ثمّن كل من الدكتور اسحاق خرشي من جامعة الشلف، ومحمد لمعيني من جامعة بسكرة، قرار رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، ترقية الولايات المنتدبة إلى ولايات كاملة الصلاحية، على غرار ولاية اولاد جلال، مؤكدان في تصريح لـ»الشعب ويكاند»، مدى مساهمة القرار في رفع الغبن التنموي عن هذه الولاية الجديدة بالجنوب الجزائري الكبير.
يتفق الأستاذان الجامعيان، على أهمية القرار في تعزيز اللحمة الوطنية، كون جنوب الجزائر يزخر بقدرات تنموية جد هامة، لا تقتصر ـ حسبهما - على الطاقة، بل تتجاوزها لتشمل العديد من القدرات الاستراتيجية الهامة وطنيا وجهويا خاصة في المجالين الفلاحي والسياحي اللذين يعوّل عليهما كثيرا في خلق بدائل ثروة جديدة خاصة في بعض الشعب الفلاحية التي تشتهر بها الولاية الجديدة اولاد جلال.
وأكد الدكتور اسحاق خرشي وهو أستاذ محاضر بكلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير بجامعة الشلف، في هذا الصدد أن تحويل المقاطعات الإدارية المعنية لمصاف ولايات كاملة الصلاحية سيعزّز لامحالة من قدراتها في جميع المجالات ويضعها في الطريق الصحيح للتنمية المحلية والاقتصادية بوتيرة سريعة، مذكرا بالتجربة الإيجابية لأولاد جلال عندما كانت مقاطعات إدارية ثم ولاية منتدبة، حيث سمحت بإحداث تطوّر مقبول بالمنطقة خاصة في مجال المرافق القاعدية والتهيئة العمرانية.
تثمين وارتياح
كما وصف الدكتور محمد لمعيني استاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق والعلوم السياسية ببسكرة، قرار الرئيس تبون بالإجراء الأمثل للتجاوب مع معطيات المرحلة وآفاقها المستقبلية، بعد توقيعه لمرسوم رئاسي، يعدل بموجبه التنظيم الإقليمي للبلاد، إذ تقرّر فيه رسميا ترقية تيميمون وبني عباس وأولاد جلال، وتقرت والمغير والمنيعة في وسط الصحراء، وجانت وعين صالح وعين قزام وبرج باجي مختار في أقصى الجنوب، إلى ولايات كاملة الصلاحية.
القرار حسب لمعيني جاء ضمن تنفيذ ما جاء به القانون 19-12 المؤرخ في 12 ديسمبر 2019 المعدل للقانون المتعلق بالتنظيم الاقليمي للبلاد هو الذي رقّى هذه المقاطعات الإدارية إلى ولايات كاملة، وحدّد تاريخ 31 ديسمبر 2020، كآخر أجل لنقل صلاحيات ولاة الولايات الأصلية إلى ولاة الولايات المستحدثة.
وبحسب هذا التعديل يضيف لمعيني في تصريح لـ»الشعب» ويكاند على التقسيم الاقليمي للبلاد، وبعد تعيين وتنصيب الولاة الجدد على مستوى ولاياتهم،
وتطبيقا لما ورد في الدستور وقانون الانتخابات،
وقانون الولاية وقانون البلدية، لا بد من إنشاء مجالس منتخبة على غرار تخصيص مقاعد برلمانية في غرفتي البرلمان باعتبار أن الدائرة الانتخابية في الجزائر محدّدة أصلا بالإقليم الجغرافي للولاية، وباعتبار ترقية هذه المقاطعات إلى ولايات، فلزاما تخصيص مقاعد لها في غرفتي البرلمان.
أيضا المجلس الشعبي الولائي والذي يعتبر هيئة مداولة للولاية، من خلال إشراك المواطنين المنتمين للولاية سواء في عملية الانتخاب أو الترشح، او حتى في إبداء اقتراحات بعد انتخاب المجلس، كما يضمن تفعيل دور المواطن في تسيير شؤونه المحلية بطريقة ديمقراطية باعتباره قوة اقتراح ومشاركة وكل هذا سيعزّز الديمقراطية التشاركية ومساهمة المواطن عبر منتخبيه في تسيير شؤونه المحلية.
