طباعة هذه الصفحة

كرّس توجّه الدولة في التعديل الدستوري الجديد

مرسوم الصحافة الإلكترونية يُنهي عقدين من الفوضى

البليدة: أحمد حفاف

رهان على النوعية مقابل الكم الكبير من المواقع

دعم المرسوم التنفيذي 20-332 الذي يُحدّد كيفيات ممارسة نشاط الإعلام عبر الأنترنت ونشر الرد أو التصحيح عبر الموقع الإلكتروني، المنظومة القانونية التي تضبط المهنة في بلادنا، في انتظار صدور القانون العضوي للإعلام المرتقب خلال سنة 2021، لتفصيل فحوى التعديل الدستوري الأخير.
كان لزاما إصدار هذا المرسوم لتقنين نشاط العديد من المواقع بدأت في الظهور قبل أكثر من عقدين من الزمن، وفرضت نفسها في الساحة الإعلامية، خاصة وأن الدولة أقرّت التوجه نحو الصحافة الإلكترونية لتعزيز المنظومة الإعلامية، من خلال إضافة مصطلحها في نص المادة 54 من الدستور.
ويُعد هذا المرسوم أيضا من إفرازات المتغيرات السياسية التي شهدتها الجزائر، فالأشهر التي سبقت انطلاق الحراك الشعبي للمطالبة بتغيير نظام الحكم وبالإصلاحات السياسية في فيفري من سنة 2019، عرفت ترويجا كبيرا للإشاعات المغرضة سواء عبر المواقع أو في منصات التواصل الاجتماعي، بما يُسمى أكاديميا بـ «ظاهرة إعلام المواطن»، فبعض الأطراف المٌعادية للوطن وظّفت الدعاية لأجل خدمة أجندة سياسية معيّنة.
وبالرغم من إعداده في ظروف استثنائية بسبب وباء كورونا، وفرض التباعد الاجتماعي الذي أعاق فتح نقاش واسع، فإنّ المشرّع الجزائري وفّق إلى حدّ ما في صياغة نصوص قانونية عامّة ومجرّدة تسري على كل الأشخاص والوقائع، ولا تحتاج لنصوص تٌوضّحها أو تُكمّلها، لكن يٌفضل الكثير من الإعلاميّين أن يُعدّل هذا القانون إذا ما اتّضح لاحقا بأنّ حرية تأسيس جهاز للإعلام عبر الأنترنت لابد من ضبطه بالشكل الذي يجعل الصحافة الإلكترونية تتّسم بالنوعية لا بالكمية.
وتمّت صياغة مرسوم الصحافة الإلكترونية في أربعة فصول فقط، وفي الفصل الأول عرّف المُشرّع الإعلام الإلكتروني بنشر نصوص مكتوبة، أو اتصال سمعي بصري عبر الأنترنت (الواب)، وفي الفصل الثاني حدّد شروط تأسيس مؤسّسة إعلامية إلكترونية، والتزامات مديرها والتصريح بصحة المعلومات ومراقبتها، وتناول في الفصل الثالث الإجراءات الإدارية فيما يتعلق بتوقيف النشاط أو تعليقه وسحب شهادة التسجيل، وكذا حق الرد والتصحيح، وختم بأحكام انتقالية في الفصل الخامس.

سيضع حدّا لتوظيف الدعاية المغرضة

 اللافت أنّ المرسوم 20-332 الذي صدر في العدد 700 للجريدة الرسمية في 25 نوفمبر المنقضي، سيضع حدّا للدعاية المغرضة أو ما عرف باسم «الذُباب الإلكتروني»..ومثلما لا يعترف هذا القانون بخدمات الاتصال إذا كان الغرض منها الترويج لفرع تجاري أو صناعي (نص المادة 3)، فإنّه يضع حدّا للمناشير الإعلامية التي تتضمّن التحريض على الكراهية والعنف أو التمييز على أساس الانتماء الجهوي أو العرقي أو الديني أو الرأي السياسي أو الإيديولوجي أو النوع الجنسي.
ويُكلّف المرسوم مدير جهاز الإعلام عبر الأنترنت بإخطار الجهات المعنية بكل محتوى غير قانوني، ويقوم بسحبه بشكل فوري ومنع نفاذه، وبالتالي بات من الصعب توظيف الدعاية المغرضة لأغراض سياسية، كما حدث خلال الأشهر التي سبقت الحراك الشعبي في الجزائر.
كما وفّر هذا المرسوم الضّمانات لحماية الحقوق والحريات، مثل حق الرد والتصحيح الذي يتم نشره لتوضيح خبر غير صحيح، وضبط الإجراءات العقابية في حالة الإخلال بالنصوص التي يتضمّنها، كتعليق النشاط أو توقيفه، أو سحب شهادة التسجيل التي تُعوّض شهادة الاعتماد في الصحف الورقية.

