طباعة هذه الصفحة

في الذكرى المزدوجة لتأسيس اتحاد العمال وتأميم المحروقات

مكاسب وتراكمات لرسم مستقبل الجزائر الجديدة

سعاد بوعبوش

تعود الذكرى المزدوجة لتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين وتأميم المحروقات، في ظرف استثنائي سمته وضع اقتصادي هش بسبب انهيار أسعار البترول وتداعيات فيروس كورونا الذي ضرب كبريات اقتصاديات العالم.
 التعقل وفتح الحوار وتبني مطالب الحراك من أجل التغيير، كان السبيل للذهاب نحو جزائر جديدة بمؤسسات شرعية تتبنى صوت الشعب وتخدم مصلحة البلد، من خلال رسم استراتيجية تؤسس لمرحلة جديدة، بداية بتشخيص الاقتصاد الوطني ووضع خطة إنعاش من أجل الإقلاع من جديد.

إلتزام بالدفاع عن العمال والمؤسسة

الإلتزام بالعمل من أجل الدفاع عن مصالح العمال والمؤسسة والمساهمة في تنمية الاقتصاد الوطني، بقناعة واحدة تصب في الحفاظ على استقرار عالم الشغل وتعزيز مكاسب العمال، هو التوجه الذي يعوّل الاتحاد العام للعمال الجزائريين تحقيقه وهو يحيي ذكرى تأسيسه 65، متخذا منه منهج المرحلة الجديدة.
تصبو المركزية النقابية لتحقيق هذه الأهداف، بالرغم من صعوبتها، خاصة وأن الممارسات السابقة ضربت مصداقيتها كممثل ذي وزن ثقيل، ما جعل فئات عمالية تلجأ إلى الانتظام في نقابات مستقلة عن الاتحاد، ما جعله يفقد قاعدة عمالية كبيرة، ومن ذلك قطاع الوظيف العمومي، لاسيما بسلك التربية، الصحة والبلديات.
وبالرغم من كل ما عرفه الاتحاد العام للعمال الجزائريين من مطبّات وضربات وتضييق على الممارسة النقابية طوال المرحلة السابقة، إلا أنه لا يمكن إنكار وزنه كعنوان تاريخي للنضال العمالي بعد تأسيسه في 24 فيفري 1956، في خضم ثورة التحرير، بقيادة عيسات إيدير، ليعطي نفسا لمناهضة الاحتلال، وتدعيما لصفوفها بجمع شمل الطبقة العمالية الجزائرية في تنظيم نقابي واحد وأيضا لدفع هذه الشريحة الاجتماعية والمساهمة في الدفاع عن مصالح العمال المادية والاجتماعية ونشر الوعي السياسي والكفاح المسلح من أجل تحرير الجزائر.
شريك في خطة الإنعاش
في المقابل، وابتداء من أكتوبر 2020، يراهن الاتحاد العام للعمال الجزائريين على بَدْءِ مرحلة جديدة تكون فيها الممارسة النقابية دون وصاية، وإحداث القطيعة مع ممارسات سابقة أضرّت بسمعته كممثل تاريخي للطبقة الشغّيلة بالجزائر وتحكمت في الكثير من المكاسب المحققة لعقد من الزمن.
واختار التنظيم العمالي العتيد المشاركة الفعّالة في رسم ملامح الجزائر، لاسيما بتقديم مقترحات في خطة الإنعاش الاقتصادي، بالتركيز على كيفية إنشاء الثروة والقيمة المضافة والابتعاد عن الاقتصاد الريعي المعتمد على عائدات المحروقات، وخفض أسعار الفائدة على القروض للمستثمرين ورقمنة الإدارة كحل لإنهاء البيروقراطية التي تعيق الإقلاع الاقتصادي والعمل على اتخاذ تدابير عاجلة لإحداث ديناميكية اقتصادية، بما في ذلك دمج الاقتصاد الموازي ومراجعة أرباح البنوك، وتخفيف الإجراءات المتعلقة بالاستثمار.
عين على انتقال طاقوي آمن
بخصوص تأميم المحروقات، هذا القرار التاريخي للرئيس الراحل هواري بومدين في 24 فيفري 1971، الذي وضع الجزائر في صدارة الدول المنتجة للبترول من أجل استرجاع السيادة على الثروات الوطنية، سيما فوائد الشركات الكبرى متعددة الجنسيات مثل «بريتيش بيتروليوم» و»ايسو» و»شل» و»موبيل» بالجزائر، ثم توقيع أمر في 11 أفريل 1971 بصدور القانون الأساسي حول المحروقات الذي يحدد الإطار الذي من المفروض أن يجري فيه نشاط الشركات الأجنبية في مجال البحث عن المحروقات واستغلالها.
وبموجب هذا القرار الاستراتيجي، أصبحت الجزائر تحوز على 51 بالمائة من الشركات الأجنبية في الجزائر.
وتمت التسوية النهائية للخلافات التي نجمت عن هذا القرار، بالتوقيع يوم 30 جوان 1971 بين سونطراك و»سي.أف.بي.ا» ويوم 13 ديسمبر من نفس السنة بين سونطراك و»أو.أل.أف- أو.أر.ا.بي» على اتفاقين حول الشروط الجديدة التي تسيير نشاطاتها بالجزائر.
قرار تأميم المحروقات الذي تحتفل به الجزائر في ذكراه 50 من كل سنة عزّز استقلال الجزائر اقتصاديا وتنمويا ومكّنها من بسط سيادتها على ثرواتها الباطنية، كما تم رسم إطار جديد لأنشطة المحروقات، مستقر واضح وشفاف، بما سيمكن من تثمين الرصيد التاريخي في مجال الشراكة المربحة التي حققت من خلالها سوناطراك نتائج إيجابية فيما بعد.
وأضحت للجزائر أدوار في العمل على تعزيز جهود أوبك وشركائها في مسعى إعادة التوازن لسوق النفط الخام، ونجحت في استضافة اللقاء التاريخي للتوافق على تسقيف الإنتاج في سبتمبر 2016 وميلاد مسار الجزائر لتحقيق التوازن في السوق النفطية العالمية والذي لايزال يتعزز تدريجيا إلى غاية اليوم.
هذه المكاسب المحققة تسعى الجزائر للحفاظ عليها وتعزيز دورها باستغلال تراكمات نشاطها في المجال الطاقوي والاستفادة من الدروس، لاسيما بعد انهيار أسعار البترول، ما أثّر على الاقتصاد الوطني، واستدعى رسم استراتيجية تحسبا للمستقبل تقوم على تحقيق الأمن والانتقال الطاقوي لمواكبة التحولات العالمية حتى يكون للجزائر موقع في الأدوار الفاعلة للأقطاب الصاعدة في مجالات الطاقات غير التقليدية والجديدة والمتجددة، وتثمين مختلف الموارد لصالح المجموعة الوطنية.
ويبقى الرهان اليوم مواصلة المهمة الأساسية في ضمان الأمن الطاقوي على الأمد البعيد وتعزيزه، ناهيك عن الوفاء بالالتزامات تجاه السوق الوطنية لتلبية الحاجيات المتزايدة، دون إغفال الالتزامات الخارجية وتثمين الموارد الخام بتطوير سلاسل الصناعات التحويلية في مجالات التكرير أو البتروكيمياء، رهان تعمل الإرادة السياسية على تحقيقه وتجسيده، من خلال إعادة تأهيل العنصر البشري وتطوير البنية التحتية بما يرقى لتلبية الطلب الداخلي والخارجي.