كثيرا ما يعمد السّادة والقادة وأصحاب الجاه والسلطان والقدوة، وفطاحل العلم والمعرفة والفن والأدب وصناع القرار من المتحضرين والمتمدنين المستقرين المثقفين والسياسيين، إلى كتابة وتدوين يومياتهم بشكل منتظم أو متقطّع، توثيقا ليومياتهم وتصرفاتهم الخاصة وأفعالهم الشخصية وسيرهم الذاتية بهدف ربط الصلة وتبليغ رسالة التواصل بين أفراد العائلة والأجيال المتلاحقة للتذكر والاقتداء والترحم، وتخليد مآثر الشخصية في سلسلة التاريخ أو تبييض الصورة الفردية أو الجماعية أو الأسرية التي تكون قد أساءت أو تركت آثارا سلبية قد تعرّضها للاساءة والكراهية واللعان وكشف المستور، أو الحرص بعدم الاطلاع على سريتها والوصية بنشرها بعد الفراق والاحتماء بتراب القبر وقداسة الموت بعد الرحيل لما تضمّنته من أسرار وحقائق ومواقف وأكاذيب وشهادات، وعلاقات خاصة يهاب من كشفها حفاظا على المكانة أو احتراما للقيم والأعراف السّائدة في المحيط الاجتماعي والبيئي الذي ينتمي إليه.
في حين أن هناك من السياسيين والموظفين والعمال المتقاعدين والمقالين يستعجلون في نشر مذكراتهم الخاصة وسيرهم الذاتية لدرء التّهم وتبرير الأخطاء، والدوران في سوق الكلام وصدّ المذكرات وما تتضمّنه من أسرار واعترافات وانطباعات، وشهادات عن أحداث كان لها الأثر في تغيير مجرى حياتهم أو تاريخ من تعاملوا معهم.
عودة إلى البدء
يعود تاريخ فكرة كتابة المذكرات الشخصية والسير الذاتية والتراجم الفردية إلى الحركية الأدبية المزدهرة التي تناولت فنونها بطولات الشخصيات الناجحة والزعامات الفاشلة، التي تسبّبت في الإخفاقات والكوارث البشرية وكذلك إلى حركية ذلك الفن الأدبي المميز، الذي أبدع في لغته الأدباء وأبلغوا في وصف الشّخصية الفاعلة في الحدث والموقف المؤثر الذي يستقطب اهتمام الناس للتمتع بما تضمّنته من وقائع وأسرار ونسج الخيال، بفسح الآفاق أمام أصحاب الأحلام النائمة التي عجزت عن تحقيقها.
ذلك الفن الأدبي المتميّز الذي دفع بالشّخصيات المهمّة والنّاجحة ذات الأصالة العريقة والنسب الصحيح، والمكانة العالية والأخلاق السامية والفعالية التاريخية السياسية والعسكرية والدينية والعلمية أن تولي لذاتها أهمية بإنشاء هيئة عائلية متخصّصة مكلّفة بتدوين يومياتها ومروياتها وتجاربها من أجل أن تكون قدوة للمهتمين بها، ومصدرا جامعا للمادة التاريخية والتوثيق للشخصية. وتقديم مذكرتها وسيرتها الشخصية في الصورة والإطار الذي يليق بها، وبالباحثين والدارسين للشخصيات المؤثّرة في الحركية الأدبية والتاريخية للحياة البشرية المستمرة.
ذلك الفن الأدبي الراقي الذي استحوذ على الذاكرة الثقافية والمعرفية، وأخذ المكانة الفكرية العالية عند سادة اليونان وقادة الرومان، الذين وثقوا للتاريخ بتدوين مذكراتهم الشخصية وسيرهم الذاتية، وتقديمها للباحث والدارس والقارئ بأسلوب أدبي بليغ ولغوي بديع جمعتها كتب عظمائهم وسير مشاهرهم من الأباطرة (حياة الأباطرة الاثني عشر) لتراتكويلوس و(حياة الاسكندر الأكبر المتوفي عام 320 ق م) لكورتيوسروفوس.