تعزيز اللامركزية
كما اكد الدكتور اسحاق خرشي المحلل الإقتصادي المختص في مجال المقاولاتية وإعادة تنظيم وهيكلة المؤسسات الإقتصادية، بأن قرار الرئيس تبون من شأنه المضي قدما وبصدق في تنمية ولايات الجنوب وهي من أهم أولوياته والتزاماته ما سيسمح برفع الغبن التنموي عن هذه الولاية الجديدة من خلال توفير ميزانية، خاصة بها وتحكّم أفضل في التسيير المحلي
وتوزيع عادل للتنمية مع تعزيز لامركزية القرار، بحيث يتمّ استحداث مشاريع تنموية خاصة بالولاية الجديدة وحسب احتياجاتها المحلية.
وتهدف هذه الترقية حسب لمعيني أستاذ الحقوق بجامعة بسكرة، إلى تقريب الإدارات من المواطنين وتخفيف العبء على المسؤولين في ولايات الجنوب عموما
وأولاد جلال خصوصا، والتي تتباعد فيها المسافات بين بعض المدن والبلدات ومقر الولاية في بعض الأحيان إلى أكثر من 200 كيلومتر، مما يجعل بعض البلديات تعاني التهميش أو عدم المتابعة من قبل المسؤولين على مستوى الولاية، وبذلك تكون دائما في بعيدة عن اقتراحات ومشاريع التنموية، ناهيك على ارتباط المواطن بمقر الولاية فيما يخصّ مجالات الوظيفة العامة، في ملفات السكن، مشاريع دعم الشباب وغيرها من الخدمات المقدمة للمواطن والتي يبقى الحصول عليها مرتبط باتصال المواطن وفي بعض الأحيان بشكل يومي بمقر الولاية.
إضافة إلى ان هذا التقسيم سيعزّز اللامركزية وشغل الإقليم بطريقة متوازنة والرفع من جاذبيته حسب خرشي، كما أنه يستجيب لمتطلبات التنمية الاقتصادية لفائدة المواطنين، من خلال اجتهادات الولاة الجدد في جلب المستثمرين المحليين وحتى الأجانب مع تقديم مختلف التسهيلات لهم حتى ننتقل من ولايات إدارية إلى ولايات اقتصادية بامتياز.
وبذلك تستطيع يضيف خرشي «اولاد جلال» الولاية الجديدة في تحقّق حركية اقتصادية لتصبح قطب جهوي بامتياز بالرغم من التقشف وقلة الموارد المالية في الوضع الراهن، ويتم هذا على المدى القصير
والمتوسط، من خلال فتح الحدود مع دول الجوار، فالولاية الجديدة أولاد جلال تمتلك معبرين معبر تونس ومعبر ليبيا، فإذا ما فتحت هذه المعابر أما حركة السلع والبضائع فستتحول أولاد جلال من ولاية إدارية إلى ولاية اقتصادية وهي تمتلك المقومات اللازمة خاصة في شعبة الفلاحة وتربية المواشي.
ضرورة لتوفير مداخيل
وبخصوص مدى تأثير الوضع المالي للجزائر على تمويل هذه الولايات الجديدة بتخصيص ميزانيات كاملة لها لتفعيل التنمية المحلية فأشار خرشي إلى أن الوضع المالي للجزائر سيؤثر على تمويل هذه الولايات لذلك يقترح ضيف ـالشعب ويكاند - أن يكون للولاية الجديدة توجه اقتصادي وليس توجه إداري، حتى يستطيع توفير مداخيل للولاية ونتجه أكثر نحو الولاية الاقتصادية، من جهة أخرى يجب تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية للجزائر مع دول الجوار لجلب المستثمرين الأجانب لتحقيق التنمية في الولاية المعنية.
مضيفا، أن الاستثمار هو أحد اولويات الدولة في هذه الولايات الجديدة لتكون جاذبة للإستثمار، خاصة وأنها ولايات فتية تحتاج لمرافقة خاصة من الحكومة، من خلال قيام الدولة بتقديم تحفيزات مثل: خفض الضريبة المقدرة بـ19%، دعم تسعيرة الكهرباء في الجنوب بسبب الاستهلاك الكبير للطاقة الكهربائية كنتيجة لارتفاع درجة الحرارة، دعم المناطق الصناعية في الجنوب بتوفير الطرقات المعبدة والوسائل النقل، بالإضافة الى توفير الفنادق، المطاعم ومحطات البنزين.
