بشكل مفاجئ، أعلن وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، أمس الأول، تعليق المغرب كل أشكال التعاون والاتصال مع السفارة الألمانية في الرباط. بوريطة، عزا القرار الذي اتّخذه إلى سوء التفاهم العميق مع الجمهورية الفدرالية الألمانية حول العديد من القضايا الجوهرية بالنسبة للمملكة المغربية، دون أن يوضّح مواضع سوء الفهم هذا .
دعا وزير الخارجية المغربي في الرسالة الموجّهة إلى رئيس الحكومة، كل القطاعات الحكومية وكل المؤسّسات التابعة لها إلى تعليق كل اتصال أو تفاعل أو تعاون، سواء مع السفارة الألمانية في الرباط أو مع منظمات التعاون والمؤسسات السياسية التابعة لها.
وشدّدت المراسلة على أن أي رفع لهذا التعليق، لا يمكن أن يتم إلا بموافقة واضحة من بوريطة نفسه.
أسباب القطيعة
بالعودة إلى مسار العلاقات المغربية الألمانية في الفترة الأخيرة، يمكن تسجيل عدة مواقف سياسية وإعلامية، قد تكون سرّعت باتخاذ المغرب لهذا القرار.
أول هذه المواقف هو تقرير على شكل فيديو، بثّه موقع مؤسسة «دوتشفيله» الألمانية، وهي مؤسسة إعلامية مموّلة من وزارة الخارجية الألمانية وتابعة لها موجهة إلى الخارج، تناول بالنقد شخصية عبد اللطيف الحموشي، الرجل القوي في المغرب، مدير المخابرات الداخلية ومدير الأمن الوطني.
الفيديو، بث يوم 21 جويلية 2020، في إطار برنامج «السلطة الخامسة»، وحمل عنوانا مثيرا عبارة عن تساؤل يقول «حارس المملكة أم متهم بتعذيب الصحفيين؟».
وأثار نشر هذا الفيديو في حينه عدة انتقادات من طرف وسائل إعلام مقربة من السلطة.
ضدّ إعلان ترامب
في شهر 22 ديسمبر 2020، وعلى إثر قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الاعتراف المزعوم بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، في مقابل تطبيع الرباط علاقاتها مع الكيان الصهيوني، تحرّكت الدبلوماسية الألمانية من خلال تقديم طلب لعقد اجتماع عاجل ومغلق لمجلس الأمن الدولي لبحث الوضع في المنطقة على ضوء الموقف الأمريكي، وهو ما رأت فيه الرباط موقفا مناوئا لها.
وأثناء انعقاد اجتماع مجلس الأمن، أكّد مندوب ألمانيا لدى الأمم المتحدة كريستوف هيوسغن، في تدخله على أن حل النزاعات بالطريقة السلمية يعني الالتزام بالقواعد وتنفيذ قرارات مجلس الأمن والقانون الدولي، في إشارة ضمنية إلى عدم موافقة بلاده على الخطوة الأمريكية.
تعاطف ألماني مع البوليساريو
بدا الدبلوماسي الألماني متعاطفا مع جبهة البوليساريو، عندما وصفها بـ «الطرف الضعيف»، وقال إنها تشعر بـ «الإحباط».
ودعا المندوب الألماني إلى تعيين مبعوث شخصي جديد للأمين العام في الصحراء يكون «مقبولا من الطرفين»، موضحا «بالنسبة لنا، يعني حل النزاعات بالطرق السلمية، إتباع القواعد وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة وتطبيق القانون الدولي».
يذكر أنّ ذلك الاجتماع التشاوري، الذي نظم عن طريق الفيديو، انتهى دون نشر البيان الصحفي التقليدي. وهو ما يعني عدم توصل الأعضاء الخمسة عشر لاتفاق بشأن بيان مشترك.
وكان آخر مبعوث أممي إلى الصحراء الغربية هو الرئيس الألماني الأسبق هورست كوهلر، الذي أعلنت الأمم المتّحدة عن استقالته من منصبه يوم 23 ماي 2020، لأسباب صحية، دون أن توضّح طبيعة المشكلات الصحية التي دفعت مبعوثها إلى ترك منصبه الذي لا يزال شاغرا منذ ذلك الوقت.
تقرير عن نهب الثّروات الصّحراوية
في شهر فيفري الماضي، بثّت قناة «دويتشه فيله» الألمانية، تقريرا حول موضوع الثروات السمكية في المياه الإقليمية الصحراوية، لقي صدى واسعا واظهر عملية النهب المستمر لمقدّرات الصحراويين.
وقد اعتبرت وسائل إعلام مغربية التقرير بأنه متحامل على المملكة، بسبب انحيازه إلى موقف جبهة البوليساريو، وتركيزه على ما وصفها بـ «معركتها القانونية» أمام المحاكم الأوروبية لوقف استغلال الاحتلال المغربي لهذه الثروة.
الغياب عن مؤتمر برلين
يضاف إلى المواضيع الخلافية السّابقة، موضوع الأزمة الليبية الذي سجل العام الماضي تباينا واضحا بين الموقفين المغربي والليبي في التعاطي مع هذا الملف.
وبرز هذا الخلاف جليّا أثناء انعقاد مؤتمر برلين الأول للفرقاء الليبيين، في جانفي من العام، عندما قامت ألمانيا بتوجيه الدعوة فيه إلى دول إقليمية بما فيها الجزائر مع استثناء المغرب وتونس.