يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر 3، الدكتور حسام سلمان، أن مقترح اشتراط الشهادة الجامعية للترشح للانتخابات أمر يحتاج لنقاش ومشاورات مع القوى السياسية والحزبية وفواعل المجتمع المدني قبل إدراجه في قانون الانتخابات، لأنه لا يجب المساس بمبدأ التساوي الفعلي في الفرص السياسية.
الشعب: بعد تعديل الدستور، تتّجه الجزائر إلى مزيد من الإصلاحات السياسية، ولعل تعديل قانون الانتخابات هو أول هذه الخطوات، كيف تنظرون لهذه المسألة؟
الدكتور حسام سلمان: تبرز الحاجة الماسّة لتعديل قانون الانتخابات في الجزائر لاعتبارين، الأول يتعلق بالتغيير الذي مسّ الإدارة الانتخابية، حيث تمّ استحداث سلطة جديدة في أعقاب حراك 22 فيفري 2019 مهمتها إدارة العملية الانتخابية، وبالتالي من المهم تحديد مهامها وأدوارها ضمن القانون العضوي للانتخابات بعدما تم ترسيمها في الدستور الجديد.
والاعتبار الثاني هو ما تفرضه الساحة السياسية والتسيير المحلي للشأن العام، ذلك أن الإصلاح الانتخابي هو ناتج من عدم كفاءة الحكومات والمجالس التي يتم انتخابها وعدم استجابتها لتطلعات المواطنين الناخبين.
- ما هي المسائل التي ترى أنه من الضروري مراجعتها وتعديلها ضمن ورشة قانون الانتخابات؟
من البارز أن يتم إسناد مهمة مراجعة قانون الانتخابات وتقديم مقترح التعديلات الضرورية، للجنة معينة من طرف الرئيس (لجنة لعرابة)، في الوقت الذي كانت فيه الحكومة هي المخولة بإعداد مشروع القانون العضوي للانتخابات.
ومع ما يكتنف هذه التعديلات التي سيتم مناقشتها والتصويت عليها من طرف برلمان لا يحظى بالشعبية والمصداقية، فإن الملفات أو المواضيع التي ستكون محور ورشة تعديل قانون الانتخابات، حسب اعتقادي هي: أولا العزل السياسي للمنتخبين الذين تم انتخابهم لعهدتين أو أكثر، ولكل من كان محل متابعة قضائية في قضايا تتصل بالفساد.
ومن المهم أيضا إعادة النظر في تقسيم الدوائر الانتخابية، خاصة المتعلقة بالانتخابات التشريعية بالنظر إلى إعادة التقسيم الإداري واستحداث ولايات منتدبة، وعدم الاكتفاء بمعيار الكثافة السكانية، بل يجب مراعاة معيار التمثيل الجهوي والإقليمي المتوازن.
كما يمكن أيضا إعادة النظر في إجراء الانتخابات حسب نظام القوائم النسبية المغلقة، إذ يمكن الجمع بين نظام القائمة والنظام الفردي في الانتخابات التشريعية.
وربما من أهم الجوانب التي تحتاج لإعادة مراجعة في قانون الانتخابات الجديد، الباب الثاني المتعلق بأحكام انتخاب أعضاء المجالس الشعبية البلدية والولائية ومجلس الشعب الوطني ومجلس الأمة، فيما يتعلق بالمؤهلات الواجب توفرها في المترشحين، إذ من الممكن إضافة شروط أخرى تتعلق بالمستوى التعليمي أو امتلاك شهادة جامعية، فضلا عن إضافة شرط تصريح المترشحين بممتلكاتهم العقارية والمنقولة في الداخل والخارج، لتفعيل الرقابة المالية والحد من الفساد السياسي.
- أثارت نقطة اقتراح اشتراط شهادة جامعية للترشح في الانتخابات جدلا كبيرا وسط المتابعين لتطورات الساحة السياسية، ما تعليقكم على هذه المسألة؟
في الحقيقة إن اشتراط شهادة جامعية ضمن مؤهلات الترشح كفيل بإعادة تجديد الطبقة السياسية، ومنح دور وفرص أكبر للشباب الجامعي في هندسة التغيير والإصلاح السياسي.
وهو يعبر عن رؤية سياسية للرفع من مكانة المعرفة والعلم في الحياة السياسية، ودعم أصحاب الأفكار والرؤى من جامعيين ونخبة مثقفة للارتقاء إلى دائرة التمثيل السياسي والاضطلاع بالأدوار التشريعية وتسيير الشأن العام، وإن كان يبدوا هذا الأمر ضروريا، إذ لم يعد مقبولا أن ينتخب أميّين لإدارة الشأن العام وتشريع القوانين.
ومع ذلك فالمؤهلات المطلوبة للترشّح يجب ألا تكرس قواعد تمييزية، ضد مجموعات معينة من المواطنين أو مقيدة لحرياتهم، فاشتراط شهادة جامعية هو عامل تمييز سيمس من مبدأ المساواة في الحقوق السياسية.
كما أنه لا يمكن اختزال الطبقة السياسية هكذا بشرط الشهادة الجامعية، إذ هناك مناضلين بارزين في الأحزاب، لهم الخبرة والحنكة السياسية، وبوجود هذا الشرط سوف يصبح أو ينتهي مبرر وجودهم في الأحزاب، وهو أمر يتنافى مع المساواة في الحقوق السياسية، وتكافؤ الفرص.
ومن زاوية أخرى سوف يؤثر ذلك على الجامعة، وتتميع الشهادات، وهو أمر مخيف قد ينقل الفساد إلى الجامعة، إذ سيسعى الجميع نحو الشهادات الجامعية بوصفها تأشيرة للمناصب السياسية، وهو ما سيضر بدور الجامعة ويؤدي إلى تمييع الشهادات الجامعية أكثر، كما يجب الاعتراف بأن امتلاك الشهادة الجامعية لا يعني بالضرورة أداء أفضل.
