يشهد الشارع السياسي هذه الأيام، حراكا غير طبيعي يُنذر بتنافس حادّ خلال حملة تشريعيات جوان المقبل، عن طريق تسابق كبير ميزه حضور النخبة بشكل لافت هذه المرّة، على خلاف المناسبات الإنتخابية الماضية، خاصة وأنّ المعطيات الأولية تشير الى اكتساح القوائم المستقلة اللعبة وبقوة على غير العادة، في ظل الرهان على المجتمع المدني ليكون شريكا سياسيا في المشهد القادم، ضف الى تراجع شعبية التشكيلات السياسية على مختلف انتماءاتها وإيديولوجياتها.
الظّاهرة الجديدة ميّزت المشهد الجديد، حيث كان الترشح في السابق مقتصرا على فئة معينة من النواب تلتصق بهم صفة «السابقين»، وهم الذين ذاقوا حلاوة الحصانة والامتيازات النيابية، من رجال مال وقيادات حزبية عمّرت في قبة البرلمان طويلا، حيث لم يكن لزبدة المجتمع النزيهة والأفراد ذوي الدخل المتوسط حتى حلم الترشح.
لوحة بألوان مختلفة
حاليا يشتد التسابق نحو الظفر بتوقيعات الناخبين الذي بلغ ذروته، وهذا حتى قبل صدور قانون الانتخابات الجديد، حيث انطلق السباق نحو البرلمان مبكرا، خاصة بعد فتح المجال أمام الجميع وإسقاط شرط الحصول على نسبة 4٪ في آخر انتخابات تشريعية، ومدّ اليد إلى الشباب ومساعدته ماليا لإقامة مهرجانات وتجمعات الحملة الانتخابية.
هذا الحراك الانتخابي، تتسارع وتيرته يوما بعد يوم، وتتصاعد معه حمى الأجواء التنافسية قبل نحو ثلاثة أشهر عن الموعد.
وترتسم حاليا لوحة سياسية، على شاكلة مزيج من النخبة يعلنون خوضهم الانتخابات، قيادات سياسية منهمكة في تشكيل قوائم انتخابية، أحزاب تنظّم نفسها وتنظيم لقاءات محلية هنا وهناك، حيث بات قياديو الأحزاب هذه الأيام يطوفون ولايات الوطن، ويطلقون تصريحات «غريبة» أحيانا، ومستعطفة للناخبين أحيانا أخرى، لكنهم مايزالون يجترّون خطابات انتخابية سابقة تستعمل فيها الوعود و»تعظيم» التشكيلة السياسية التي يقودونها.
هذه الخطابات «الرّنانة» أضحت تصنع الحدث عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهي مشاهد سخّنت المشهد الانتخابي حاليا، ميزها انخراط المجتمع المدني بدوره في تناول قضايا سياسية، حول أهمية المجلس الشعبي الوطني في نسخته الجديدة، ومن هو المرشح الأفضل لكل منطقة وأحسن ممثل لها، وما هو شكل البرلمان القادم، وغيرها من الأسئلة تفرض نفسها على المشهد.
قوائم أبطالها أساتذة وإعلاميون
حمّى التشريعيات بدت جليا كذلك، حينما أضحى المعلنون عن نية ترشحهم يجولون إلكترونيا ويصولون في المقاهي والنوادي، بهدف إقناع مرشحيهم من أجل جمع التوقيعات لهم، حيث يعيش المعنيون حربا ضد الزمن لاستكمال عملية جمع استمارات الترشح، خاصة وأن القانون يلزم الأحزاب السياسية بجمع ما لا يقل عن خمسة وعشرين ألف توقيع فردي لناخبين مسجلين في القوائم الانتخابية، تجمع عبر 23 ولاية على الأقل وأن لا يقلّ العدد الأدنى من التوقيعات المطلوبة في كل ولاية عن ثلاثمائة توقيع، وعلى قوائم المستقلين أن تُدعم بمائة توقيع على الأقل عن كل مقعد مطلوب شغله من ناخبي الدائرة الانتخابية المعنية، حيث سيتم إيداع القوائم قبل تاريخ 22 أفريل 2021 كآخر أجل. غير أن ما لوحظ في الميدان، أن هذه التّشريعيات عرفت إقدام كثير من الوجوه الجامعية الشابة على إعلان نية الترشح للتشريعيات، إلى جانب اقتحام المجال واسعا من قبل صحفيين وإعلاميين وإعلاميات أعلنوا عن نيتهم في الوصول إلى القبة. وعلى غرار الأستاذ رضوان بوهيدل، من كلية العلوم السياسية، وعلي ربيج أيضا أستاذ العلاقات الدولية، فإن عددا لا بأس به من أساتذة القانون والتاريخ والعلوم السياسية والاقتصادية، باتوا يوميا ينشرون إعلانات الترشح مرفوقة بسيرتهم الذاتية والمهنية. علما أن جلّهم من الشباب ذوي الطموح في اقتحام المجال السياسي من بابه الواسع. لكن اللافت في الأمر أن جلّ المتقدمين اختاروا قوائم حرّة أو أحزابا لم تتورط في عهد النظام السابق، إلا أن هذا الأمر لم يمنع الأحزاب الكبيرة من الدخول في التحضيرات للتشريعيات على قدم وساق.
كما اكتظت صفحات التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، بإعلان نوايا الترشح، حتى من قبل برلمانيين سابقين ممن يملكون «حق العودة» إلى كراسي قصر زيغود يوسف، ممن قضوا عهدة واحدة فقط وباتوا ينشرون ما يسمونها إنجازاتهم خلال العهدة الماضية.
أصحاب الدخل المتوسط في الموعد
وبحسب محللين ومراقبين، تتميز هذه الانتخابات عن غيرها بأمرين، أوّلهما أنها تجري استنادا لقانون جديد سيغيّر المشهد داخل قصر زيغود يوسف، وأنها أوّل انتخابات نيابية بعد حلّ المجلس التّشريعي بعد الحراك الشعبي المبارك، ما شجّع نخبة المجتمع على خوض غمار هذه المعركة لأول مرّة، وبشكل غير معهود، طموحا منهم للوصول الى لعبة الحصانة والإمتيازات البرلمانية وأجرة النائب التي تسيل لعاب الكثيرين، خاصة ذوي الدخل الضعيف الذين أكدوا في تصريحاتهم أنّ الفرصة اليوم متاحة للجميع لتحسين ظروفهم المعيشية. ضف إلى طموح أكبر يتعلق بالوصول الى قصر الحكومة وللمشاركة في حكومة جديدة.
ولغاية استكمال عملية جمع التوقيعات وفرز القوائم، تبقى الكرة في ملعب الناخبين، في التمحيص والتدقيق قبل إعطاء التوقيع قبل صوتهم للمترشحين، والبحث أولا عن برامجهم وأهدافهم من خوض الانتخابات، ولهذا فإن الأشهر الثلاثة القادمة ستكون حافلة بالأحداث السياسية والانتخابية المثيرة.