نظام القائمة المفتوحة يفكّك بشكل مباشر منطق «الشكارة»
أخلقة العمل السياسي ومحاربة المال الفاسد أحد التزامات رئيس الجمهورية، فبعد أن كان محورا أساسيا في برنامجه الانتخابي، هاهو اليوم يضع الإطار القانوني لمحاربة هذه المعضلة التي تغوّلت في مرحلة سابقة أدّت إلى عزوف الجزائري عن الممارسة السياسية والعملية الانتخابية، وكرّست مفهوما لا يخرج عن الفساد ما ساهم في إبعاد النخب النزيهة والكفاءات العلمية والشباب الطموح.
كما تمّ الالتزام من خلال قانون الانتخابات بتمويل الدولة للأحزاب وحملاتها الانتخابية، بهدف جعل الممارسة السياسية تنصب على تعزيز الفعل الديمقراطي وتحسين أداء المنتخبين وإحداث القطيعة مع الرداءة السائدة وإعطاء الفعل السياسي وزنه في جعله ذو فائدة حقيقة تعود على الموطن والدولة بالخير وتكرس الحصانة بجبهة سياسية واجتماعية صلبة، حسب ما أكد عليه الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية أ.فؤاد عيساني لـ «الشعب ويكاند» .
- »الشعب ويكاند»: أكد رئيس الجمهورية في مجلس الوزراء الأخير على أخلقة العمل السياسي وإبعاد المال الفاسد ما رأيكم في هذا الالتزام .. وما هي قراءتكم له؟
فؤاد عيساني: أعتقد أن رئيس الجمهورية أدرك أحد أهم المعضلات التي كانت سببا من أسباب اندلاع الحراك المبارك، وما كان لها من تأثير في إنتاج مؤسسات تمثيلية غير شرعية عملت على إرساء قواعد وقوانين خدمت الفساد والمفسدين طيل السنوات السابقة، حتى أصبحت معظم تشكيلة هذه المؤسسات إرثا لجماعة من المفسدين، وأصبح السياسيون والإداريون أتباعا وزبائن لهم وصار لا يستطيع أي منطق مثل الانتخاب التنافسي أن يشكّل قوة فاعلة أمام منطقهم، مما خلق جمودا في تداول السلطة.
الآن يحاول رئيس الجمهورية تفكيك هذه المنظومة من خلال إبعاد المال بكل أشكاله، لاسيما الفاسد منه عن العملية الانتخابية في كل مراحلها وتجسيد مبدأ أخلقة الحياة السياسية بسد كل المنافذ أمام تلاعبات كرّسها قانون الانتخابات السابق.
- هل تعتقد أن هذا الالتزام سهل بالنظر للتراكمات التي عرفتها الممارسة السياسية من فساد، تعفن سياسي وسيطرة للمال؟
سؤالك يحيلنا لزمن ما قبل الحراك المبارك وما شابه من ممارسات سياسية غير أخلاقية كان فيها التمثيل في المجالس المنتخبة وخاصة البرلمان ومجلس الأمة انتقائي غير خاضع للمنافسة الإنتخابية بين المترشحين، وصارت سلطة الدولة في أيدي جماعات أو أفراد يهتمون بتحصين مصيرهم من احتمالات لعبة سياسية تنافسية لا يراقبونها كاملة، فينطلقون من تراتبية مؤسساتية وقانونية متحكّم فيها من المركز، وخلق إئتلاف الفوز المتشكل من رجال المال والأعمال والسياسيين الفاسدين، وجعلهم حاشية تمتد أذرعها إلى مفاصل الدولة الجزائرية كافة.
وبالتالي، لما يقول رئيس الجمهورية إبعاد المال الفاسد وأخلقة الحياة السياسية يصير لزاما عليه العمل على تفكيك العصابة التي كانت تتحكّم في اللعبة السياسية والتي قلّت أنها تتشكّل من رجال المال والأعمال والسياسيين الفاسدين، بالإضافة إلى تحالفهم مع إداريين يضمنون لهم الإخراج الانتخابي وفقا لما يخدمهم، لذلك من الصعب تفكيك هذا النوع من العصابات، لكن المهمة ليست بمستحيلة إذا تضافرت جهود الخيرين في هذا الوطن من أجل تغيير الوضع القائم.
