اعتبر يفري بن زرقة، عضو اللجنة الوطنية الجزائرية للتضامن مع الشعب الصحراوي ورئيس جمعية الجزائريين المقيمين بشارونت ماريتيم بفرنسا، أن القانون والمواثيق الدولية تقف مع حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، مشيرا أنه لا توجد دولة في العالم تعترف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا. مؤكدا في حوار لـ»الشعب ويكاند»، أن إعلان ترامب الاعتراف بالسيادة المزعومة للمغرب على الأراضي الصحراوية هو قرار فردي جاء من طرف رئيس منتهية عهدته لا يعترف بالديمقراطية والقوانين الدولية، معبرا عن افتخاره بمواقف الدولة الجزائرية الثابتة وشعبها الذي يقف مع القضايا العادلة في العالم.
«الشعب ويكاند»: كيف تنظرون لتطورات الأوضاع بالصحراء الغربية؟
يفري بن زرقة: لابد من الاعتراف بأن الأوضاع بالصحراء الغربية صعبة وكارثية في مجال حقوق الإنسان، بسبب انتهاكات المحتل المغربي واعتداءاته اليومية على حقوق الشعب الصحراوي بالمناطق المحتلة. هذه المعاناة والظروف الصعبة تأتي بعد 30 سنة من اتفاق وقف إطلاق النار بين جبهة البوليساريو والمغرب، الذي ينص على شرط مهم وهو الذهاب نحو تنظيم استفتاء تقرير مصير الشعب الصحراوي.
الصحراويون بمخيمات العزة والكرامة بتندوف والأراضي المحتلة ينتظرون بعد 30 سنة إجراء استفتاء يمنحهم الحرية والاستقلال، فالأمم المتحدة تسعى إلى تحقيق هذا الهدف، لكن دائما ما تصطدم بمواقف بعض الدول في مجلس الأمن، مما جعل الأمور تبقى على حالها، ولم يكن أمام الشعب الصحراوي سوى العودة إلى الكفاح المسلح ضد المحتل المغربي.
- وما هي قراءتكم للموقف الدولي، خاصة الفرنسي، تجاه القضية الصحراوية؟
هنا يجب أن نكون منطقيين ومنصفين، لأن القانون الدولي والأمم المتحدة تقفان مع حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.
ففرنسا التي تسعى دائما لعرقلة إجراء الاستفتاء وحل النزاع بقي موقفها الرسمي مع القانون الدولي، كما توجد دول عظمى مثل روسيا والصين، إلى جانب جنوب إفريقيا، كوبا، نيجيريا، فنزويلا والجزائر وغيرها، يساندون القضية الصحراوية ويعتبرونها قضية عادلة.
- ما دوركم كجمعية جزائرية في التحسيس بالقضية الصحراوية؟
بصفتي عضوا في اللجنة الوطنية الجزائرية للتضامن مع الشعب الصحراوي وناشطا في مجال حقوق الإنسان بفرنسا، شاركت في عدة ندوات دولية، منها ندوة نظمت بمدينتي ناغازاكي وهيروشيما باليابان حول السلام الدولي، طرحت القضية الصحراوية على المشاركين وتحادثت مع عدة شخصيات مهمة حول حق الصحراويين في الحرية، من بينهم مسؤولون ينتمون لدول كبرى.
كما كانت لي مشاركة في نشاطات بكوبا حول القضيتين الصحراوية والفلسطينية، اللتين اعتبرهما ـ على غرار أحرار العالم ـ قضية واحدة. والأحداث الأخيرة كتطبيع المغرب مع الكيان الصهيوني، أثبت أنهما قضية عادلة واحدة. والتقيت هناك بعدة دبلوماسيين، من بينهم سفير فلسطين بكوبا خلال نشاط ثقافي شعرت بمدى التضامن الكبير مع القضيتين.
أما في فرنسا فقد نظمت عام 2017 ندوة للسلم مع ممثل جبهة البوليساريو بفرنسا أبي بشرايا البشير، حضرتها عدة شخصيات، وكان الهدف منها التعريف بالقضية الصحراوية وتحسيس الحاضرين بأهمية وضرورة إجراء استفتاء تقرير المصير، وإطلاعهم على ما يجري بالأراضي الصحراوية، لأن الرأي العام الفرنسي لا يهتم كثيرا بالأوضاع هناك وغير مطلع عليها بسبب التعتيم والحصار الذي يمارسه الإعلام الفرنسي على القضية الصحراوية.
- ما رأيكم في اعتراف ترامب وزعمه بـ»مغربية» الصحراء الغربية؟
إعلان ترامب هو قرار فردي، جاء من طرف رئيس منتهية عهدته لا يعترف بالمواثيق والقوانين الدولية، فما أقدم عليه دونالد ترامب لا يمت بصلة للقانون والديمقراطية، وما جرى بالولايات المتحدة الأمريكية دليل قاطع على تفكير ترامب، الذي أثبت أنه لا يعترف حتى بسيادة شعب بلاده وبنتائج الانتخابات الديمقراطية، فكيف تكون له مصداقية دولية باعترافه المزعوم بـ»مغربية الصحراء الغربية»؟.
