التاريخ المعاصــــر للصحــراء الكــبرى تجاوز جفـــاف 1973
لا يكفي تسمية جامعة بالإفريقية لنقول إننــا نمــارس جواريتنا
قارتنـا أرض عـذراء غــير محروثـة سرديـــا
في هذا الحوار، اكتشاف قارة سرية تكاد تكون مجهولة تماما، رغم ارتباطنا الجغرافي معها، مع الروائي والأكاديمي الجزائري الصدّيق حاج أحمد (الزيواني) الذي بقي وفيّا للمجال الذي اختاره منذ بدايته وتميّز في الإبداع فيه، وهو الفضاء الإفريقي.
وإضافة إلى جهوده الأكاديمية والروائية، فـ»الزيواني» رحّالة أفريقي، اكتشفنا معه بعضا من أرض إفريقيا من خلال كتابه «رحلاتي لبلاد السافانا»، الصادر قبل سنتين، عن منشورات «الوطن اليوم»، وهو يستعد الآن لإصدار روايته الثالثة «مَنّا... قيامة شتات الصحراء» التي تتناول بعضا من مشكلات الأزواد ومنطقة الساحل.
بعد رحلات إلى «بلاد السافانا»، تعالج في عملك الروائي الجديد من مشكلات الأزواد والساحل... لماذا الاقتراب من هذه القضايا الملغمة؟
قبل أن أنفض يدي من رواية كاماراد سنة 2016، كنتُ قد قرّرتُ ثيمة روايتي الثالثة، التي وسمتُ عنوانها؛ (مَنّا... قيامة شتات الصحراء)، والتي تعالج قضية الأزواد وحركاته الانفصالية المسلحة، المسألة الشائكة بدول الساحل، فجفاف 1973 الذي ضرب شمال مالي، كانت له تداعيات مباشرة، على هجرة السكان نحو الجزائر وليبيا، وازداد هذا الشتات أيضا بعد ثورة التوارق بكيدال سنة 1963، وما نجم عن ذلك من تقتيل وتشريد لخيام الشمال المالي، من طرف حكومة باماكو.
يبدو أن التاريخ المعاصر للصحراء الكبرى، قد صمت وتجاوز جفاف 1973، ولم ينال هذا الحدث التاريخي البارز في الساحل الإفريقي، ما يستحق من الدراسة والعناية، لتأتي الرواية فتهدم التاريخ، وتحاول تشكيل الرؤية التاريخية، من منظور تخييلي.
لقد أعلنت منذ البواكير الأولى لأعمالي الروائية، أني قد سطرتُ وبوعي مشروعي السردي، ضمن جغرافيا الصحراء الكبرى، فجاءت الرواية الأولى (مملكة الزيوان)، محاكية لقصور توات الطينية، فيما راحت الرواية الثانية (كاماراد)، تعالج هجرة الإفريقي الأسود نحو أوروبا، أما الرواية الثالثة (مَنّا... قيامة شتات الصحراء)، فجاءت لتعرية أسباب هجرة التوارق والعرب الحسّان من شمال مالي نحو الجزائر، وما لحق من شتات للتوارق ومجاوريهم الحسّان، عبر المدن الجنوبية الجزائرية، وما تلى ذلك في مطالع الثمانينيات من القرن الماضي، وهجرة التوارق لليبيا، عندما وجدوا ترحيبا من القذافي، الذي وعدهم بإقامة دولة أزوادية بشمال مالي، ففتح لهم معسكرات التدريب، ووظّفهم في حروب بالوكالة في جنوب لبنان وتشاد، وأخيرا عودة أهل الأزواد بأسلحتهم من ليبيا بعد سقوط القذافي، وإعلانهم دولة أزوادية بشمال مالي، هذه هي حكاية الرواية القادمة وتداعياتها على المستوى الإقليمي والحدودي للساحل، وما يلامس هذا المعطى من تهريب الأسلحة والوقود والممنوعات بين دول الساحل.