- هل تعتقد أن قانون الانتخابات الجديد كرّس الآليات التي تكفل أخلقة العمل السياسي ووضع حد لأي تهديد مالي لمنظومة الحكم وتحقيق الأمل في التغيير؟
أرى أن ماجاء به قانون الإنتخابات الجديد يعالج وبشكل مباشر أخلقة العمل السياسي من خلال نصّه على بعض الإجراءات التي قد تحدّ من الممارسات السلبية التي طبعت المرحلة السابقة، فمن أهم هذه الإجراءات نظام القائمة المفتوحة الذي يفكك وبشكل مباشر منطق (الشكارة) في تصدر القوائم.
لكن بالمقابل أنظر نظرة المتخصّص من خلال أن هذا القانون سيخلق بنى سياسية قد تكون بعيدة كل البعد على المؤسسات المثالية الموجودة في القانون، وهنا أبدي تخوفي من هذه البني السياسية التي ستشتغل فعليا وستكون في الواقع نتاج تطبيق النص القانوني، وهذه البني لا تعمل من تلقاء ذاتها بل يديرها أشخاص تطبعهم ثقافة وتوجهات وتفضيلات متنوعة تؤثر في فهمهم للقانون وطريقة تطبيقهم له.
لذلك أرى هنا أنه يجب مراعاة الجانب البشري المنظم للعملية الانتخابية ككل وما يلعبه من دور في تأطيرها والوصول إلى نتائج حقيقية غير مزورة.
- هناك من يرى أن أخلقة العمل السياسي أصبح ضرورة لترقية أداء المنتخبين في إطار الشفافية وتمكين أكبر للكفاءة والخبرة وإحداث القطيعة مع الرداءة؟
أخلقة العمل السياسي تعني معالجة الوضع القائم المتميز بالتعفن في الممارسة وتفكيك القوى غير الدستورية التي تملكت الدولة والمجال السياسي ككل وأدارت السلطة والثروة بشكل خفي، بعيدا عن المؤسسات الدستورية، وأضعفت دور المعارضة وصحّرت المشهد السياسي.
وأعتقد أن تفكيك هذه المنظومة وتحييدها على الحياة السياسية هو جزء من العلاج لفسح المجال للكفاءات والخبرات للمشاركة في العمل السياسي التشاركي، لأنه لا يتصوّر أن تشارك الكفاءات والخبرات في وسط سياسي متعفّن، لذلك تعتبر أخلقة العمل السياسي ضرورية وأحد أهم الخطوات لإعطاء ضمانات كافية للنزهاء والكفاءات العلمية للمشاركة في العملية الإنتخابية، وينعكس ذلك وبشكل مباشر على أداء المنتخبين في إطار الشفافية مادام أن المترشحون كفاءات فلن يكون التمثيل إلا من خبرات ستعمل على إحداث القطيعة مع الرداءة والممارسات السابقة.
- هل يمكن لأخلقة العمل السياسي أن يساهم في تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص سيما بالنسبة لتعزيز مشاركة الشباب؟
أخلقة العمل السياسي وإبعاد المال الفاسد يفسح المجال للممارسة السياسية المتوازنة والمنتجة لتمثيل قوي للقاعدة الشعبية، وما جاء به مشروع تعديل قانون الانتخابات الجديد يخدم هذا التوجّه ويعطي فرص للشباب بالترشح للانتخابات من خلال إلزامية أن تضم قائمة المترشحين نسب معتبرة من الشباب، لذلك ما على شباب اليوم سوى الانخراط الواسع في العمل السياسي التمثيلي والمشاركة بقوة لإحداث التغيير الذي نادي به الحراك المبارك.
- في رأيك هل يمكن تشديد الرقابة على العمل السياسي خاصة إذا تمّ اعتماد الاقتراع النسبي وفتح القوائم؟
أخاف أن يتحوّل قانون الانتخابات الجديد إلى أشكال تأطيرية محضة لمشروعية شكلية غير مؤثرة، من خلال سلبيات نظام القائمة المفتوح المبني على القيمة الانتخابية التي يملكها المترشح ، فهذا النظام يشجع على المشاركة الإنتخابية من خلال إصطفاف القبيلة والعرش حول مرشحهم، ما يرفع من نسبة إقصاء القوائم الإنتخابية، ويفسح المجال للقوي السياسة المهيكلة التي لها وعاء انتخابي ثابت والتي كان لها دور في المنظومة السابقة، فتعود من الباب الواسع.
لذلك صار لزاما على هذه القوى الحزبية أن تصلح نفسها من الداخل وتعيد النظر في إستراتيجية الترشيحات، مع تشديد الرقابة على العمل السياسي من طرف هيئة مستقلة حتى تمنع إعادة ظهور الممارسات السابقة.