ما أريد أن أنصح به المخزن المغربي، هو تسجيل وتصوير تغريدة ترامب على حسابه المعلق من طرف شركة تويتر، فتلك التغريدة هي الدليل الوحيد للمحتل المغربي على اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة على أرض ليست أرضه.
وما حصل بين المغرب والكيان الصهيوني من تطبيع، هو في حقيقة الأمر تطبيع بين محتل لأرض الصحراء الغربية وآخر لأرض فلسطين، وهو ما يدل على أن القضيتين هما قضيتان عادلتان وتسيران في الاتجاه الصحيح، يبقى أن أقول إن ما بني على باطل فهو باطل.
وهنا لابد أن أضيف شيئا، أن الاعتراف والتطبيع هما طعنة بسكين صدئ في ظهر الشعب المغربي والفلسطيني والصحراوي وفي حق القانون الدولي. وكجزائري أنا فخور بمواقف الدولة الجزائرية الثابتة، التي هي في الحقيقة مواقف شعب ضحى بمليون ونصف المليون شهيد، وأنا معتز بالانتماء لهذا الشعب الذي ناضل وكافح بالنفس والنفيس من أجل الاستقلال، لهذا من الطبيعي أن تقف الدولة الجزائرية والشعب الجزائري مع القضايا العادلة.
وما حصل في الكونغرس الأمريكي مؤخرا هو درس. فقد شاهد العالم كيف لرئيس أكبر دولة لا يحترم قوانين دولته وديمقراطيتها، ولو حصل نفس الشيء في بلد إفريقي أو عربي لسمعنا تنديدات المنظمات الحقوقية لـ»حماية الديمقراطية وحقوق الإنسان»، وتحريض الشعوب على حكامهم، ونرى التنديد بانتهاك الديمقراطية، وها هي الولايات المتحدة الأمريكية اليوم تعيش نفس الظروف ولم نسمع عن أي منظمة حقوقية وإنسانية تتحرك تجاه ما جرى بالكونغرس من محاولة للسطو على سلطة الشعب الأمريكي والتعدي على الديمقراطية وحقوق الإنسان.
- وكيف هي نظرة الجالية الجزائرية لما يجري بالصحراء الغربية؟
جمعية الجزائريين المقيمين بشارونت ماريتيم، هي جمعية جزائرية، تضامنية وثقافية تهدف إلى إسماع صوت ومشاكل وحاجيات الجالية الجزائرية بالمدينة، وتسعى لأن تكون وسيطا بينهم وبين المسؤولين في الجزائر. لهذا من المهم جدا تحسين ظروفها في المهجر والنظر في انشغالاتها، حتى تسهل علينا كثيرا عملية تحسيسها بالقضية الصحراوية وغيرها من القضايا العادلة.
- وكيف ترون مستقبل القضية الصحراوية؟
أرى أن مستقبل القضية الصحراوية مشرق وهناك مؤشرات إيجابية تحمل آمالا كبيرة، خاصة وأن القوانين والمواثيق الدولية مع حق تقرير مصير الشعب الصحراوي. فالاحتلال المغربي ليس لديه ما يمكن فعله تجاه قضية عادلة، سواء بتحالفه مع الكيان الصهيوني أو بمعاداة الجزائر، فالهرولة التي يقوم بها المخزن نحو الصهاينة ومحاولة الاستقواء بالقوى الغربية مآلها الفشل، لأن صاحب الحق سينتصر عاجلا أم آجلا. والجزائر التي واجهت قوة استعمارية متحالفة مع الناتو طيلة 130 سنة، حققت الحرية والاستقلال، لأن شعبها كان يناضل من أجل أرضه التي حاول المستعمر الاستيلاء عليها، وسيكون نفس الأمر بالنسبة لنضال الصحراويين من أجل الحرية والاستقلال.
- كيف تكونت علاقتكم بالقضية، وكيف أصبحتم من النشطين الداعمين للشعب الصحراوي؟ وماذا عن زياراتكم للأراضي الصحراوية ومشاركاتكم في مختلف التظاهرات التي تنظمها جبهة البوليساريو؟
أنا من مواليد 1990، عشت طفولتي مع جدي المجاهد المتشبع بالوطنية والنضال من أجل حرية الوطن، كان يحدثني دوما عن القضايا العادلة في العالم كفلسطين وأيضا عن كفاحه ضد المستعمر الفرنسي، ويسرد لي كل ما له علاقة باسترجاع السيادة الوطنية وشخصيات تاريخية، من بينهم الزعيم الراحل هواري بومدين.
ولما هاجرت إلى فرنسا ترسخ في ذهني ما كان يقوله لي الجد، ما دفعني للبحث شخصيا في القضايا العادلة، خاصة القضيتين الفلسطينية والصحراوية، وهو ما جعلني اختار تخصص حقوق في الجامعة.