تدفّق الأنترنت عائق حقيقي

 يرى الأكاديمي العيد زغلامي، بأنّ التوجه نحو الصحافة الإلكترونية بات أمرا حتميا، في ظل التطور التكنولوجي الذي يعرفه العالم، والذي جعل من الهاتف الذكي نافذة للاطّلاع على الأخبار والمستجدّات، كما أدى إلى تراجع كبير في مقروئية الصحف الورقية.
وبحسب هذا الأستاذ الجامعي، فإنّ العائق الحقيقي أمام تكريس الإعلام الإلكتروني كبديل للجرائد التقليدية، هو تدفق الأنترنت الذي يعتبر رديئا في غالب الأحيان، ونجاح الصحف الإلكترونية يستدعي تحكم الجزائر في هذه التكنولوجية.
فمن الصعب - حسبه - تغطية كل تراب الوطن بما فيها مناطق الظل، ومثلما كانت الصحف لا تصل إليها بسبب مشكل التوزيع، فقد لا تصلها الأخبار الآنية عن طريق الصحف الإلكترونية بسبب عدم التغطية بشبكة الأنترنت أو ضعف خدماتها.
وآثار محدثنا مشكل التبعية التكنولوجية بجلب الأنترنت من الدول الأوربية عن طريق كوابل، الذي سيجعل من التحول الرقمي رهينة اعتبارات أخرى، كما أن قرار التوطين الداخلي للصحف الإلكترونية dz يستدعي تدعيمات تكنولوجية أيضا، يضيف المتحدث.

تحذيرات من التمييع

 يُثمّن الصحفي إسماعيل ميموني صدور المرسوم 20-332 لتقنين واقع مُعاش كان موجودا حسبه، أي الإعلام عبر الأنترنت، بدليل أنّ الكثير من الصحف الورقية تملك مواقع خاصة بها، سواء كانت لنشر الأخبار الآنية أو لا.
كما حذّر المتحدّث من التمييع الذي قد يلحق بالإعلام الإلكتروني: «لم يعجبني في المرسوم تحديد خبرة ثلاث سنوات فقط للسماح بتولي مدير جهاز إعلام إلكتروني؟ وينبغي على السلطة التي تمنح شهادة التسجيل أن تتبع معايير دقيقة مثل اكتساب الخبرة وحيازة الكفاءة».
 وتحدّث في هذا الشأن عن سياسة التمييع التي عرفتها الصحافة الورقية بعد فتح الإعلام أمام الخواص في قانون الإعلام سنة 1990، فظهرت المئات من الجرائد بمحتوى ضعيف، وتحوّلت إلى دكاكين تتصيّد أموال الإشهار العمومي والخدمة العمومية آخر اهتماماتها».  
وأضاف المتحدث: «في القانون العضوي للإعلام لسنة 2012 تمّ تحديد الخبرة بـ 10 سنوات لإنشاء صحف عامة و5 سنوات لإنشاء نشريات دورية متخصّصة، وكان ينبغي الإبقاء على هذا الشرط على الأقل حتى نضمن ظهور صحف إلكترونية تضمن لنا الجودة والنوعية، خاصة وأن الإعلام الإلكتروني يكون أكثر تفاعلا بربطه مع مواقع التواصل الاجتماعي (السوشل ميديا)، وعلى السلطة التي تمنح شهادة التسجيل وأن تولي أهمية كبيرة للكفاءة، وتفرض احترام القواعد والقيم المهنية والاحترافية والمصداقية والنزاهة».