تحل، الأثنين المقبل، الذكرى الثانية للحَراك الشعبي والجزائر ماضية في تجسيد مطالب التغيير، التي رفعت خلال المسيرات الشعبية السلمية وذلك في إطار مشروع «الجزائر الجديدة»، التي التزم بتشييدها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون.
في ردة فعل غير مسبوقة، سجلت الهبّة الشعبية التي انطلقت في 22 فبراير 2019، اليوم الذي قرر رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون ترسيمه يوما وطنيا للأخوة والتلاحم بين الشعب وجيشه من أجل الديمقراطية، للحظة فارقة في تاريخ البلاد، أحدثت القطيعة مع ممارسات سابقة تجذرت في مرحلة ما من جزائر ما قبل «الحراك»، حيث شكلت مطالبها أرضية لكافة التغييرات المتواصلة إلى غاية الساعة والتي تعهد الرئيس تبون بتحقيقها وهو الذي أكد مرارا على أن «الحراك المبارك حَمَى البلاد من الانهيار الكلي».
فعقب إحباط مشروع العهدة الخامسة للرئيس السابق، تسارعت الأحداث التي تزامنت مع إسقاط نظام حاكم، لتتوسع بعدها رقعة المطالب التي رفعها الحراك لتشمل محاربة الفساد ومعاقبة المتورطين فيه وكذا تنظيم انتخابات رئاسية حرة وشفافة تعكس مطلبا سياسيا آخر للحراك... انتقال ديمقراطي سلمي وسلس يجنب البلاد مطبات هي في غنى عنها.
وتلبية لهذه المطالب، انطلقت آلية التغيير... ففي سابقة هي الأولى في تاريخ الجزائر، شرع في محاكمة شخصيات سياسية كانت في هرم السلطة وأخرى كانت المسيطرة في عالم المال والمسيرة لدواليب الاقتصاد الوطني، لينكشف بذلك حجم الفساد السياسي والمالي الذي ماتزال المحاكمات الجارية تميط اللثام عنه إلى غاية اليوم.
خطوات التغيير
مهدت الهبة الشعبية لتنظيم انتخابات رئاسية، جرت بعد عشرة أشهر من انطلاقها، فاز فيها السيد عبد المجيد تبون، الذي حرص منذ البداية على إرجاع الفضل لأصحابه من خلال تثمين الدور الذي لعبه هذا الحراك الذي لولاه «كادت الدولة الوطنية أن تسقط نهائيا، مثلما حدث في بعض الدول التي تبحث اليوم عن وساطات لحل مشاكلها»، ليحيي الشعب الجزائري الذي «كان واعيا وأوقف المؤامرة».
كما شدد في ذات الإطار، على أن الشعب الجزائري «لبّى نداء الواجب الوطني يوم 12 ديسمبر وأعاد الجزائر إلى سكة الشرعية الدستورية والشرعية الشعبية التي لم يطعن فيها»، معتبرا أن «النجاح الكبير للاستحقاق الرئاسي هو ثمرة من ثمار الحراك الشعبي المبارك».
ومن أبرز صور العرفان لهذا الحراك، قرار الرئيس تبون تخليد تاريخ 22 فبراير بجعله «يوما وطنيا للأخوة والتلاحم بين الشعب وجيشه من أجل الديمقراطية»، ودسترة الحراك بإدراجه في ديباجة الدستور (الذي تم تعديله في مرحلة لاحقة)، أين تمت الإشارة إلى أن هذه الوثيقة السامية تعكس «عبقرية الشعب ومرآته الصافية التي تعبر عن تطلعاته وإصراره ونتاج التحولات الاجتماعية والسياسية العميقة التي أحدثها».
وتجسيدا لمحاور برنامجه الانتخابي، أعلن الرئيس تبون فور اعتلائه سدة الحكم، عن فتح ورشات التغيير، كان أولها تنصيب لجنة خبراء مكلفة بصياغة مقترحات لمراجعة الدستور، مع قراره بتمرير هذا المشروع على الاستفتاء الشعبي، بعد مصادقة البرلمان على نصه.
وبتنظيم هذا الاستفتاء في الفاتح نوفمبر 2020، يكون الرئيس تبون، قد جسد أحد أبرز التزاماته السياسية، بإقرار هذه المراجعة «التوافقية» التي ستجر وراءها إصلاحات أخرى مبرمجة ضمن خطة العمل الرئاسية المؤسسة لجزائر جديدة طالب بها الحراك الشعبي.
وشمل تعديل القانون الأسمى للبلاد محاور أساسية، تتصل بأهم المطالب التي رفعها الحراك الشعبي وعلى رأسها ضمان الحقوق الأساسية والحريات العامة وتعزيز الفصل بين السلطات وتوازنها. يضاف إلى كل ذلك، دسترة عدد من الهيئات وتعزيز دورها الرقابي، على غرار السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، والسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات.
وتعزيزا للدور المنوط بالقاعدة الشعبية والفاعلين فيها، تم إدراج مادة جديدة تتعلق بالمرصد الوطني للمجتمع المدني، الذي يعد هيئة استشارية لدى رئيس الجمهورية تتكفل بتقديم آراء وتوصيات متعلقة بانشغالات الفاعلين في المجتمع المدني.
وبالانتهاء من التعديل الدستوري، تتأهب الجزائر لفتح ورشات كبرى أخرى، الغاية منها الترسيخ الفعلي للديمقراطية والتجسيد الحقيقي لدولة الحق والقانون وتعزيز الحريات الأساسية.
وفي صدارة هذه الإصلاحات، مراجعة القانون المتعلق بنظام الانتخابات الذي يشكل بالنسبة لرئيس الجمهورية شرطا أساسيا لـ»أخلقة الحياة السياسية وإعادة الاعتبار للمؤسسات المنتخبة»، فمن شأن القانون الجديد للانتخابات تحديد مقاييس وشروط الترشح بوضوح، مع ضمان «تجريم تدخل المال الفاسد في العمل السياسي وشراء الأصوات والذمم».
وبالفعل، تم لهذا الغرض تنصيب لجنة خبراء تم تكليفها بإعداد المشروع التمهيدي لمراجعة القانون العضوي للانتخابات، قامت، منتصف الشهر الجاري، بعرض التوجيهات المستخلصة من دراسة المقترحات التي تلقتها من طرف الأحزاب السياسية بخصوص ذات المشروع على رئيس الجمهورية.
كما تتضمن الأجندة المستقبلية، جملة من المشاريع التي تصب كلها في خانة تحقيق مطالب الحراك، على غرار مراجعة قانون الأحزاب السياسية وإجراء انتخابات تشريعية ومحلية تفضي إلى تكريس صوت الشعب الذي كان قد أدلى بدلوه ذات 22 فبراير.