أسوأ ما يتعرض له الطفل في المدرسة من قبل أقرانه، هوالاستهزاء من لونه أوشكله وحتى في بعض الأحيان من اسمه، ناهيك عن السخرية من لهجته التي تبدومختلفة في نظر الأطفال المقيمين بذات المنطقة، وبالرغم من المحاولات الحثيثة لمنع سلوك السخرية والاستهزاء المنطوية في ظاهرة « التنمر المدرسي »، أو للحد منها من قبل المؤسسة التعليمية، إلا أنها مازالت تدق ناقوس الخطر.
في هذا الاستطلاع حاولت « الشعب ويكاند» تسليط الضوء على أسباب ومسببات ظاهرة « التنمر المدرسي »، الناتجة عن سلوكات وتصرفات أطفال قادتهم ظروف حياتهم الصعبة ليكونوا فريسة وضحية لأوضاع اجتماعية قاسية، سلبت منهم البراءة وحولتها إلى ممارسات عدوانية، وذلك بأخذ عينات من تلاميذ تعرضوا لهذا المشكل، وتصريحات من بعض أولياء الأمور والمعلمين، وفي ذات السياق رأي ممثلة عن الإرشاد النفسي المدرسي، جمعت مابين أهم الأسباب المؤدية للظاهرة، والحلول المناسبة لمجابهتها أو على الأقل لمنعها من التفشي أكثر.
علامات التعرض للتنمر المدرسي بالدرجة الأولى
يقول المواطن صالح/ م : «لم ألاحظ على ابني أي دلالات مباشرة توحي على أنه قد تعرض للتنمر، وكان في اعتقادي أن التنمر مجسد في ضرب أو عراك، مما يترك آثارا متمثلة في كدمات أو خدوش على مستوى الجسم أو الوجه، وبمجرد معرفة الفاعل يمكن إنهاء المسألة باستدعائه ومطالبته بعدم تكرار فعلته، ولكن ابني كان يتعرض للتنمر النفسي بسبب التأتأة، ما جعله يعاني من تدني تقدير الذات والشعور بالوحدة والاكتئاب، لاسيما القلق والميل للتغيب عن المدرسة».
- تقول السيدة ر/ي» : كانت تعاني ابنتي من مرض تسبب في سقوط شعرها طيلة سبعة أشهر كاملة، الأمر الذي جعلها مدعاة للسخرية أمام بعض أقرانها في المدرسة، في الشارع أيضا، فأصبحت منطوية على نفسها لدرجة أنها كرهت المدرسة والشارع، لأنها لم تجد من يدافع عنها إزاء ما تعانيه من مرض جعلها أضحوكة بين الجميع، بالرغم من وقوف ودعم المعلمة وأغلب زملائها معها» .
- تقول ن/ ب وهي الشقيقة الكبرى لخالد : «بعد وفاة أمي وأبي في حادث مرور، لجأ أخي خالد إلى العنف وكرد فعل على التنمر الذي اتسم به بعد الحادثة وكان يعتدي على كل زميل له حينما يتعلق الأمر بذكر الوالدين، فغالبا ما وصلتني شكاوى من أصدقاؤه بسبب إيذائه لهم، ولم يقتصر العنف على الغير بل وصل به العنف، إلى أذية نفسه بإنهاء حياته عن طريق محاولة انتحار فاشلة، بعدما تم اللحاق به في الوقت المناسب» .
- قال ع/نصر الدين: «أذكر تلميذا كان يدرس معي في المرحلة الثانوية تلميذ خجول جدا، وهذا بسبب البثور الكثيرة التي كانت في وجهه، النقطة التي وجدها ثلة من التلاميذ المشاغبين كفرصة للضحك والتنمر عليه وتلقيبه بأسماء قبيحة، مما أدى به إلى تعاطي المخدرات ناهيك عن المشكلات الأكاديمية مثل ضعف مستوى التحصيل الدراسي بالرغم أنه كان في الفصل الأول من الممتازين في القسم».
