يحلّ رسميا الوزير الأوّل الفرنسي جان كاستيكس، بالجزائر العاصمة، الأسبوع المقبل، في وقت كان الدفء قد عاد إلى العلاقات الثنائية بين البلدين، بعدما شهدت تراجعا خلال سنة 2019، حيث تعكس هذه الزيارة رغبة الطرفين في تعزيز التعاون على مختلف الأصعدة، خاصة الملف الاقتصادي، في محاولة لإعادة «إحياء» اللجنة المشتركة الإقتصادية بين الجزائر وباريس والتي لم تُعقد منذ سنة 2017.
زيارة الوزير الأول الفرنسي، الذي سيكون مرفوقا بأعضاء من حكومته، خاصة من ذوي الحقائب الإقتصادية، جاءت بعد تصريحات متكرّرة من الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون حول ملف الذاكرة ورفع السّرية عن وثائق خاصة بفترة استعمار الجزائر، واعتراف من باريس بمسؤولية الدولة الفرنسية في «تعذيب ثم اغتيال» المحامي والقيادي السياسي في الحركة الوطنية الجزائرية، الشهيد علي بومنجل عام 1957، حتى وإن اعتبرت هذه الخطوات ضئيلة ومحتشمة، إلا أن محللون يصنفونها في إطار محاولة السّاسة في باريس التقرب ومغازلة الجزائر في هذا الوقت. علما أن فرنسا تشهد السنة المقبلة انتخابات رئاسية، قد تكون هذه الخطوات محاولة من ماكرون الحصول على «تأشيرة» البقاء في قصر الإليزيه انطلاق من ملف الذاكرة، وحشد أصوات المهاجرين الجزائريين المقيمين هناك والبالغ عددهم أكثر من 5 ملايين جزائري.
في هذا الموضوع، يؤكد الخبير في العلاقات الدولية والجيوسياسية الدكتور مصباح مناس، في تصريح «للشعب»، أن زيارة الوزير الأول الفرنسي، جان كاستيكس للجزائر، الأسبوع المقبل، ــ والتي أكدها مساء أول أمس رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون خلال لقاء تلفزيوني مع ممثلي الصحافة الوطنية ــ «تعكس تطور العلاقات الجزائرية - الفرنسية، التي كما قال عنها الرئيس تبون إنها أضحت مع إدارة ماكرون الحالية، تحمل توجها جديدا نحو القارة الإفريقية، وعلى رأسها الجزائر، لأن هناك إدراك أن البوابة الرئيسية للقارة الإفريقية على الضفة الشمالية هي الجزائر».
وأضاف مناس قائلا، «فرنسا تدرك أنه في ظل المنافسة الدولية الشرسة القائمة حاليا، خاصة مع الصين والولايات المتحدة الأمريكية، وإذا لم تعدّ حساباتها في ما يتعلق بعلاقاتها الإفريقية، خاصة الجزائر، فقد تفقد الكثير من النفوذ، خاصة ما تعلق بالبعد الجيواستراتيجي والبعد الإقتصادي، وأيضا البعد التاريخي».
وحول سؤال متعلق بمستوى وطبيعة العلاقات الجزائرية - الفرنسية اليوم، في ظل كل المعطيات المحيطة بالراهن، قال الخبير السياسي إن العلاقة بين الطرفين في هذه المرحلة تصنّف في خانة «علاقات جيدة»، خاصة مع توجه الإدارة الفرنسية الجديدة، حيث يطمح كلا الطرفين إلى الوصول بها إلى مستوى أعلى، خاصة وأن فرنسا تدرك تمام الإدراك أنّ الجزائر تبني حاليا «الجمهورية الجديدة»، لذلك فإن القادة الفرنسيين لا يسعون فقط لتجاوز الخلافات بل لتعزيز العلاقات بين البلدين.
في نفس السياق، أكّد الخبير الجيوسياسي، أنه وفي ظل وجود جناح متشدد لايزال يحلم بالتاريخ الإستعماري وهو ما لن يكون، مبرزا أن «مصلحة الطرفين تقتضي تطوير هذه العلاقة إلى مستوى أعلى، خاصىة لفرنسا التي تتخوف من فقدان الكثير من نفوذها في القارة السمراء ومن ضمنها الجزائر».
أما عن أهم الملفات التي سيدرسها الطرفان بمناسبة هذه الزيارة، فيتعلق الأمر ــ بحسب محدثنا ــ بملف الذاكرة وكل ما يتعلق به وهو ملف قائم في العلاقات الجزائرية - الفرنسية، ويثار في كل زيارة، سواء جزائرية إلى فرنسا، أو فرنسية إلى الجزائر، الى جانب فتح ملف ثقيل يخص العلاقات الإقتصادية، اضافة إلى القضايا الإقليمية، منها قضية الصحراء الغربية، القضية الليبية وأيضا الشراكات الأورومتوسطية، وهي كلها ملفات مهمة، كما قد يكون هناك كلام عن قضايا الشرق الأوسط، خاصة ماتعلق بالقضية الفلسطينية».