كما كانت العصور الوسطى وما رافقها من نزاعات دينية وحركات إصلاحية في أوروبا وتبشيرية في أمريكا، حتى بدأ القساوسة والرهبان ورجال الدين البارزين في كتابة مذكراتهم الشخصية وسيرهم الذاتية، والتي من أشهرها حسب المؤرخين الكبار وبأنها أول سيرة ذاتية كان لها الاثر البارز في المسيحية الغربية للقديس الجزائري ابن القديسة الأمازيغية (مونكا)، وهو من مواليد سوق أهراس الكاتب والفيلسوف النوميدي (اغسطنيوس القديس اغسطين 354م 430 م) في سيرته الذاتية (الاعترافات) وكذا (حياة كارل الأكبر 1786 م ـ 1818 م) للكاتب لنهارت.
ونظرا لما عرفه عصر النهضة الأوروبية طيلة الأربعة عشر (14 قرنا) الأخيرة من الالفية الثانية من تغيرات فكرية وتعددات لسانية ساعدتها على ازدهار الفنون والآداب، وتوسع ظاهرة الانقلابات وحركة الثورات الفكرية والطبقية، دفعت بالكثير من إنصاف المثقفين السلبيين والمتهورين الخارجين عن جادة الأصالة والنسب والثقافة والفكر والأدب أن يدوّنوا مذكرات شخصية وسير ذاتية في مجالات الصعلكة والزعامات الكاذبة، وهي الظاهرة التي أبدع فيها الكتاب الفرنسيون باعتبارهم اكثر الشعوب الغربية اهتماما بتدوين المذكرات الشخصية والسير الذاتية، وما تحتويه من ذكر أحداث ومن طرح أفكار جريئة تتجاوز المحذورات والمحرمات (الطابوهات)، خاصة تلك المرتبطة بالعلاقات البشرية المشبوهة وغيرها من الكتابات المعاكسة والخارجة عن الآداب الإنسانية العامة.
الحرب ومذكّرات زعماء الغرب
تعتبر الأفراح والاطراح والمباهج والكوارث الطبيعية والبشرية من أهم الدوافع الكبيرة التي تدفع بالإنسان الى التدوين عن الأحداث والأهوال، خاصة ما تعلق بالحروب مثل الحربين العالميتين الأولى والثانية من الألفية الثانية (1914 م 1918 و1939 م 1945 م) التي كان لها الجانب القوي في تطوير العديد من المجالات الفنية والأدبية، خاصة تلك المتعلقة بكتابة المذكرات الشخصية والسير التي تبرز المواقف العسكرية والسياسية والدبلوماسية في الحروب الإقليمية والكونية، والعلاقات الدولية المترتبة عن نتائج الحروب والثورات من أفكار وسياسات وأيديولوجيات جديدة تدفع بالمفكرين المعاصرين من العمل على تحديد معالمها وابراز مآثر قادتها وزعمائها (غاندي، تشرشل، نابوليون) وغيرهم من الذين ما تزال كتاباتهم وما تضمّنته مذكراتهم من نظريات ومساطر وحكم وأمثال منهلا للباحثين والدارسين من جيل الألفية الثالثة.
فهذا المثقف الحكيم السياسي المتواضع الزعيم الروحي الملقب بوالد الأمة رائد (الساتياغراها) المهاتما غاندي (1869 م ـ 1948 م) وما جمعته مذكراته (قصة تجاربي مع الحياة) من حكم وقيم وأقوال مأثورة (أحب السلام وأحب دعاته، ولا غرو في ذلك فديننا الاسلام اسمه مشتق من السلام، وهل هناك تكريم أعظم من هذه الكلمة أن رضي الله تعالى أن ندعوه باسم السلام؟) و(كثيرون حول السلطة قليلون حول الوطن) و(الله هو الشافي والطبيب يأخذ ثمن العلاج).
أما القائد الأسطوري الذي لم ينطق باللفظ الفرنسي سليما طيلة حياته نابليون بونابرت أو نابليون الاول (1769 م 1821 م) وما نقله عنه حارسه الخاص (باتام رستم لويس مارشان) في مذكراته حول سيده المحافظ على لغته الكورسيكية والذي من أقواله (أفضل مزايا القادة برودة الأعصاب) و(يجب أن تحب الحياة وتعرف كيف تموت) و(جبان في جيشي أشد خطرا عليّ من عشرة بواسل في جيش الاعداء).