عيّنات عايشت وعاشت التنمر في المدرسة
- وأكدت التلميذة (سنة ثانية ثانوي) ر/ ص: «لقد تعرضت للتنمر من طرف تلميذ سليط اللسان ، بسبب لون بشرتي ولهجتي ،فقلد سبق لي وأن واجهته عدة مرات حاول فيها النيل مني، في إضحاك أصدقاؤه المقربين بإلقاء الشتائم وغيرها من الكلمات غير اللائقة ،ولما رأيت أن الأمر لم يجد نفعا ،أخبرت أساتذتي عن الوضعية التي أتعرض لها من طرف ذلك التلميذ الذي لم يسلم أحد من لسانه ويده ،وبدورهم أبلغوا مدير الثانوية عن المشكل وتم استدعاء ولي أمره، حيث اتضح فيما بعد، أنه يعيش تفكك أسري، تارة يقيم عند والدته، وتارة عند والده، وتارة عند جدته المقعدة، فطلبت الإدارة على جناح السرعة بتحويل ملفه الشخصي إلى مسؤول الطب العيادي المدرسي ليتم النظر في حالته غير السوية والإسراع في إقامة جلسات استماع نفسية قصد الوصول إلى معالجته».
أشار التلميذ (أولى ثانوي) أ/ن: « يؤلمني جدا أن أقول بأنني عرضة للتنمر من أصدقائي بسبب لقب أسرتي ،حيث كنت كالمرمى الذي يتلقى النكات لا الكرات،كانت تلك التصرفات تضايقني كثيرا، لدرجة أني قمت بحذف حسابي على الفيسبوك بسبب تعليقات بعض من الأصدقاء ،ليس لشيء سوى لأني فتحت صفحتي الشخصية تحت اسم بطل أفلام معروف، وليس هذا فحسب بل وصلت الجرأة بأحدهم إلى أن طلب مني مالا مقابل عدم مضايقته لي من جديد».
- في حين أن التلميذة / س. (السنة الخامسة إبتدائي) قالت : «بسبب شكلي الذي أبدو فيه أكبر من حجم أقراني في المدرسة، وُجِّهت لي كلمات استهزاء وسخرية من طرف بعض من التلاميذ داخل وخارج المدرسة ،وحتى أثناء تجولي مع أسرتي في فضاءات اللعب التي حرمت منها، لم أسلم من تلك الكلمات الجارحة، والذي مازال عالقا في ذهني هي كلمات المرأة التي كانت تقول لإبنها أنظر لهذا الشيء المرعب»،وبأسى شديد أضافت : «يعني أيجب علي أن أضع لافتة أشرح فيها المشكلة الصحية التي لازمتني منذ الولادة؟، ومن يومها أصبحت لا أطيق نظرات الناس إلي ودوما أشعر بأن أعينهم ترصدني أينما توجهت التي غالبا ما تؤذيني أكثر من ألسنتهم».
- كما قال التلميذ /ص.(سنة رابعة متوسط): «تعرضت للتمنر الجسدي في الابتدائي وفي المتوسطة أيضا، من طرف بعض التلاميذ الذين كانوا يجبرونني على إعطائهم حلول الواجبات المدرسية ناهيك عن المواقف المزعجة إزاء كل اختبار ، الأمر الذي جعلني أنخرط في جمعية رياضية لأتعلم بعض رياضات الدفاع عن النفس ،ولأستطيع من خلالها أن أحمي نفسي من الأسلوب الخشن المتأتي من أولئك المزعجين».
- أما المعلمة ش/نوال أوضحت في ذات الصدد : «ان ظاهرة التنمر التي لم يستطيع المجتمع أن يرى مدى قسوتها على من مورست عليه، ستكون نتائجها أكبر في المستقبل ،نظرا لازدياد عدد الضحايا الذين هم بدورهم سيمارسون التنمر فيما بعد ،وأضافت : فبحكم تجربتي في مجال التعليم، اكتشفت أن التنمر نتاج تربية أسرية عاشت ظروف اجتماعية مزرية وكثير من التلاميذ المتنمِّرين هم متنمَّر عليهم بالأصل».
- وفي تجربته قال المعلم رشيد /س: «مر أثناء مسيرتي التعليمية عدد لا بأس بهم من تلاميذ متنمِّرين ومتنمَّرين، فالصنف الذي يعتبر ضحية التنمر حاولت بقدر المستطاع حمايته من المتسببين داخل المؤسسة وفي بعض الأحيان يكون الفعل بدهاء كبير،الأمر الذي جعلني أغير أماكن جلوس التلاميذ ومراقبة السلوك «، وأضاف: «للأسف هذا كان على حساب المادة التعليمية التي كنت أحيانا أضطر إلى التوقف لمعالجة الوضع داخل القسم، ناهيك عن فك النزاع في استراحة المدرسة وكذا أثناء مرافقة التلميذ إلى الاخصائية عندما يستعصى على المراقب التصرف إزاء العدوانية التي يتميز بها التلميذ».
