طباعة هذه الصفحة

النّاشط السياسي د - فاتح ربيعي لـ «الشعب ويكاند»:

الوعود الكاذبة سبب عزوف المواطنين عن الانتخابات

حوار: حمزة محصول

 لابد من أخلقة العمل السياسي بتقديم ذوي الكفاءة والنّزاهة

يؤكّد النّاشط السياسي ودكتور القانون، فاتح ربيعي، لـ «الشعب ويكاند»، أنّ الوعود الكاذبة التي التصقت بعديد الأشخاص والكيانات السياسية التي تصدّرت المشهد السياسي في السّنوات الماضي، من بين أسباب زهد النّاس في السياسة وعزوفهم عن المشاركة في الانتخابات، وشدّد على أهمية أخلقة العمل السياسي من خلال تقديم ذوي الكفاءة والنزاهة لتصدّر قوائم المترشّحين في التّشريعيات المقبلة.

- الشعب ويكاند: تلوّثت السياسة بالكذب، إلى درجة تغيّر مفهومها العام لدى البعض لتصبح «فن الكذب» بدل «فن الممكن»، إلى أيّ مدى يمكن التّسليم بهذه العلاقة؟
 الدكتور فاتح ربيعي: بالنّسبة لنا كمسلمين، لا يمكن أن ترتبط السياسية بالكذب لأنّ الكذب الأصل فيه محرّم. وحتى في الأنظمة الغربية بات يتم الحرص الشّديد على نزاهة الشخص الذي تقدّمه للرأي العام، بأن يكون صاحب كفاءة، تأهيل وتدريب.
والصّدق في العمل السياسي جزء من رسالتنا وعقيدتنا، ومن يهتم بالشّأن العام يجب أن يكون على قدر عال من الوعود الصادقة والنزاهة والمصداقية، وصاحب مقام عال من المسؤولية الأخلاقية.
واليوم علينا أن نجعل العملية عكسية، بعد سنوات من تقديم من ليسوا أهلا للصدق والثقة ليتصدّروا المشهد السياسي، وساهموا في زهد الناس وعزوفهم عن السياسية، وعن الانتخابات على وجه الخصوص.
وإنّنا نتقدّم إلى انتخابات تشريعية مهمّة، في ظل تأكيد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، ضرورة أخلقة العمل السياسي، وأن يكون رجل السياسة صادقا مع شعبه أو ناخبيه، ويوفّي بوعوده وألاّ يكذب على الناس.
نحن في أمس الحاجة إلى أخلقة العمل السياسي، وإبعاد كل ما من شأنه أن يشوّه الاستحقاقات المقبلة، خاصة بعدما ثبت أنّ الانتخابات السابقة وبالأخص المتعلقة بالمجلس الشعبي الوطني، لم تكن في مستوى تطلعات الشعب ولم تف بالوعود المقدمة للناخبين، إلى جانب تنظيمها على ضوء العزوف الكبير للمواطنين عن العملية السياسية بما فيها الانتخابات. ولا بد من ترميم ما تمّ تشويهه، من خلال الدفع بالكفاءات النوعية والصّادقة ممّن يرتقون بالعمل السياسي ويساهمون في أخلقته.

-  كلّما حان موعد الانتخابات التّشريعية يدلي بعض المترشّحين بخطابات، ويقدّمون وعودا لا تفرّق بين العمل التّشريعي والعمل التّنفيذي، أليس هذا هو سبب نعتهم فيما بعد بأصحاب الوعود الكاذبة؟
 هذا ما يحصل، هو جهل بطبيعة مهمة أو اختصاص البرلماني، ما يجعلهم يقعون في أخطاء قاتلة. مهمة البرلمان أو البرلماني هي التشريع أولا، وثانيا الرقابة على الجهاز التنفيذي وهي لا تقل أهمية، ولذلك ينبغي أن يبتعدوا كل البعد عن المسائل التنفيذية لأنّها ليست مهمّتهم، وما يمكنهم القيام به هو نقل انشغالات المواطنين والقيام بدور الوسيط النزيه بينهم وبين الإدارات العمومية لنقل القضايا العامة وليس الشخصية.
ومن هناك يستطيع المنتخب الالتزام بما وعد به، أما الإمعان في وعود لا يستطيع تحقيقها بحكم الدور المنوط بالبرلماني، فلها انعكاسات جد سلبية على نظرة الناس للمؤسسة التشريعية ككل، وهي سبب العزوف الذي نعيشه اليوم.

