طباعة هذه الصفحة

المستشار الدولي في الاستثمار الصناعي محمد سعيود لـ «الشعب ويكاند»:

المصانع الجاهزة والشراكة مع الأجانب مفتاح الإقلاع

حمزة محصول

يرى المستشار الدولي في الاستثمار الصناعي، محمد سعيود، أن دفتر الشروط المحدد لكيفيات منح رخصة جمركة خطوط ومعدات الإنتاج التي تم تجديدها، يوفر بعض الفرص للمستثمرين الجزائريين، ولكنه لا يكفي حسبه لإطلاق صناعة تحويلية ثقيلة، مؤكدا في الوقت ذاته امتلاك الجزائر لمقومات كبيرة من أجل تحقيق تحول صناعي كبير.
يفصل الخبير الجزائري-الألماني سعيود، في تأطير الحكومة لاستيراد المصانع المستعملة، مستغلة الأزمة الخانقة التي ضربت الدول الرأسمالية جراء تفشي فيروس كورونا، ويوضح في حديث لـ «الشعب»، بأن «استيراد خطوط ومعدات الإنتاج أقل من 10 سنوات، بقدر ما منح فرص ممتازة للبعض بقدر ما ينطوي على مجاهيل تقنية تعرقل الاستفادة الكاملة منه».
قال: «إنه ليس من السهل الحصول على معمل في حالة جيدة، ويستوفي الشروط المحددة في أوروبا»، رغم تأكيده أن العديد من المصانع أعلنت إفلاسها لعدة أسباب تتجاوز جائحة كورونا.
وأوضح أن أزمة الركود التي تعيشها البلدان الأوروبية ليست وليد هذه السنة، وإنما تعود لـ 20 سنة مضت، «ولم تقم باستثمارات مهمة خلال هذه المدة، وبالتالي من الصعب الحصول على معدات أقل من 10 سنوات».
ويرجع الخبير الذي يملك 30 سنة خبرة في إدارة الاستثمار في ألمانيا، أن الآلة الصناعية في القارة العجوز، أنهكتها الضرائب وارتفاع التكلفة، ما جعلها تلجأ إلى الصين لسد 50 بالمائة من حاجياتها، بأسعار أقل بكثير مما هو موجود عندها.
واستدلّ المتحدث، بقطاع النسيج الذي لم ينتج بطاقته المعهودة منذ عقدين من الزمن، ما يجعل خطوط ومعدات الإنتاج قديمة لدى أغلب المصانع، وبالتالي «ليس سهلا اقتناء ما هو محدد في دفتر الشروط». وأفاد في السياق أن المعامل المفلسة تفقد كثيرا من قيمتها المالية»، فمصنع 2 مليون أورو يصفّى بعد الإفلاس بـ 200 ألف أورو»، لكنه لفت إلى مجاهيل ينبغي على المتعاملين الاقتصاديين الراغبين في اقتناص هذه الفرص إدراكها.
أعباء كبيرة
يرى سعيود أنّ معدات الإنتاج هي أفضل ما يمكن استغلاله من دفتر الشروط، لأنها تجهيزات (آلات) تعمل بشكل منفرد في إنتاج السلع والخدمات، ويمكن إيجاد العديد منها بمبالغ مغرية.
بينما يؤكّد أنّ خطوط الإنتاج والتي تعرف على أنّها «تجهيزات تشكل خط إنتاج متجانس، وتتمثل في الاستخراج أو الإنتاج أو تعبئة وتغليف المنتجات»، فهي تنطوي على أعباء مالية كبيرة قد لا يدركها البعض.
وأوضح أن «التجهيزات القديمة تكون تكلفتها منخفضة للغاية، لكن تجديدها يتم بتكلفة باهظة جدا»، مضيفا بأنّ «اقتناءها سينجم عنه عملية تفكيك، وهو ما يلزم اللجوء لتقنين ومهندسين أجانب، يطلبون مبالغ باهظة بالعملة الصعبة (حوالي 150 أورو للساعة الواحدة)، ثم يعيدون تركيبها في الجزائر وجهتها النهائية»، مشيرا إلى أن «مصنعا بسيطا قد يستغرق شهرين أو ثلاث لتنصيب معداتها قبل تشغيلها».
