وكأن الواقعة ستحدث من جديد. وتراوده كوابيس متكررة ويتساءل، لماذا وقع له ذلك ولماذا لم يعد مثلما كان من قبل؟، وتؤكد أن البعض منهم أراد الانتحار لأنه لم يتحمل مشاهدة ساقه أو يده مبتورة، وتشدد على ضرورة التكفل النفسي والعقلي بهؤلاء الضحايا.
جوادي: بنك معلومات لإحصاء الضحايا
يقول محمد جوادي، مجاهد ومعطوب حرب الثورة التحريرية وعضو مؤسس للجمعية الوطنية للدفاع عن ضحايا الألغام المضادة للأفراد، التي تأسست في 2002 في بسكرة، في تصريح لـ «الشعب ويكاند»، أن 7400 ضحية ألغام وحوالي 3500 ضحية عبر الوطن منخرطون في الجمعية، هذه الأخيرة تقوم بزيارتهم بمقار سكناهم وخاصة المرضى والمشلولين والذين لا يمكنهم التحرك، حيث تقدم لهم مساعدة من طرف وزارة المجاهدين ومتابعة صحية وحتى أولادهم يستفيدون من المرافقة.
ويتواجد الضحايا بولايات تبسة، سوق أهراس، الطارف، بشار، تلمسان، النعامة، بسكرة، باتنة، الأغواط وميلة.
ويكشف جوادي عن تحقيق وإحصاء قامت به الجمعية، بالتنسيق مع وزارة المجاهدين، لإنشاء بنك معلومات لكل ضحايا الألغام على المستوى الوطني، للحصول على إحصائيات مدققة لجميع الضحايا. ويشير أن الجمعية تتابع ملف الضحايا من الناحية القانونية لمطالبة فرنسا بالتعويض عن الأضرار التي ألحقتها بالجزائريين جراء حرب مدفونة غير معلنة.
ويبرز المجهودات التي بذلها أفراد الجيش الوطني الشعبي في نزع الألغام وتطهير المناطق الملغمة، فالأرض التي كانت بالأمس جحيما، أصبحت اليوم جنة الفردوس.

مشاريع مصغرة لفائدة الضحايا

من جهته يبرز مسعود العلواني، محام محلّف ونائب رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن ضحايا الألغام المضادة للأفراد، دور هذه الجمعية في التحسيس بمخاطر الألغام عبر جميع ولايات الوطن والتكفل بملفات وانشغالات الضحايا وذويهم بتقديم التسهيلات والمساعدات في إجراءات التكفل الصحي والنفسي والمادي، بالتنسيق مع جميع هيئات ومؤسسات الدولة المخولة قانونيا.
ومن المشاريع المقدمة للجمعية من طرف المنظمة الدولية للمعاقين، إعطاء مشاريع مصغرة لفائدة الضحايا وأهلهم، من بينها مشروع تربية المواشي بولايات خنشلة والمسيلة ومشروع خياطة لأحد أبناء الضحايا.
ويشير العلواني، أن عدد الضحايا المتحصلين على المنح، كل حسب نسبة العجز، بلغ 7400 مستفيد، توبعت ملفاتهم من طرف الجمعية، حيث تم التكفل بآخر ملفات ضحايا الألغام بتاريخ 17 جويلية 2017، وهما الطفلان من ولاية تبسة بلهادي رضا 11 سنة متوفي، وبلهادي زيدان 9 سنوات بتر الأطراف، والضحية الثالثة امرأة 45 سنة من ولاية الأغواط بتر الأطراف.
ويقول أيضا إن هاته الألغام خرجت من المكان الرسمي لخارطة زراعة الألغام بفعل الأمطار، وإنجراف التربة، أين قام أفراد الجيش الوطني الشعبي بنزعها.

رفاعي: أكثر من 300 ضحية بولاية الطارف

يوسف رفاعي، رئيس جمعية التضامن للمعوقين وضحايا الألغام المضادة للأفراد بولاية الطارف، التي تأسست سنة 1997 وعضو الحملة الدولية لحظر الألغام المضادة للأفراد/ التكتل العالمي ضد الأسلحة العنقودية، من بين المدافعين عن حقوق ضحايا الألغام والمعاقين وإدماجهم في الحياة العملية بولاية الطارف، يؤكد أن الأطفال هم الأكثر عرضة لخطر الألغام، لأنهم في غالب الأحيان يقومون برعي المواشي وجمع الحطب.
ويضيف، أن عدد الضحايا بالولاية يفوق 300 ضحية، بحسب إحصائيات معهد الأنثربولوجيا سنة 2009، و240 ضحية يتقاضون المنحة من طرف وزارة المجاهدين 215 رجال و25 امرأة، كما أن هناك 180 ضحية ألغام منخرطون بالجمعية، منهم 245 ذوو إعاقة حركية، 150 شخص ذوو إعاقة ذهنية و85 ذوو إعاقة سمعية و70 شخصا ذوو إعاقة بصرية.
في المقابل، يشيد رفاعي بدور أفراد الجيش الوطني الشعبي في تطهير الأراضي الملغمة، الإرث المسموم الذي زرعته فرنسا، ويقول: «كضحية وأعرف معنى المعاناة، أشكر المؤسسة العسكرية التي عملت بجد وصدق واحترافية في تطهير الجزائر من الألغام».
ويضيف: «كنا في الميدان وشاهدنا طريقة نزع الألغام، ليس بالأمر السهل أن ينزع الإنسان اللغم، لأن في ذلك خطر».