- ما هي عناصر استقطاب النّاخب اليوم؟
 الأطراف المتداخلة في العملية الانتخابية هي الأحزاب السياسية أو القائمة الحرّة، والأصل في الأحزاب أن تكون لها قاعدة، وبالتالي تكون لها فرص النجاح في الانتخابات. في المقابل، كلما كان لأصحاب القائمة المستقلة جذور داخل المجتمع من خلال إسهامات مشهودة في مجال الخدمات العمومية أو قدّموا أشياء ثقافية أو اجتماعية مهمة للمجتمع، كلّما ارتفعت حظوظهم في الفوز بأصوات الناخبين، والعكس عندما تكون القائمة ضعيفة أو دون مستوى سيكون تأثيرها محدودا.
هناك أمر آخر مهم، فعموم الشعب أو الناخب، له مزاجه وقراءته الخاصة للعملية السياسية واستقطابه بنجاح يحتاج إلى خطاب معين يتسم بالمصداقية، ناهيك عن مصداقية الأشخاص وقدرتهم على التعامل مع حاجات الناس وقضائها، دون إغفال الخطاب الأساسي المتعلق بالتشريع والرقابة على عمل الحكومة.
والأحزاب لها دور مهم في هذا الجانب، تبقى الإشارة إلى أن ضبط القوائم الانتخابية وانتقاء المترشّحين لا يظهر إلا مناسباتيا، وبالضبط بعد توقيع الرئيس لمرسوم استدعاء الهيئة الناخبة، في وقت ينبغي أن تحضّر وتضبط طيلة 5 سنوات كاملة، لأنّنا في حاجة ماسّة لمن يؤثر في الناخبين، من خلال عمل طويل تراكمي ومستمر، ولا تمارس السياسة بالانقطاع لأنّ ذلك سيؤدّي إلى الضعف.

- هناك إجماع بازدياد الوعي السياسي لدى الجزائريّين، وبالتالي ليس من الصّواب الاعتماد على الأساليب البالية في التسويق السياسي، أليس كذلك؟
 منسوب الوعي في الجزائر ازداد وباضطراد، ورأينا هذا في الحراك الشعبي الذي سجّل سلميته وفي حجم كتلته البشرية التي خرجت، فصار كل الشعب يمارس السياسة، ويؤكّد أن منسوب الوعي في ارتفاع.
وكون مستوى التعليم في ازدياد، فهذا من الأسباب الرئيسية، خاصة المتعلمين في المستويات العليا، بعدما كان محدودا ويتجلى ذلك في أعداد طلبة الماستر والليسانس وحتى الدكتوراه، وهذا أمر لا يستهان به.
إلى جانب الممارسة السياسية، فالجزائر بصدد دخول العقد الرابع من التعددية السياسية، وكلها عمل وتراكمات. ومرّ على الشعب الكثير من المواعيد الانتخابية التي تجعله يمتلك القدرة على التمييز والفرز بين المترشّحين، ويختار منهم من يستحق تمثيله.
يبقى أن نؤكّد بأنّ الأمر الأهم في الاستحقاقات المقبلة، هو مصداقيتها وشفافيتها، لأنّ كبار المسؤولين يقولون أن الاستحقاقات السابقة لم تكن في مستوى التطلعات، ونتمنى أن تكون هذه الانتخابات برسالة قوية وأن يحترم صوت المواطن ومن أعطاه الشعب هو من يفوز، وهذا سيؤسّس لمرحلة مقبلة واعدة من العمل السياسي الحقيقي.
والديمقراطية ممارسة ورصيد، ولا تتوقّف على الأفراد أو الكيانات أو لحظة زمنية معينة، وإنما تهم المجتمع ككل، لذلك نأمل أن توفّر الأجواء التي تدفع الشّعب إلى المشاركة القوية في هذه الاستحقاقات.