متنمر تمت معالجته
ويقول التلميذ مصطفى /ك (سنة رابعة متوسط) : نشأت في أسرة لا سلطة لوالدي فيها، حيث كانت زوجة جدي هي المتحكمة بشؤون العائلة، ولم يكن لأبي وأمي صوت مسموع، حتى في مسألة تربيتنا أنا وإخوتي، وكنت أضطر إلى عدم الخضوع إلى تعليماتها مما جعلها تتعمد إهانتي ونعتي بالقبيح. فاسترسلت في تمردي عليها وعلى كل من ألقاه في وجهي، آذيت بتصرفي الكثير من أصدقائي وكنت أندم بعد كل أذية، ولكن كنت أعود إلى الإساءة من جديد، إلى أن تمكَّنت أستاذة اللغة العربية من إقناعي بوجوب التوجه للمعالجة النفسية، فهي الوحيدة التي كانت معاملتها حسنة تجاهي واستطاعت أن تجعلني أتغير، وعليه فإنني أنصح كل المعلمين والآباء أن يكونوا عونا لأبنائهم وتلاميذهم من خلال الرفق والانصات لأرواحهم قبل الحكم على تصرفاتهم.
رأي علم النفس العيادي المدرسي
عرَّفت المختصة في الإرشاد النفسي العيادي المدرسي « ريمة شاوي » ظاهرة التنمر قائلة :« التنمر بدوره شكل من أشكال العنف والإيذاء والإساءة التي تكون موجهة من فرد أومجموعة أفراد نحوالأضعف جسديا في الغالب، مما يؤدي إلى خلل في توازن لدى شخصية الطفل المتنمر، وقد يكون التنمر عن طريق التحرش الفعلي أوالاعتداء البدني أوغيرها من أساليب الإكراه الأكثر دهاء مثل التسلط والترهيب أوالتنمر الجسدي أولفظي أوعلائقي أوعبر الأنترنيت، على الطريق، في العائلة، في النوادي في المدرسة، في الهاتف، في الأماكن العامة وفي أي مكان آخر وقد يصل أحيانا إلى حد الجريمة».
شرحت المختصة المتحدثة كل نوع من أنواع التنمر، ففي ذات السياق قالت : « التنمر لديه عدة انواع أولها التنمر الجسدي والذي بدوره له عدة أشكال كالضرب وركل الطفل أودفعه، شد الشعر، العرقلة أوإيقاع الطفل، رمي أشياء عليه، أخذ وكسر أشياء طفل آخر أوتحطيم ممتلكات الطفل، ثانيها التنمر اللفظي، يشمل النعوت والتنابز بألقاب الاهانة قول أشياء مسيئة التجريح والتهديد ونشر الإشاعات ووصف الطفل بأسماء عنصرية ومسيئة لشخصيته »، وأضافت :«ثالث نوع ألا وهوالتنمر الإجتماعي ،هدفه الإساءة إلى سمعة الطفل والكذب والإحراج وتشجيع الآخرين على نبذ الشخص الآخر اِجتماعيا لكسر وتحطيم معنوياته وعلاقاته بغيره من نفس أقرانه، رابعا التنمر عن طريق التسلط الإلكتروني أي على الأنترنت كأن يكون عبر وضع أمور مهينة للشخص سواء علنا اوبالسر مثل رسائل وصور وفيديوهات وتشويه صورة الطفل».
الأسباب والأشكال
أكدت المتحدثة أن سلوك المتنمر يهدف إلى لفت النظر إليه ويعتقد أنه يصبح بذلك محبوباً وقوياً وقد يقوم بذلك بدافع الغيرة من الضحية ومن الشائع أن قيامه بالتنمر يعود إلى أنه تعرض للتنمر من قبل، وفي هذا الصدد قالت: « ومن أهم الأسباب المباشرة التي لخصناها ونحن في رحلة البحث عن ماوراء تفشي ظاهرة التنمر وجدناها متمثلة في النقاط التالية :عدم وجود النموذج الجيد للآباء والأمهات، وجود نموذج لشخص متنمر في بيئة الطفل ،تقليد العنف في الألعاب الالكترونية والبرامج التلفزيونية، غياب التوجيهات السلوكية، افتقار الطفل للشعور بالأمان النفسي والحرمان العاطفي ،الغيرة والبحث عن الاهتمام لجذب انتباه الآخرين واثبات الهوية نوعا ما، عدم تقدير الذات ان كان الطفل يشعر بعدم القيمة غير جميل غير ذكي فقير يعاني من إعاقة ما يحتاج للشعور بأنه أفضل نوعا ما وأسهل طريقة هي الحط من قيمة الآخرين مما يدفعه للتنمر،الغيرة اذا كان المتنمر يعاني من اضطراب الغيرة فغالبا ما سيحاول صب غيرته وانزعاجه على ذلك الطفل الآخر، التعجرف وسوء المعاملة من طرف الوالدين لدى بعض المتنمرين يعانون من التكبر والتعجرف مما يجعلهم يعتقدون أنهم افضل من الجميع وبالتالي يتنمرون على كل من هم دون مستواهم ماديا اوجسديا ».
