ما ينبغي أن يتغير في خارطتنا الإدراكية عن أوضاعنا، خاصة بعد الحراك الشعبي العارم، كثير وكثير جدا.
وما ينبغي أن يتغير في خارطتنا الإدراكية عن أوضاع العالم وموازين القوى الجديدة كثير هو الآخر.
في أوضاعنا الداخلية، لا يمكن منطقيا أن تستمر السياسات الريعية ولا، بالخصوص، المنطق الريعي في علاقة الناس بالسلطة العمومية.
الاقتصاد الريعي ينبغي أن ينتهي نفسيا وعمليا وينبغي أن يقوم منطق اقتصادي رشيد منتج للثروة فعال اقتصاديا وعادل اجتماعيا.
ينبغي بالخصوص قيام رقابة كاملة وفعالة على صرف الأموال العمومية واستخدامها استثماريا وفي شتى المجالات الأخرى أيضا.
كما ينبغي أن يتحسن أداء مختلف المؤسسات الاقتصادية ومختلف إدارات الدولة وكل مؤسسات الخدمة العمومية ومنها الخدمة الإعلامية، التي نعمل على جعلها ترتقي لمستوى تنافسي عالٍ ومستوى إقناع قوي للرأي العام وتلبي كل ألوان الطلب الإعلامي لدى المواطنين.
نقطة البداية في تحقيق كل ذلك، هو التحول العميق في خارطتنا الإدراكية، بتعبير الراحل عبد الوهاب المسيري.
من ناحية الأوضاع الدولية، نسجل بوضوح أنها عرفت وتعرف تحولات عميقة تحمل ضغوطا جديدة وفي الوقت نفسه تحمل فرصا أكيدة ينبغي اغتنامها، من خلال إدارة جديدة ورؤية جديدة وإدراك جديد لهذا الواقع والتعامل معه تعاملا متناسبا مع مستجداته.
إن الكثير من المفاهيم التي كنا نتداولها سياسيا وإعلاميا تغيرت بشكل عميق.
فمن التعددية القطبية، انتقلنا للأحادية، ثم الآن إلى تعددية لم تستقر بعد على منظومة ثابتة لتوزيع النفوذ أو آليات جديدة لاتخاذ القرار.
إن لغة الرئيس الأمريكي الجديد مختلفة عن لغة سلفه، فهل يؤدي ذلك لتغيير ملموس في الخيارات الدبلوماسية وفي الممارسات العملية، حتى وإن لم تتغير العقيدة الاستراتيجية العامة. وهل من «إصلاح» ممكن أو محتمل للمنظومة الدولية، خاصة في اتجاه «دمقرطة» إضافية للعلاقات الدولية واحترام أكبر للقانون الدولي والتراجع عن قرارات ظالمة وخارجة عن القانون؟
لغة الرئيس بايدن دبلوماسية وهي عودة لتقاليد أمريكية تجاوزها سلفه ترامب.
لكن الخبراء والملاحظون المختصون، لا يتوقعون إعادة نظر جذرية في مسائل تخص منطقة الشرق الأوسط، لاسيما موضوع القدس، وإن كانت الإدارة الجديدة تتحدث عن أن حلّ الدولتين هو الحل الوحيد الممكن في فلسطين المحتلة.
خارطتنا الإدراكية ينبغي أن تتطور، انطلاقا من دراسات عميقة ومن تشاور واسع في المنطقة وخارجها.