يكاد القارئ لا يعرف شيئا عن تلك الجغرافيا الممتدة، إلا ما تتعلق بالهجرة غير الشرعية والإرهاب العابر للحدود والأوبئة، لماذا تم اختزال الصورة في تلك الصورة النمطية؟
اللّوم ليس على القراء، بقدر ما يكون على الكتّاب. فالجوار الإفريقي، محبول وملغّم بقضايا شائكة وعصية، على الروائيين والمؤرخين، خلخلة المنمّط، وتعميق الحفر في جغرافيتنا الإفريقية وقضاياها، ثمّة أرض عذراء، غير محروثة سرديا على مستوى المدونة السردية الجزائرية والعربية، لذلك اخترتُ دائما أن أكتب عن القضايا المنسية.
على ذكر «بلاد السافانا»، لماذا يكاد يغيب هذا البعد الإفريقي الكبير في أدبنا الجزائري؟
المسألة ترجع بالأساس لوعي كتّابنا بهذا الجوار الإفريقي المهمل، ومحاولة تقديم قضاياه ومشاكله للمتلقي. فقضية الأزواد مثلا، تعتبر حاليا من القضايا الراهنة الشائكة إقليميا، وتتداخل فيها عدة دول بحكم الجوار والحدود.
وماذا عن أدب تلك البلاد الذي لا نعرف عنه شيئا؟
الأدب الإفريقي غزير، لكننا لا نعلم عنه شيئا، ولعل ذلك يرجع لمنظومتنا التربوية المعاقة، التي لا تفتح أعين أبنائها، إلا على ما هو بين أرجلهم أو شمالا خلف الضفة المتوسطية، وكأن النور انحصر على هذه الزاوية من الرؤية فقط، حتى غدا النظر للجنوب وإفريقيا، شامة نقص وعار عند كتابنا، ينظرون لذلك بشيء من الريبة والتعالي، وهي نظرة قاصرة على أية حال.
الأدب الإفريقي حاز على جائزة نوبل قبل أن ينالها العرب. ففي الفضاء الفرنكوفوني والأنجلوفوني الإفريقي، هناك أدب رائق وعالمي، فلو سألت تلاميذنا وطلبتنا بالجامعات، عن رواية أشياء تتداعى للنيجيري تشنوا تشيبي مثلا، لا تكاد تعثر إلا على عدد ضئيل ممن يعرف هذه الرواية، وهي كمثال فقط للأدب الإفريقي المهمل.
قبل تلك الرحلة كنت قد «انطلقت» سرديا من رثاء زمن مضى في «مملكة الزيوان»، كيف استعدت ذلك العالم المنسي روائيا؟
تبقى روايتي الأولى (مملكة الزيوان)، بمثابة الذات التائقة إلى أصلها ومنبتها، الطفولة بكل ما تحمله من رؤيا ومشاهد، تبقى محفورة في نبش حنيننا وتوقنا إلى الماضي.
أخيرا... هل يكفي تأسيس جامعة «إفريقية» بإمكانات مادية كبيرة في أدرار من أجل إعادة اكتشاف بعدنا الإفريقي المنسي؟
لا يكفي تسمية جامعة أدرار بالإفريقية، لنقول إننا نمارس جواريتنا الإفريقية. فتوات التي هي أصل أدرار، ارتبطت منذ القديم، بروابط تاريخية مع إفريقيا، بحكم وقوعها على محور طرق القوافل، وما تلى ذلك من جهود الشيخ المغيلي بممالك السودان الغربي (سنغاي– الهوسا).
البعد الإفريقي امتداد في التاريخ والجغرافيا، لذلك علينا أن نعيد تشكيل رؤيتنا وتصويبها باتجاه هذا الجوار الإفريقي، وذلك بغسل الرؤية الدونية لهذا الفضاء الجنوبي، المكتنز بالحكايا والثقافات الشعبية.