وتلك الحكم والأمثال الرّاسخة التي صاغها الرجل السياسي والعسكري الفذ الانجليزي الحائز على جائزة نوبل للاداب ونستون تشرشل، الذي لم ينقطع عن السياسة والجندية وخدمة المملكة التي لا تغيب عنها الشمس، وبتوليه رئاسة الوزراء مرتين وهو في السابعة والسبعين (77) من العمر إلى أن قدّم استقالته بمناسبة عيد ميلاده (1874 م ـ 1965 م) والذي من مآثره (في السياسة ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم بل هناك مصالح دائمة) و(إمبراطوريات المستقبل هي إمبراطوريات العقل) و(إذا كنت خارج بلدك فلا تنتقد حكومتك).
تلك هي مواقف الزعماء وتلك هي مذكراتهم وما حوته من أقوال مأثورة، وتلك هي الكتابات الادبية المنفردة بفنياتها اللغوية الصالحة للتوظيف الإعلامي والإغراء الجماهيري والانجذاب نحوها لاستهلاك مروياتها ومعرفة اسرار الشخصيات المؤثرة في الحركية التاريخية والسياسية والدينية والثقافية.
العبقرية ومذكّرات العرب
لقد أولت العبقرية الأدبية العربية عناية كبيرة للسير الذاتية انطلاقا من السيرة النبوية العطرة في القرن الثاني الهجري بخط (محمد ابن اسحاق) والتي أعاد تدوينها (هشام ابن عبد الملك) مع نهاية القرن المذكور والمرتبطة بالعقيدة الإسلامية، والإلمام المتواصل بين الأجيال لمعرفة ما جادت به قريحة الباحثين والمؤرخين بها وبسير الخلفاء الراشدين والقادة الفاتحين والسادة العلماء، ورجالات السيف والقلم من الذين كتبوا مذكراتهم ودوّنوا سيرهم الذاتية بأنفسهم، أو من أولئك الذين شملتهم كتابات أصحاب الموسوعات الخاصة بالشخصيات المنفردة التي مازال يحتفظ بها التراث العربي الإسلامي، الذي عرف تحوّلا جذريا في مجالات اللغة والكتابة والتصور والدقة في التعبير، والتمكين من الصيغة البلاغية في كتابة المذكرات والسير الذاتية طيلة فترة تأسيس الخلافة الأموية والعباسية في الشام والعراق وتركيا والإمارات المغاربية والأندلسية خلال عشرية القرون للهجرة.
وبالتحديد في تلك المرحلة التي سطع فيها نجم العالم المؤرخ القاضي (شمس الدين أبو العباس احمد بن خلكان 1211 م ـ 1282 م) بكتابه الشهير (وفيات الاعيان وأنباء أبناء الزمان) الذي مازال وفي الالفية الثالثة مرجعا علميا ومفخرة للأدب العربي والاسلامي، مؤسسا به للضوابط الحرفية الادبية العالمية المعاصرة، وموجها لذلك الأدب المتعلق بكتابة المذكرات الشخصية والسير الذاتية الفنية نحو صدقية القول وثباته وقوة العرض وأحقيته.
ذلك ما سلكه بعده أقطاب المذكرات وسير الاعلام كصاحب (الوافي بالوافيات وأعيان العصر وأعوان النصر) لصلاح الدين ابو الوفاء خليل الصفدي (1297 م ـ 1362 م) وغيرها من مؤلفاته وموسوعاته الخاصة بسير الصحابة والعلماء والوجهاء من العرب والمسلمين. ذلك المنهج الادبي الذي اعتمده من بعده كتاب السير الذاتية خلال القرون الممتدة من الثامن إلى الثاني عشر (8 هج إلى 12 هج) بإمارات المغرب العربي والاندلس، حيث ظهر العديد من المتخصّصين والمدقّقين في كتابة وتدوين المذكّرات الشخصية والسير الذاتية، وكل ما تعلق بعلم الرجال كصاحب (الصلة في تاريخ أئمة الأندلس) والفقيه الفيلسوف الطبيب السياسي المؤرخ (محمد بن عبدالله بن سعيد التلمساني المعروف بلسان الدين بن الخطيب 1313م ـ 1374 م) صاحب (الإحاطة في أخبار غرناطة)، وشهاب الدين أبو العباس المعروف بالمقري التلمساني(1578م ـ 1631م) الذي ترجع أصوله الى قرية مقرة بولاية المسيلة ومؤلفه (نفح الطيب من غصن الاندلس الرطيب) الذي يعد من أهم المؤلفات التاريخية، والذي أنجزه استجابة لطلب احمد بنشهين الصقلي الدمشقي الذي كان معجبا بغزارة علمه،وغيرهم ممّن برعوا في كتابة سير الزعماء وتدوين مآثر الرجال وأقوال الحكماء.