ويثير المتحدث مسألة ضمان خدمة ما بعد البيع، التي لا توفر في الغالب، لأن «المصانع المفلسة تمنح لمصفي إداري (محافظ البيع بالمزاد) ليتكفل بالتصرف فيها، وبالتالي فلا علاقة لصاحب المصنع بالمتعامل الذي يريد اقتناء العتاد المستعمل».
ومقابل هذه الأعباء الإضافية الكبيرة، يمكن اقتناء تجهيزات جديدة بسعر أقل من الصين، كما أن اليد العاملة الصينية التي تتكفل بعملية تشغيلها ليست مكلفة، لافتا في المقابل، أنه من الصعب الحصول على خطوط إنتاج مستعملة للصناعات الصيدلانية، لأنها كثيرا ما تتعرض للإفلاس بسبب مردوديتها المرتفعة.
هذا ما نحتاج إليه
المستشار الدولي في الاستثمار الصناعي، يؤكّد حاجة الجزائر الماسة إلى «صناعة مصنّعة»، وأنّها تملك «إمكانيات كبيرة لتحقيق إقلاع صناعي حقيقي»، ويعتبر أن استيراد المصانع المستعملة وفق شروط محددة ما هو إلا جزئية صغيرة تدعم المسعى لكن العمل الأكبر يقع على عاتق السلطات العمومية.
وقال إنّ الجزائر بحاجة إلى إطلاق صناعة تحويلية باستثمارات ضخمة في البتروكيمياء، من خلال استغلال البترول والغاز في انتاج البوليمرات وكل المواد التي تتيح انتاج البلاستيك والمطاط، « حاجيات الصناعات الخفيفة والمتوسطة بأسعار معقولة ونصدّر إلى الخارج». وقال: «إن إنشاء هذه المصانع يتطلّب ا بقيمة 8 مليار دولار، والدولة وحدها تستطيع إنجازه، أو من خلال جلب الشركات الأجنبية المتخصصة لإنشاء مصانع في الجزائر»، لافتا إلى «أن الشروع في الاستغلال الفعلي لها سيأخذ وقتا بين 4 إلى 6 سنوات».
وأضاف المتحدث بأن قطاع النسيج ببلادنا بحاجة إلى مصنع لإنتاج القطن كمادة أولية، «ومن الممكن تحقيق ذلك»، كما دعا إلى فتح مناجم الرخام أمام الجميع بالتساوي لتموين الأسواق الأجنبية بهذه المادة الأولية.  وأشار إلى الحاجة إلى مصانع لإنتاج الصفائح الفولاذية الموجهة لصناعة السيارات، ومادة الإينكوس (معدن الطهي)، والتي لا يمكن الاستغناء عنها في الصناعة الغذائية، مؤكدا أن «الجزائر إذا استطاعت تحقيق كل هذه الأشياء سيعني أنها باتت قوة صناعية».
وشدّد محمد سعيود،على أن أولى خطوات الصناعة الحقيقة تبدأ بإنشاء المناطق الصناعية الجاهزة، منوّها في السياق بإعداد الحكومة لمرسوم يقضي بتنظيم هذه المناطق، لتوزّع على «أصحاب الاستثمار الحقيقي».
وقال المستشار الدولي إنّ «تأجير المناطق الصناعة سيوفر الوقت والجهد، ويغني الدولة عن تسليم قروض بنكية، لأن الأمر لا يتعلق بالعقار الصناعي، وستبدأ في جني الثمار في ظرف 6 أشهر بالنسبة لبعض الصناعات الخفيفة، لأن المستثمر سيكتفي بوضع التجهيزات ليبدأ الانتاج».
وأكّد أنّها الطريقة الوحيدة المتاحة لتدارك التأخر الكبير الذي أضاعته الجزائر، في مجال الاستثمار الحقيقي منذ الاستقلال، إلى جانب الدخول في شركات مثمرة مع أجانب يملكون الخبرة والتكنولوجيا.