وبالنسبة لإيجابيات القرار بالنسبة لساكنة هذه الولاية الجديدة أولاد جلال فيرى عضو المجلس العلمي لكلية الحقوق بجامعة محمد خيضر ببسكرة الدكتور محمد لمعيني أن السكان استقبلوا قرار ترقية مقاطعتهم الادارية إلى ولاية كاملة الصلاحيات، بسعادة وغبطة كبيرة، إلا أنهم يتمنون ارتباط هذه القرارات بوجود ارادات ونيات سليمة للنهوض بالتنمية بأولاد جلال، مؤكدين أنهم مستعدون لتكثيف الجهود من كافة أطياف المجتمع المدني من حركات جمعوية لتكون ولايتهم في مستوى التحديات.
فولاية أولاد جلال، ولاية تقع في الجنوب الشرقي للجزائر، تبعد عن العاصمة بحوالي 400 كم، وعن مقر ولاية بسكرة بــ100 كم، تتوسط ولايات بسكرة
والجلفة والمسيلة والواد، تتربع على مساحة 11400 كم2 بتعداد سكاني يزيد عن 210 آلاف نسمة، تتكون من ست بلديات هي اولاد جلال، سيدي خالد، الدوسن، الشعيبة، راس الميعاد و البسباس.
مناطق الظل أولوية
ولتجنب تكرار بعض الأخطاء بالولايات السابقة في مجال تسيير القطاعات الإقتصادية، ينصح المحلل الإقتصادي اسحاق خرشي مسؤولي هذه الولاية، بالاعتماد بشكل كلي على الرقمنة في عملية التسيير، لذلك يجب على مسؤولي الولاية أن يسرعوا في إطلاق مناقصات خاصة بتطوير تطبيقات أو قواعد بيانات تسمح للولاة ورؤساء الدوائر والبلديات بمتابعة كل ما يتعلق بنشاطهم، مع تمكين الشباب واعطائهم الفرصة في بناء ولاياتهم الجديدة وهذا من خلال إشراكهم في المجال السياسي والاقتصادي.
والهدف من كل هذا حسب خرشي، هو مواجهة العوائق المحتملة في تسيير اولاد جلال، خاصة ما تعلّق بحاجاتها المستعجلة كعملية التوظيف واختيار الكفاءات التي ستعمل على تسيير الهياكل الإدارية، كما تحتاج كل ولاية جديدة إلى خطة للإنعاش الاقتصادي
والاجتماعي والتي تمثل خارطة طريق في المدى الاستعجالي، المدى القصير والمدى الطويل.
أما الأستاذ لمعيني فيرى أن ترقية المقاطعة الادارية أولاد جلال إلى ولاية وباقي الولايات الأخرى المعنية بالترقية، يحتاج إلى ميزانية خاصة، لأنه يتطلّب إنشاء هياكل ومقرات جديدة، قد تكون السلطة قد راعت ذلك ورصدت في ميزانية 2021، الاعتمادات المالية لوضع هذه الهياكل الجديدة موقع التجسيد في الميدان وفتح التوظيف بها، حتى لا تبقى هذه الولاية بلا مقرات ولا هياكل كما حدث في سنوات الثمانينات أين بقيت ولايات لسنوات دون هياكل، لا يدري مواطنيها لأي ولاية يتجه لإتمام معاملاته واستخراجه وثائقه، كما أن ترقية أولاد جلال إلى ولاية يحتاج ايضا - حسبه - إلى اتخاذ العديد من الإجراءات التقنية والقانونية والإدارية التي تتناسب مع طبيعتها، وخصوصيتها سواء ما تعلّق بمواردها وإمكانياتها أو بعدد سكانها ويرها من المسائل المرتبطة.
