بعد أن كاد الإحتراب الداخلي يحرق ليبيا والانقسام ينخر وحدتها ويزلزل كيانها، حدثت «المعجزة» وعادت هذه الدّولة الشّقيقة التي سقطت قبل عشر سنوات في براثن العنف والفوضى من حافة الهاوية لترسّخ أقدامها على مسار العملية السياسية التي قطعت منذ الخريف الماضي أشواطا هامة تجلى معها أنّ ليبيا بدأت تخرج من النفق وتقترب من بلوغ برّ الأمان.
توّجت العملية السياسية التي أشرفت عليها الأمم المتحدة منذ أشهر، بتشكيل حكومة وحدة وطنية صادق عليها البرلمان ولقيت التأييد الكبير من المجموعة الدولية التي أظهرت لأول مرة إجماعا على ضرورة الدّفع بإنجاح الخيار السلمي في ليبيا التي أصبحت بوضعها الأمني الخطير، تشكّل تهديدا ليس فقط على الجوار والإقليم، بل وحتى على أوروبا التي كانت بعض دولها سببا مباشرا في غرق هذه الدولة في دوامة العنف والدم.
وإذا كان تشكيل الحكومة الليبية الانتقالية هو بالفعل حدثا تاريخيا واستثنائيا، حيث يفتح أبواب الأمل للخروج النهائي من الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ 2011 خاصة إذا التزم الليبيون بالمسار السياسي السلمي ولم يعطّلوا مهمّة الدبيبة كما سبق وفعلوا مع فائز السراج وحكومة الوفاق الوطني التي تشكّلت عام 2015 ولم تحظ حتى رحيلها بتزكية البرلمان، فالمؤكد أن التحديات التي تعترض استقرار ليبيا عديدة، وعلى رأسها تحدي تنظيم انتخابات عامة في 24 ديسمبر القادم، وقبلها الالتزام بوقف القتال وإنهاء التدخلات الخارجية وإبعاد جميع القوات الأجنبية والمرتزقة، وتوحيد الجيش وإقرار المصالحة وطي صفحة الانقسامات والشروخ التي طالت البنية الاجتماعية، ويتجلى واضحا أن مهمة الدبيبة ليست سهلة بالمرة، بل على العكس تماما إذ تنتظره مهام كثيرة في فترة زمنية مضغوطة، لا تتعدى تسعة أشهر، ما يجعل من انخراط الليبيين كلهم في إنجاح المرحلة الانتقالية حتمية لا مفرّ منها، إذ يكفي ضياعهم لعشر سنوات كاملة من الزمن أمضوها في متاهة صراع عبثي الرابح فيه خاسر لا محالة.
ختاما على الليبيين اليوم أن يوقفوا سياسة جلد الذات، وأن يلتفّوا حول السلطة التنفيذية الجديدة ويساعدوها على تحقيق برنامجها، فذاك هو الطريق الأقصر بل والوحيد للاستقرار وإعادة بناء ليبيا الجديدة التي تسع جميع أبنائها.