طباعة هذه الصفحة

بعد أسبوع من إطلاق عملية التلقيح

تراخي ملحوظ في الإجراءات الوقائية ضد كورونا

فتيحة كلواز

 نجاح حملة التلقيح مقترن بالالتزام بارتداء القناع والتباعد

 الرفع الكلي للحجر مرهون ببلوغ سقف المناعة المجتمعية

يطرح العديد من المختصين سؤالا مهما بعد أسبوع من انطلاق حملة التلقيح حول سبب حالة اللاوعي التي يعيشها المواطن بسبب تراخيه واستهتاره اتجاه الإجراءات الوقائية الموصى بها، فالمتجوّل عبر مختلف الفضاءات والساحات العمومية يلاحظ تراجعا كبيرا في ارتداء القناع الواقي وعدم الاحترام الصارخ للتباعد الاجتماعي، بالرغم من تأكيد المختصين ضرورة بلوغ المناعة المجتمعية نسبة 60 بالمائة لتجاوز الاقتصادية والاجتماعية لـ «كوفيد-19».
 تراجع الالتزام بالإجراءات الوقائية بشكل ملحوظ في الأيام الأخيرة بعد انطلاق حملة التلقيح واستقرار عدد الإصابات الجديدة، حيث استكان المواطن إلى حالة من الاطمئنان اتجاه الوضعية الوبائية في الجزائر، خاصة وأنّ اللقاح أعطى الكثير منهم جرعة أمل في انتهاء الأزمة الصحية، والعودة القريبة إلى الحياة الطبيعية بكل تفاصيلها التي أجبر على التخلي عليها طوال فترة الحجر المنزلي.
ويمكن إرجاع هذه الحالة التي يعيشها المواطن اتجاه آخر تطورات الوضعية الوبائية، إلى التعود بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فقد استطاع المواطن خلق توليفة نفسية مع مرور الشهور يمزج فيها بين الخوف والاطمئنان، الأمل والألم، وبين الغد والأمس، لذلك جاء عدم احترام الإجراءات الوقائية في هذا الوقت بالذات بمثابة مرحلة جديدة يعيشها المواطن، شكّل فيها اللقاح الفارق الذي صنع الاستثناء بالنسبة له، فكان التعايش بالنسبة له مع الوباء الوسيلة الناجعة لتجاوز كل الضغط الذي عاشه طوال سنة تقريبا.
كانت معادلة المحافظة على النفس والمحيط بعيدا عن سلسلة العدوى المهمة الشاقة التي وضعت الكثير في مأزق كبير بسبب طبيعة الحياة الاجتماعية للجزائري، حيث أعطت الجائحة العالمية للمسافة والبعد عن العلاقات بين الأفراد الأولوية، وجعلت منها أكثر أمنا من التعبير السلوكي عنها، ما خلق معادلة سلوكية غريبة مسافة الأمان فيها يجب أن تكون بعيدا بـ 1.5 م عن الشخص الآخر، كان الأمر يتطلب حضورا ذهنيا كبيرا لعدم تجاوز «محظورات» فيروس كورونا، لكن الأكيد أن التعود عليها استدعى تدخل الدولة من خلال قرارات صارمة عكست الاستثناء الصحي الذي كنا نعيشه.
وكان اختيار الدولة لـ «الحزم» كوسيلة لترسيخ خيار الوقاية لكسر سلسلة العدوى خطوة مهمة، لإعطاء المواطن صورة واضحة عن حجم الكارثة التي كنا مقبلين عليها كمجتمع وكسلطة إذا لم يتم انخراط الجميع في خطة مجابهة فيروس كورونا، فأن يصل الغلق إلى المساجد في الشهر الكريم، وأن يصل المنع إلى عقود الزواج والجنائز، فلابد أن الأمر جلل ولعله السبب الذي جعل شريحة كبيرة من المجتمع تبادر إلى التحسيس والتوعية بضرورة الالتزام على المستوى الشخصي لتعم الفائدة.
استهتار تكلفته غالية
لاحظ المختصّون أنّ الوضع الوبائي غالبا ما يحدد سلوك المواطن، فإذا رسمنا منحناه بالتوازي مع منحنى سلوك الفرد في احترام إجراءات الوقاية نجدهما متطابقان، لذلك التراخي الذي نعيشه اليوم كان متوقّعا بالنظر إلى استقرار عدد حالات الإصابة الجديدة، لكن وجود اللقاح لا يعني أبدا قلب صفحة الالتزام بالإجراءات الوقائية أو ترك التباعد الاجتماعي لأنه السبيل للإبقاء على مسافة الأمان بين المواطن ودائرة العدوى لفيروس كورونا، ولعله السبب في تأكيد المختصين عدم قضاء اللقاح على الوباء بصفة نهائية.
ولا بد من الإشارة هنا إلى ضرورة وواجب احترام أهم الإجراءات الوقائية التي يعتبرها الأطباء السبيل لكسر سلسلة العدوى، فيمكن اعتبار ارتداء القناع الواقي، التباعد الاجتماعي والغسل المستمر للأيدي، الرقم السري لمعادلة المحافظة على استقرار الوضع الوبائي، لذلك يوصي الأطباء المواطن بجعلها سلوكيات يومية يمثل الالتزام بها وعيا صحيا بأهمية استيعاب درس أجبرتنا كورونا على حفظه وتعلُم مفاهيم جديدة في الحياة.
ويجب أن يوقن المواطن بأن تراخيه واستهتاره سيكلفه غاليا في الأيام القادمة، لذلك لابد من فهم الوظيفة الحيوية للقاح، حيث سيلعب دور الحاجز أمام تعقيدات الحالة الصحية ما ينعكس إيجابا على نسبة الشفاء من المرض، خاصة وسط من يعانون أمراضا مزمنة على غرار المسنين، حيث يمنح مناعة مؤقتة للجسم تجعله يقاوم الالتهابات بنجاعة اكبر ضد فيروس كورونا، لذلك كان من الأولى التركيز على الحملات التحسيسية لتعريف المواطن بما يستطيع الفيروس فعله وما لا يستطيع.
ويعي أيضا الهدف الرئيسي وراء اقتناء اللقاح، حيث ينتظر المختصون أن يكون السبب في بلوغ نسبة المناعة المجتمعية المرجوة التي تتراوح بين 60 و70 بالمائة، كما يجب أن يعلم يقينا أن العودة إلى الحياة الطبيعية ورفع الحجر المنزلي مرهون بها، فإذا لم نحقّق سقف المناعة الجماعية مع نهاية سنة 2021 لن يكون قرار رفع الحجر المنزلي بصفة كلية مطروحا، خاصة على ضوء انتشار السلالة المتحورة من فيروس كورونا.
وتَحوّل المناعة المجتمعية دون انتشار الوباء بكسر سلسلة العدوى وكذا التخفيف من الأعراض المعقدة لفيروس كورونا، ما يعطي أريحية للطاقم الطبي بإبعاد شبح إنعاش المرضى والعناية المركزة التي لا تستطيع استيعاب أعداد كبيرة من المرضى، لذلك تقترن حملة التلقيح بالإجراءات الوقائية لزاما ولا يمكن نجاحها بدونها، لأن السيطرة على الحالة الوبائية يستدعي مسؤولية جماعية سواء من السلطات الرسمية أو المواطن بل يعتبر العامل الرئيسي لنجاح آخر مرحلة من الأزمة الصحية الاستثنائية للحد من تداعياتها على مختلف مناحي الحياة.