وبفصل لمعيني في هذه النقطة بالتأكيد ان قرار ترقية اولاد جلال إلى مصاف ولاية يهدف أيضا إلى تقليص الهوة التنموية بينها وبين باقي مناطق الوطن، حيث يتوخى سكان هذه الولاية أن تضيق الهوة بين المواطن والادارة وفكّ الارتباط مع ادارات ولاية بسكرة، ورفع الضغط عنهم في مجالات عدة لتسهيل حياتهم كإنجاز ادارات عمومية تخفف عنهم التنقل إلى مقر الولاية الأصلية من جهة، وتوفر مناصب وفرص للعمل للشباب من جهة أخرى، خاصة وأن البطالة تستشري في هذه الولاية وتعرف مستويات مرتفعة، يستلزم معها القضاء على البيروقراطية وتقريب الادارة من المواطن وتحسين الخدمة العمومية وهي المقاييس التي يُبنى على أساسها الحكم الراشد.
تفعيل التنمية
يعترف الدكتور لمعيني بأنّ المناطق النائية والمعزولة التي تدخل في اقليم الولاية الجديدة لا يزال يعاني ساكنتها في شتى المجالات، وبمعاينة واقع التنمية
والمشاريع المنجزة والتي هي قيد الانجاز تدعو للتفاؤل على غرار بناء المدارس الابتدائية وما يتبعها من ترميم والمطاعم التي تقدم الوجبات الساخنة أو التي هي محل انجاز وكذا تزويد السكان ببعض المناطق بالكهرباء والغاز، أو المشاريع المبرمجة في القريب العاجل للربط بشبكات المياه او الصرف كلها أمور تبشر بالخير حسب لمعيني وستساعد على التكفل بانشغالات المواطنين، لأن معاناة هذه المناطق هي ناتجة عن تراكمات السنين، ولكن الحلول ستكون مرحلية كما أن سكان مناطق الظل بالولاية الجديدة أولاد جلال ما زالوا في حاجة الى المزيد من التنمية
ومزيد من المشاريع الضرورية التي يقترحها السكان على الوالي الجديد كانشغالات ملحة ومستعجلة وهذه المشاكل هي في حقيقة الحال وحسب سكان هذه المناطق ناتجة عن تهميش مزمن وضعف في ميزانيات البلديات وأحيانا حتى غياب الاهتمام من قبل بعض المسؤولين المحليين.
وبعد الترقية إلى ولاية كاملة الصلاحيات، تصبو اولاد جلال إلى انطلاقة تنموية حقيقية في كل المجالات خاصة الاقتصادية منها باعتبارها أقرب الولايات المستحدثة الى العاصمة كذلك لكونها أرضا خصبة قد تستهوي المستثمرين في كل النشاطات.
وجمع محدثنا العديد من الاقتراحات التي قدمها ساكنة الولاية الجديدة في بعض الملفات التي ستوضع أمام الوالي الجديد على غرار اشراك المجتمع المدني الحقيقي في المخططات التنمية المحلية، دعم ومتابعة الحركة الجمعوية ورفع من وتيرة نشاطها، تحويل محلات الرئيس الشاغرة الى مقرات للجمعيات الناشطة، استرجاع كل المرافق العمومية المتعلقة بالثقافة والشباب الى أهلها وعملها الحقيقي، ترميم سكنات 35 مسكن f5 الشاغرة بحي سليمان عميرات، وتحويلهم الى حي اداري مؤقت، اضافة إلى دعم المؤسسات الناشئة وخاصة الشباب منها في مجال الصفقات العمومية كما نص عليه قانون الصفقات العمومية وكذا وضع لجنة لمتابعة مراحل ابرام الصفقة العمومية من الاعداد الى تسليم المشروع مع دعم نشاط تربية الماشية، وانشاء سوق وطني ضخم، واستثمار جودة والتصنيف العالمي لرأس الغنم لأولاد جلال،
وبعث سوق وطني كبير للحوم الحمراء، مع احاطته بطابع سياحي يجلب السياحة للمنطقة لتصبح خلاّقة للثروة.
وفي هذا الشأن، يشير أيضا الدكتور خرشي إلى ضرورة تثمين الولاية لممتلكاتها باتباع مقاربة اقتصادية بدلا من المقاربة الإدارية وأن تتجه أكثر للانفتاح على المناطق الحدودية المجاورة وتسويق الفائض من المنتجات الفلاحية، لذا على الدولة تسهيل إنشاء مراكز للجمارك وبنوك وطنية على مستوى المعابر لكل ولاية قصد تقنين وتسهيل الإجراءات الخاصة بحركة البضائع وتحويل الأموال.