أكد وزير الصناعة فرحات آيت علي براهم، أن الحديث عن صناعة حقيقية لا يمكن عزله عن الصناعة المصنعة، التي تعتمد على الموارد المحلية في تحويل المواد الخام، كما دافع المسؤول الأول على قطاع الصناعة عن إستراتيجية البلد خلال سبعينيات القرن الماضي، واصفا إياها بالطريق الصحيح، الذي لو واصلنا فيه لتمكنا اليوم من إنتاج جل المواد المستوردة في الوقت الحالي، وفي معرض حديثه عن استيراد السيارات قال إن «دور الوزارة يكمن في منح اعتمادات الاستيراد النهائية للمتعاملين الذين يستجيبون لدفتر الشروط، وليس في تحديد آجال وصولها».
شدّد وزير الصناعة خلال ملتقى نظمه المعهد الوطني للدراسات الإستراتيجية الشاملة على ضرورة التحلي بقناعة تعيد المكانة الحقيقية للصناعة في مسار بناء الجزائر الجديدة، ضمن منظومة اقتصادية قوية حادت البلاد عن مسارها طيلة الأربعين سنة الماضية، قائلا» منذ أربعين سنة أخطأنا الطريق حينما اعتبرنا القيم المضافة في قطاع الخدمات والتجارة ركيزة الاقتصاد، وهمشنا القاعدة الصناعية التي كانت ستوفر أدوات إستقلالنا المستقبلي أو الحاضر»، موضحا أن الطموح مصدر كل إستراتيجية نحدد من خلالها أولويات الصناعة بغض النظر عن الإمكانيات المادية، كما حدث سابقا خلال فترة الستينيات والسبعينيات أين كانت الموارد الطبيعية الوطنية الموارد البشرية ضمن أولويات الصناعة آنذاك.
واعتبر آيت علي بقاء المؤسسات الصناعية العمومية صامدة لغاية اليوم بمثابة الأعجوبة لما تعرضت له طيلة السنوات الماضية خاصة من ناحية التسيير الخاطئ ومحاولات إزالتها من المشهد الصناعي، بديون أثقلت كاهل المؤسسات نفسها والقطاع المصرفي بشكل عام، والشركة المفلسة في نظره هي التي تعاني من إفلاس في الأهداف والطموح وليس في الموارد المالية، لذا فالسياسة اليوم هي العودة للطموح الصناعي بُعيد الاستقلال بإعطاء الأولوية لتحويل المواد الأولوية خاصة المحلية منها، وأضاف الوزير أنه من خلال مراجعة النصوص القانونية تم وضع تسهيلات فيما يخص التعريفة الجمركية على عملية استيراد المواد الأولية قائلا :» وجدنا أن التعريفة الجمركية لاستيراد بعض المواد الأولية أعلى من تعريفة استيراد المنتوج الجاهز الذي يصنع من هذه المواد في حدّ ذاته، لذا راجعنا مثل هذه النصوص القانونية»
وحول النهوض بالمؤسسات العمومية التي تواجه مشاكل مالية أوضح أن الأولوية ستكون للمؤسسات التي تستطيع المنافسة بعيدا عن السوق المتشبعة بمنتوجها، لذا ستكون للدراسة التي تُعدّها الوزراة لوضعية المنتوج الأثر البالغ في اتخاذ أي قرار، إضافة إلى التقارير التي طالبت الوزارة من هذه المؤسسات إعدادها حول وضعيتها.
وكشف أن المستثمرين الحقيقيين رحبوا بالتعديلات الأخيرة التي مست العديد من دفاتر الشروط سواء للاستيراد أو الصناعة المحلية، لما تحمله من إصلاحات تكبح الامتيازات الممنوحة للمضاربين والمستوردين على حساب المصنع الجاد، وفي سياق حديثه عن الاستراتيجية المتبعة أوضح فرحات آيت علي أن القطاع بحاجة ماسة للصناعة البتروكيماوية التي تشكل ما يقارب الثلاثين بالمئة من احتياجاته اليوم، كما أن إعادة بعث الصناعة الميكانيكية العمومية سيرتكز على قواعد وتقنيات حديثة باستغلال العنصر البشري من خريجي الجامعات.
وعن طريقة التعامل مع الشريك الأجنبي أكد وزير الصناعة أنه يسهر على عدم الوقوع في أخطاء الماضي القريب والتي رهنت المؤسسات العمومية الصناعية من خلال بيع نسبة من أسهمها لشركاء أجانب ضاعفوا من تدهور وضعيتها المادية، عوض دفع هذه المؤسسات من جديد في الساحة الاقتصادية.
وبخصوص موضوع استيراد السيارات، أوضح أن دور الوزارة يكمن في منح اعتمادات الاستيراد النهائية للمتعاملين الذين يستجيبون لدفتر الشروط وليس في تحديد آجال وصول السيارات المستوردة وكشف أن مصالحه لم تغلق الباب أمام أي نوع من الصناعات الميكانيكية بما في ذلك صناعة المركبات الكهربائية والهيدروجينية.
ومن جهته، قال الأستاذ أحمين من كلية الاقتصاد بجامعة الجزائر»3» أنه كخبير في التنمية الاقتصادية يرى بأن لا خيار للجزائر سوى التصنيع للنهوض بالاقتصاد، وأن التجربة التاريخية تُقر بأن كل البلدان المتطورة اليوم بفضل قدراتها التصنيعية، والاستراتيجية المعتمدة بالجزائر منذ خمسينيات القرن الماضي بيّنت أهمية تصنيع الأدوات المصنعة، إلا أن هناك من عمل على شيطنة هذه الاستراتيجية حتى في نظر بعض المختصين بداية من ثمانينات القرن الماضي، وهنا يبرز دور الدولة في وضع استراتيجية للتصنيع وإعطاء أهمية للأولويات الوطنية أي أن أهمية السوق الداخلي عن الخارجي بعيدا عن الهوس نحو التصدير لأن المنطق الاقتصادي واضح بشأن توجيه الإنتاج لتلبية الاحتياجات المحلية ثم التصدير، وعن المشروع الذي يحمله القائمون على وزارة الصناعة لإعادة التصنيع حاليا أكد أحمين أنه لا يتعلق بوزارة الصناعة فقط، بل هي خيار استراتيجي وطني تندمج فيه كل القطاعات كالتكوين، والبحث العلمي، والبحث والتطوير، بالإضافة إلى الاهتمام باقتصاد المعرفة وتحديد الأولويات بالداخل والخارج، فنحن اليوم أمام إقتصاد متحول فالاستراتيجية العالمية اليوم تتغير نحو آسيا، والبلدان الصاعدة تتموقع في الأسواق العالمية لذا فعلى الجزائر وضع استراتيجية للتموقع في الاقتصاد العالمي من منظور ما يحدث حاليا.