مذكّرات ومتفجّرات زعماء الجزائر
الجزائر كغيرها من الدول عرفت دوائرها السياسية والادبية ظاهرة كتابة المذكرات الشخصية والسير الذاتية للتعبير عن مواقف سياسية أو تاريخية أو ثقافية، ارتبطت مآثرها بالشخصية المؤثرة في المشهد السياسي والتاريخي، كما هو الشأن عند الأمير عبد القادر (1807م ـ 1883 م) قائد المقاومة المسلحة ورائد الفكر الإصلاحي العقيدي والإنساني ومؤسس الدولة الجزائرية الحديثة والقائل (لو أصغى إليّ المسلمون والنصارى لعرفت الخلاف بينهم ولصاروا إخوانا ظاهرا وباطنا ولكن لا يصغون إليّ). وقوله (سلوا تخبركم عنّا فرنسا ويصدق أن حلت منها المقال فكم لي فيهم من يوم حرب به افتخر الزمان ولا يزال).
ذلك المنهاج الذي اقتدى به المناضل المجاهد الرئيس أحمد بن بلة (1916م ـ 2012م) ومقولته المشهورة (لم يكن سواه رفيقي في كل الفترات التي قضيتها في السجون..إنّه القرآن الكريم).
تلك المذكرات الشخصية التي عرفتها الساحة المعرفية في ظل الجزائر المستقلة، والتي أخذت منعرجا سياسيا قد يقصد به قطع الطريق أمام العديد من النجاشين والمتلاعبين بمواقف الأبطال والرجال الذين سبقوهم في الجهاد والنضال والاستشهاد أو بهدف توثيق الأحداث والوقائع حتى لا تتعرض للتزييف والتزوير والانتحال، والافتراء الممل الذي لا يشد الاهتمام، بل يزيد في الشك والثرثرة والنفور.
ذاك ما طغى على مذكرات الرئيس الشاذلي بن جديد(1929م ـ 2012م) كقوله (رؤساء الجزائر يقسمون اليمين باحترام الدستور عند انتخابهم ولكنهم يفعلون العكس)، وقوله (إنّ الضباط القادمين من الجيش الفرنسي كانوا عملاء لفرنسا)، الأمر الذي أدخله في خلافات تاريخية حادة آثارها المجاهد الجنرال الوزير خالد نزار قائلا (هو من قبلني كمساعد عسكري في المنطقة التي كان يرأسها عام 1959م ـ 1960م) مردفا (بأنه كان من القادة الرافضين له لتوليه رئاسة الدولة بعد رحيل الرئيس هواري بومدين 1932م ـ 1978م) ومحمّلا إياه المأساة الوطنية التي أدخلت الجزائر في دوامة أوقف أخطارها المجاهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بإصداره قانون الوئام المدني (1999م) وقانون المصالحة الوطنية (2005م).
