تحت عنوان «وهران: مدينة المعرفة والتعايش»، تنعقد فعاليات الطبعة الرابعة من الملتقى حول تحرير وهران في ذكراه الـ229، وذلك غدا الأحد، بالمركز الوطني للبحث في الأنثربولوجيا الاجتماعية والثقافية «كراسك». ويحدّثنا البروفيسور العربي بوعمامة، منسق هذه الطبعة، وكذا الطبعات الثلاثة السابقة، في هذا الحوار، عن محاور الملتقى وأهدافه، التي من ضمنها ترسيم هذه الذكرى، وعن دور النخب العلمية سواءً في تحرير المدينة الأول سنة 1708، أو الثاني سنة 1792..
«الشعب»: إلامَ يهدف الملتقى، وما هي أهمّ محاوره وأهمّ المحطات في برنامجه، وما جديد هذه الطبعة مقارنة بالطبعات الثلاثة السابقة؟
العربي بوعمامة: في بداية هذه السانحة الإعلامية، أتقدم بالشكر الجزيل لكم على هذه الالتفاتة الطيبة، التي تزن مسار جهد علمي نؤطر مسعاه الأصيل عبر تنظيم ملتقى وطني حول تحرير «وهران من الاحتلال الإسباني» في الذكرى 229 للتحرير، وهو حدث وطني هام علمي وتاريخي في أبعاده، سيحتضنه المركز الوطني للبحث في الأنثربولوجيا الاجتماعية والثقافية بوهران «كراسك».
ومن أهم محاور الملتقى، الذي يعتبر نتاج عمل تشاركي بين فرقة البحث «الثقافة والاتصال» لمخبر دراسات الاتصال والإعلام و»فرقة الأماكن التاريخية في العهد العثماني»، تنظيم جلسات علمية تتناول الكتابات التاريخية في الموضوع، وإشارات هامة ضمن أوراق بحثية أخرى تركز على الحقب التاريخية الفاصلة في تحرير وهران من الاحتلال الإسباني، ودور شخصيات فاعلة في هذا التحرير.
أما جديد طبعة هذه السنة، فهو تنظيم برنامج سياحي علمي إن صحّ التوصيف، يتيح للباحثين والمشاركين زيارة عدد من المعالم التاريخية التي توثق للحدث التاريخي وهو تحرير المدينة، على غرار زيارة مسجد الطلبة. كما أن الملتقى مهدى إلى روح المجاهد الزاوي الجيلالي، الذي عمل معنا في جهد متواصل من أجل ترسيم الذكرى.
اخترتم للمتقى عنوان «وهران مدينة المعرفة والتعايش».. لماذا هذا الاختيار، وما الذي يميّز وهران عن بقية الحواضر الجزائرية في اعتقادك؟
اختيار هذا العنوان الذي لفت انتباهكم راجع لعدة اعتبارات، إذ تحيل خلفية موضوع الملتقى تاريخيا إلى مكانة وهران كمدينة وحاضرة للمعرفة والتعايش على مرّ عقود، كانت فيها موطن العلماء ورجال النضال، إذ يجب الانتباه إلى معطى هام في هذا السياق يخص وهران كونها تعتبر من المدن التاريخية التي تميّزت بنخبها العلمية، نخبٌ ساهمت في نشر قيم التسامح والتعايش.. فوهران استقبلت المهاجرين الأندلسيين، وكانت مرافئها فضاءً اقتصادياً ودينياً وثقافياً، واستطاعت المدينة أن تعيش فتراتِ استقرارٍ ازدهرت فيها الحركة العلمية، كما كانت مقصداً للعلماء، وكانت مدرستا الشيخ الهواري بن اعمر وإبراهيم التازي منارتين للعلم والصلاح وفعل الخير قبل الاحتلال الإسباني، ثم كان التجديد لهذا الإشعاع العلمي مع فاتح وهران ومحرّرها من الاحتلال الإسباني محمد بن عثمان الكبير سنة 1792، إذ تأسست مدارس كان شيوخها من قادة رباطات وهران التي شكلتها النخب العلمية من دارسي العلوم الدينية والأدبية، فكانت «المدرسة المحمدية» وحلقات مسجد الباي ومدارس بطيوة كلياتٍ علمية حقيقية.