- لكن، ألا ترى أن اشتراط شهادة علمية ضمن مؤهلات الترشح سيرفع من الكفاءة في التشريع والعقلانية في التسيير؟
بلا شك، فإن وجود إطارات متعلمة ذات كفاءة عالية ومتخصصة، بإمكانها أن ترفع من مستوى جودة التسيير بما يحقق أكثر قدر من العقلانية الإدارية الجامعة بين التسيير العقلاني للموارد مع تحقيق أعلى مستويات التنمية، ويعظم من قوة الاقتراحات والمبادرات في سن القوانين وتحسين أساليب التسيير العمومي، إلا أنه لا يجب بأي حال من الأحوال أن يكرس قانون الانتخابات نمطية جاهزة وقيم منمطة لا تعكس الواقع المجتمعي، وتبتعد عن الديمقراطية في مسعى خلق نموذج حكم صالح.
فالتأسيس للفعالية الديمقراطية بفتح المجال للمشاركة السياسية للنخبة المثقفة حسب قاعدة الكفاءة والاستحقاق، وإن كان يعبر أو يهدف إلى خلق آليات الرشادة والعقلانية السياسية عن طريق فرض فلسفة الحكم الراشد، هو مسعى يجب أن لا يتنافى مع منطق الديمقراطية التشاركية.
فاشتراط المؤهل الجامعي للترشح، وإن كان يعبر عن بحث لتحقيق أكبر قدر من العقلانية التسييرية في مستوى التمثيل السياسي سواء المجالس التشريعية أو المجالس المحلية، فإن بناء دولة الجودة السياسية التي تثمّن الكفاءة والاستحقاق وترفض الرداءة والمحسوبية والجهوية، يجب أن لا يمس بفلسفة المواطنة الديمقراطية، في جعل وضمان المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين في حقوقهم السياسية، وجعل عمليات التداول والتجديد السياسيين يخضعان لمنطق التصويت والمشاركة فقط دون أي قيد إقصائي.
- إذن الرّهان على المواطن، كيف يمكن تحسين العملية الانتخابية لجعل المشاركة السياسية للمواطن حركية بناءة في عمليات التجديد المؤسساتي للمجالس التمثيلية؟
أعتقد أن توفير مناخ وشروط النزاهة الانتخابية دوما كان الحلقة الأضعف في الانتخابات، ولذا من المهم التأكيد على توفير الضمانات الكافية لنزاهة وشفافية الانتخابات، للرفع من ثقة المواطن في الانتخاب كآلية للتعبير عن رأيه وخياراته، وحل أزمة العزوف الانتخابي، كما أن المواطن قد يئس من الوعود الكاذبة في الحملات الانتخابية، فتراكمت مبررات أزمة الثقة، والتي عبّر عنها بشكل واضح في حراك 22 فيفري 2019، الرافض للسياسات العاجزة والوجوه الفاسدة.
وبالتالي فإنّ أخلقة العمل السياسي وتطهير الحياة السياسية من المفسدين الذين عبثوا وتاجروا بمصالح المواطن، وكانوا سببا في تعفين الحياة السياسية وإفسادها، هو من أهم الآليات لاسترجاع ثقة المواطنين في المشاركة السياسية والانتخابات كآلية للإصلاح السياسي.
وهنا على الأحزاب إعادة هيكلة وتجديد تركيبتها، لأنها فشلت في التمثيل الحقيقي للمواطنين والتعبير عن مطالبهم، فالرهان هو على تنمية الثقافة السياسية والوعي لدى المواطنين، وجعل حقوق الانسان ومحورية المواطن في العملية السياسية الخارطة القيمية الموجهة لتفاعلات الدولة والمجتمع، فالأمر يتطلب ليس شهادة جامعية بل توفير آلية تكرس الشفافية والرقابة على اختيار مرشحي الأحزاب بما يعكس هندسة انتخابية ترفع من كفاءة وجودة المرشحين وتحد من دور المال السياسي في الترشيحات.
- في هذا السياق، تمّ التأكيد على تمويل الدولة للحملات الانتخابية للشباب لمنع تغول المال السياسي في الانتخابات، كيف ترون هذا المسعى؟
مسألة تمويل الدولة للحملات الانتخابية، تهدف لتوفير مناخ أفضل للتنافس السياسي على أساس من المساواة وتكافؤ الفرص، فعلى الرغم من أن المادة 190 من القانون العضوي للانتخابات رقم 16-10، تنص صراحة على أن تمويل الحملات الانتخابية يتم بواسطة مصادر هي مساهمة الأحزاب، مساعدة محتملة من الدولة تقدم على أساس الإنصاف، مداخيل المترشح، فإن ذلك لم يمنع من تغول المال السياسي في الحملات الانتخابية، والتأثير على العملية الانتخابية (شراء الأصوات وبيع الذمم)، وهو ما يشكل تحديا حقيقيا لمواجهته، كما أن تمويل الدولة للشباب للقيام بحملاتهم في نظري غير كاف.
إنما الأمر يحتاج إلى تجريم الناخب الذي يتلقى هبة مالية من المترشحين مقابل صوته، والتأكيد على تنمية الوعي السياسي لدى المواطن لتحسين سلوكه الانتخابي، وجعل خياراته مرتبطة بالمصلحة العامة وليس الاعتبارات الشخصية الضيقة، هذا فضلا عن الحد من أساليب التزوير في الانتخابات باستغلال التكنولوجيا في عملية التصويت، والرقابة على سجل الناخبين ونتائج التصويت وفرزها، لضمان الشفافية والنزاهة أكثر في الانتخابات.