ذلك المنعرج الاتهامي الذي زاده الرئيس علي كافي(1912م ـ 2013م) عمقا واحتداما روّجت له صحافة الإثارة باللغط الإعلامي، دفع مرة أخرى بالمجاهد الجنرال الوزير إلى رفع دعوى قضائية بمحكمة الجزائر التي أصدرت حكمها بإعادة طبع المذكرة، وبحذف الصفحات المثيرة للجدل والمحصورة دائما في قضية ضباط فرنسا وكل من التحق بالثورة وصفوف جيش وجبهة التحرير الوطني بعد المفاوضات الجزائرية الفرنسية، وغيرهم من المخلّفين والمتأخّرين والذين تولّوا المناصب والمسؤوليات الحساسة في دوائر سلطة القرار بعد الاستقلال، والذين كان لهم الأثر السّلبي على مختلف التوجهات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، المنهاج الذي سلكته نخبة من طلبة الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين فرع فرنسا، والذين التحقوا بالمؤسسات الاستراتيجية للدولة الجزائرية الحديثة وغيرهم من الذين انفردت مذكراتهم بالترويج للفتن والتشكيك في العديد من القضايا والأحداث المرافقة لثورة التحرير المباركة (1954م ـ 1962م) التي زادتها وثائق الطابور الخامس والمصالح الإدارية الاستعمارية المتخصصة في صناعة التخوين والتشكيك، والتي ركبها النجاشين المزورين للتاريخ في إيهام الرأي العام عن ما اقترفته أصولهم وفروعهم من خيانات سياسية وتاريخية في حق الامة والوطن والأحرار من المجاهدات والمجاهدين والاوفياء منهم لعهد الشاهدات والشهداء.
مذكّرات المرأة المحاربة في جيش التّحرير الوطني
(عايشة خير من عياش) وتفجير الملك بار في أحد أيام الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر 1956، أين أقدمت إحدى الطالبات من قائمة (جميلات الجزائر) بعملية فدائية جد خطيرة، تمثلت في وضع قنبلة ناسفة داخل نادي خاص بالعسكريين والمعمّرين بالمكان المسمى (ملك بار) المحرم على الجزائريين ارتياده أو المرور بشارعه، تلك العملية الفدائية الخارقة التي أحدثت ذعرا في أوساط المعمّرين والترسانة الأمنية والعسكرية بالجزائر العاصمة والمدن الأخرى الكبرى (وهران، قسنطينة وعنابة).
كما أخلطت هذه العملية جميع الخطط الامنية الاستعمارية بالجزائر وباريس، وحرّكت الاعلام الاستعماري والدولي بالبحث والتحقيق والتحليل في القضية الجزائرية وحرب جيش التحرير المتواصلة بوقوف المنظمات الدولية المساندة للقضية الوطنية وكفاح الشعوب من أجل تقرير المصير والحرية والاستقلال والتخلص من الهيمنة والعبودية والاستغلال.
تلك المناضلة المجاهدة والفدائية المحاربة في جيش التحرير الوطني (زهرة ظريف) التي ظهرت وبعد سبع وخمسين (57 سنة) لتضع قنبلة فكرية فجّرت من خلالها مراكز التوثيق والأرشيف أخرج دوّيها أسرار التقارير والبحوث والدراسات الاستراتيجية والمستقبلية والاستنطاقات التي تعرض لها الوطنيين الاحرار طيلة (1830م ـ 1962م) وجميع ما قامت به مخابر صناعة التشكيك والتخوين والحرب النفسية والفكرية المبرمجة، ووثائق ومنشورات عساكر الطابور الخامس والمكتب الثاني والمكاتب الإدارية المتخصصة في صناعة الفتن والانشقاقات بين المرء وأخيه،
والمكتب الخامس المشرف على الأعمال البسيكولوجية والاحباطات النفسية، تلك القنبلة النوفمبرية (مذكرات محاربة في جيش التحرير) التي هزّت ذاكرة الباحثين والمؤرخين والسياسيين الأحرار والرسميين بالضفتين إلى التكتل والتجند بإعادة النظر في مختلف المناهج والدراسات المتعلقة بالوثائق الاستعمارية، وسبل معالجتها والتعامل معها وفق الفكر الشمولي العولمي، الذي من بينه الأرشيف الفرنسي الاستعماري والخاص بمختلف القضايا الجزائرية الفرنسية(1830 م ـ 1962 م) والعمل على إبراز القدرة الفكرية والكفاءة العلمية للمدرسة التاريخية الجزائرية المعاصرة ومدى تعاملها مع العلب السوداء الاستعمارية، وما تحويه من قضايا قد تكون صحيحة ودقيقة أو مفبركة ومبرمجة لإحداث الفتن بين العوائل، وتفكيك المجتمع الجزائري في المستقبل الواعد إلى جانب ما للإنسان فيها من شؤون.