هل العلاج ممكن؟
قدمت ريمة شاوي أهم الحلول لمعالجة ظاهرة التنمر ولخصتها في الخطوات الآتية: الاستماع جيدا لأبنائنا، متابعة السلوك العدواني للطفل منذ الصغر وتعديله، مراقبة البرامج والألعاب الالكترونية التي يشاهدها الطفل والبعد عن العنف منها، إلحاق الطفل بأي نشاط رياضي وتوعيته بسموالهدف، توعيته بثقافة السلوك لمواجهة التنمر بشتى أنواعه، تعزيز ثقة الطفل بنفسه وهي حجر الأساس في اي مرحلة علاج نفسي، تربية الطفل تربية سليمة بعيدة عن العنف، نشر ثقافة التسامح والحوار،القدوة الأسرية الحسنة، مراقبة سلوكات الأبناء منذ الصغر، بناء علاقة صداقة بين الوالدين وأبنائهم وخلق أجواء عائلية ،تشجيع السلوكات الإيجابية ونبذ الأفكار السلبية الهدامة، التحلي بالحكمة والصبر وتفسير المواقف بأسلوب مرن وتقبل الطفل المتنمر مهما كانت النتائج، إخضاع كل من المتنمر ومن معه لجلسات عديدة للعلاج النفسي وتعديل السلوك، تربية الأبناء تربية صحيحة بعيدة عن العنف ومنع مشاهدة برامج والعاب ورسوم كارتونية عنيفة، تدريب الأطفال على رياضة الدفاع عن النفس لتعزيز قوتهم البدنية والثقة بالنفس، الاستماع إلى الأولاد وسؤالهم إن كانوا يعانون من أي أنواع التنمر، الانتباه إلى أي علامة تنمر على جسد الطفل، إقامة برامج توعوية تحسسية سواء في المدارس لتوعية الأولياء أو الأولاد على التنمر ماهو وما خطورته وكيفية الحماية منه.
هكذا سيتحدى طفلك التنمر
تعليم الأطفال الطرق الآمنة للوقوف في وجه التنمر كالتحدث لمن هم أهل للثقة وهذا في حالة غياب الوالدين أثناء تعرضهم للتنمر، تعليمهم كيفية الدفاع عن أنفسهم بوجه المتنمرين وفي حال لم تنجح الخطوة عليهم إبلاغ المسؤولين المدرسين أوالسلطات خاصة في حالة التنمر الجسدي أوعبر الأنترنيت، وجعل الراشدين يساعدون الطفل بوضع مخطط للحماية من أثر التنمر، تشجيع الأطفال على فعل أشياء محببة لهم يمكنهم القيام بها بأعمال تطوعية ورياضية والغناء والمسرح والرسم والموسيقى في مجموعات اوالانضمام لنوادي مدرسية أو نشاطات رياضية جماعية تساعدهم على الترفيه والتقارب والتفاهم والانسجام وبناء علاقات اجتماعية متينة مما يعزز الثقة بأنفسهم وتحميهم من التنمر.
على ضوء ما سبق ذكره توضح لدينا أنه إذا كان ضحايا التنمر بالمدارس لا يعرفون كيف يتعاملون مع حالة التنمر بات الوضع أكثر من الواجب لدعمهم من النواحي النفسية والعاطفية والعمل على تعزيز ثقتهم بأنفسهم ،وكما جاء على لسان رأي أهل الاختصاص أنه لا يمكن علاج التنمر بالمدارس من جانب واحد وإنما بعمل تكاملي بين الأسرة والمدرسة والمجتمع القريب للطفل.