* وهران مدينة عتيقة بتراثها المتنوع، وتلتقي فيها حضارات مختلفة.. هل يجد هذا التراث العناية اللازمة، وما الذي يتوجب فعله للحفاظ عليه والترويج له؟
بكل أمانة وصراحة يفرضها الواقع الموجود هناك تقصير واضح في الاهتمام والعناية بتراث وهران المادي وغير المادي، وقد وقفتُ بمعية باحثين وفاعلين من نشطاء من خيرة شباب المدينة على وضعية مؤسفة للعديد من المعالم الأثرية للمدينة، منها «القصبة الأندلسية» التي تعاني في صمت.. هناك جهد يُبذل، خارج منظومة الأداء الرسمي، للاهتمام بهذا المعلم التاريخي، كما أن الوضع نفسه يطال معالم وشواهد تاريخية أخرى بالمدينة مازالت في حاجة للترميم والتهيئة والتصنيف الذي تأخر في تقديري.
وما يجب فعله هو انخراط النخب العلمية في جهد يبذل للاهتمام بهذه المعالم الأثرية، وهي كثيرة وبعضها منسي ويحتاج لالتفاتة من السلطات الولائية والقطاعات المعنية الوصية على ما هو تاريخي وأثري وثقافي، وأخصّ بالذكر المساجد ومدرسة الباي، ومقبرة طلبة التي بها شهداء تحرير وهران الثاني.
كما أعتقد أن دور الإعلام في التعريف بهذه المعالم وكشف الوضعية الصعبة التي تتواجد فيها من أهم الآليات المتاحة أيضا لتحريك هذا الملف الذي أراه مسؤولية أخلاقية تقع على عاتق كل مواطن وباحث ومسؤول في وهران العامرة بالعلماء وأصحاب الهمم.
* يُنظم هذا الملتقى بالتعاون بين «كراسك» وهران ومخبر دراسات الاتصال والإعلام بجامعة مستغانم.. كيف يمكن للتعاون بين الجامعات الجزائرية أن يساعد في تثمين التراث الوطني؟
يعتبر هذا الملتقى نتاج عمل تشاركي بين مخبر الاتصال والإعلام ومركز البحث في الأنثربولوجيا الاجتماعية والثقافية «كراسك»، الذي تجسده أيضا اتفاقية تم إبرامها بشكل رسمي بمقر المركز مؤخرا، ونحن نحضّر لتظاهرات علمية أخرى مع هذه المؤسسة الأكاديمية. وأعتقد أن هذا التعاون بين المخابر وهيئات علمية مؤسساتية يمكن أن يساهم في طرح رؤى جديدة في تنظيم الملتقيات العلمية، خاصة منها التاريخية، وهدفنا في هذا الجانب هو تثمين التراث الوطني الغني والمتعدد، ونحن نعمل في الحقيقة ضمن هذا المسعى والعديد من التظاهرات المبرمجة والتي تم المصادقة عليها في مجالس علمية تلامس هذا البعد الهام الذي يعنى بترقية مكانة التاريخ والتراث في التظاهرات الأكاديمية.
في رأيك، ما الذي يحول دون ترسيم الاحتفال بتحرير وهران إلى غاية الآن، وما الذي تأملونه في هذا الصدد؟
لا أعتقد أن هناك ما يمنع ترسيم ذكرى تحرير وهران، خاصة في ظل وجود مسار من التأطير الذي اهتم بتأصيل الذكرى والدفع بها علميا في أوساط المجتمع الوهراني، الذي يتفاعل مع كل مجد يحفظه أرشيف المدينة النضالي. وأنا أجدد الدعوة التي يشاركني فيها العديد من الباحثين لترسيم الذكرى، ونحن نعمل في هذه الطبعة الجديدة على تحضير ملف هام بهذا الخصوص لوضعه أمام الهيئات المسؤولة، وأرجو أن تتفاعل السلطات مع هذا الطلب، وهو ملحّ لأنه في صالح الذاكرة الوطنية التاريخية التي تحتاج منا جميعا إلى الدعم والعناية على كافة المستويات.