كانت لي فرصة لقاء الصحراويين حين اتصل بي قنصل الجزائر بمدينة بوردو، ليقترح عليّ زيارة مخيمات العزة والكرامة بتندوف، فلم أتردد واستغللت تلك المناسبة لربط علاقات مع المناضلين الصحراويين زادتني ارتباطا بالقضية الصحراوية، والتقيت بالرئيس الصحراوي الراحل محمد عبد العزيز، فتكونت بيني وبينه علاقة وطيدة، كنت أزوره بالبيت في كل مناسبة أتيحت لي، ولا أتخلف عن حضور أي حدث أو نشاط للحديث عن القضية وحق الشعب الصحراوي في الحرية والاستقلال.
- ما تفسيركم لموقف بعض الأحزاب السياسية الفرنسية الغامض تجاه القضية الصحراوية؟ وما هي الأسباب في رأيكم التي جعلت فرنسا تقف عائقا أمام حل الأزمة؟
بعض الأحزاب السياسية الفرنسية تروج لمغالطات وأكاذيب حول القضية الصحراوية وحول الموقف الجزائري المساند لها، حيث تنظر هذه الأحزاب نظرة مصلحية، رغم معرفتها بأن ثبات الجزائر على موقفها نابع من أن القضية الصحراوية هي قضية تصفية استعمار ومساند لشعب يريد تقرير مصيره، فلو كانت عكس ذلك لما وجدنا 84 دولة تعترف بالجمهورية العربية الصحراوية.
لهذا أقول، إن الحكام في فرنسا وبعض الأحزاب السياسية الفرنسية، تسعى من وراء هذه الأكاذيب والمغالطات إلى الحفاظ على النظام الملكي في المغرب.
السياسيون الفرنسيون يريدون تغليط الرأي العام ولديهم عقدة تجاه موقف الجزائر من القضية الصحراوية، رغم علمهم بتاريخ الجزائر النضالي المشرف المساند لقضايا التحرر في العالم، مثل موقفها الداعم لفيتنام وأنغولا وتيمور الشرقية وضد «الأبارتايد» في جنوب افريقيا، وغيرها... وأن لا مصلحة اقتصادية أو سياسية لها في ذلك. باختصار هم لا تروق لهم مكانة الجزائر كقوة اقتصادية ودولة محورية.
- يعيش العالم العربي تطورات سريعة، فهل ستؤثر سلبا على القضية الصحراوية؟
العالم العربي شهد تغييرات عميقة بعد رحيل زعماء عرب ثوريين ومناضلين من أجل قضايا التحرر، لهذا نشهد اليوم هرولة لبعض الأنظمة العربية نحو التطبيع والخضوع للغرب، باعت شرفها ومبادئها ليس من أجل مصالح دولها وشعوبها، لأنه - مع الأسف - لم تعد تجمعهم المبادئ والأخوة العربية وهو ما أدى إلى الحالة التي عليها اليوم العالم العربي، ورغم ذلك لا أعتقد بأن هذه التطورات ستؤثر على القضية الصحراوية، مادام القانون الدولي يؤكد حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.
- قلتم في إجاباتكم السابقة، إن هناك حصارا إعلاميا على القضية الصحراوية، ألا ترى أن القضية تنقصها الدعاية الإعلامية؟ وما الذي يجب فعله إعلاميا لإيصال صوت الصحراويين والتعريف بقضيتهم؟
الإعلام المغربي يمارس التضليل والدعاية ويزرع الأكاذيب في كل مكان حول القضية الصحراوية، ويقوم بالترويج لسياساته في إفريقيا، فعلى سبيل المثال تجده يحول من فتحه دكانا إلى مركز تجاري كبير، ويحول إنجازه مشروع طريق صغير إلى طريق سيار دعاية لنفوذه ولموقفه الاحتلالي.
لهذا المطلوب من الصحراويين الاهتمام بالإعلام بصفة عامة والإلكتروني بصفة خاصة لدحر الدعاية المغربية. ولابد أن يدرك الصحراويون أن استغلال التكنولوجيات الجديدة ومنصات التواصل الاجتماعي مهم وضروري، فالحرب اليوم ليست فقط بين جيشين بل حرب إعلامية بامتياز، لهذا المطلوب من الصحراويين السير نحو هذا الاتجاه، خاصة الشباب الذين يتحكمون في هذه التكنولوجيات الجديدة.
- هل من كلمة أخيرة؟
لابد من التنويه بمواقف الجزائر الثابتة، حيث أنها بقيت على مبادئها ومواقفها المساندة للقضايا العادلة، وحتى وهي في أحلك الظروف لم تبخل على الفلسطينيين والصحراويين بالمساعدات.
الجزائر اليوم، حكومة وشعبا وأحزابا، متحدة من أجل دعم هذه القضايا وواعية بكل التهديدات والمخاطر التي تحيط بالبلاد.
واستغل الفرصة للترحم على الزعيم الراحل هواري بومدين، الذي كان له الفضل الكبير في بناء مؤسسات الدولة الجزائرية. وأدعو بالمناسبة كل من عرفه، سواء سياسيين أو مؤرخين، وكل من عاش معه إلى تأسيس مؤسسة باسم هواري بومدين حفاظا على ذاكرة الرجل.