احتضنت الجزائر العاصمة منذ الإثنين ٢٦ ماي وإلى غاية يوم غد الخميس (٢٩ ماي) الندوة الوزارية ١٧ لحركة عدم الإنحياز في ظرف يتميز ببروز وتفاقم أزمات اقتصادية وسياسية ودبلوماسية بالعديد من مناطق المعمورة، وتعتبر الندوة تحضيرا للقمة التي ستعقد السنة المقبلة في كاراكاس مما أعاد الحديث عن المبادئ المؤسسة للحركة والتي تولدت عن الحاجة إلى تأسيس نظام عالمي متعدد الأطراف أكثر أمنا وعدلا.
فهل سيبعث دور الحركة من جديد؟ وتجد لها مكانة في المجتمع الدولي كونها تمثل نصف سكان العالم تقريبا؟ خاصة وأنها تضم دولا أكثر تمثيلا مما تمثله بعض الدول التي تملك حق الفيتو وتصنع القرارات الدولية في مجلس الأمن الدولي.
فقد أعادت ندوة الجزائر الحديث عن المبادئ المؤسسة للحركة والتي تولدت عن الحاجة إلى تأسيس نظام عالمي جديد.
فالحركة التي تعد تكتلا سياسيا وقوة مستقلة من حيث الإقتراح ورد الفعل بإمكانها التكيف مع المعطيات الجديدة التي تميز العلاقات الدولية دون أن تتجاهل أهدافها ومبادئها الأساسية الخاصة بالتعاون الدولي من أجل السلم والتنمية وهو الشعار الذي رفعته الندوة في الجزائر.
وترى الحركة أن التحديات التي يواجهها العالم اليوم عديدة وتذكر مختلف الأطراف بمسؤولية التعاون للتصدي لها باسم حفظ السلم والأمن العالميين وحل النزاعات الداخلية سلميا ومحاربة الإرهاب العابر للقارات والأوطان، الأوبئة وحركات الهجرة غير الشرعية والتهريب بجميع أنواعه والمجاعة وغيرها والإنعكاسات السلبية للعولمة والتأخر المسجل في مجال التكنولوجيات وبروز النزاعات الإقليمية والدولية وما يعرف بالثورات أو الربيع العربي وجمود مسار السلام في الشرق الأوسط ومشاكل الساحل الإفريقي والقارة ككل.
فحركة عدم الإنحياز تمثل بالنسبة للبشرية جمعاء أفقا مفتوحا على الأمل وتشجيعا لكفاحها ونضالها.
عصر الحركة الذهبي كان خلال الستينات والسبعينات
وقد قامت الحركة منذ تأسيسها وعبر قممها خاصة في مراحلها الأولى بإنجازات عملاقة وفرضت مكانتها وسمع العالم صوتها فمن هي حركة عدم الإنحياز ؟ إنها نتيجة للحرب العالمية الثانية خاصة الحرب الباردة التي تصاعدت بين المعسكريين الغربي والشرقي بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي والتي تأسست من ٢٩ دولة وهي الدول التي حضرت مؤتمر باندونغ ١٩٥٥ والذي يعتبر أول تجمع منظم للحركة وتعني بروز قوة ثالثة ليست بالشرقية ولا الغربية وقد انعقد المؤتمر الأول للحركة في بلغراد عام ١٩٦١ وحضره ممثلو ٢٥ دولة وتوالى عقد مؤتمرات القمم حتى المؤتمر الأخير المنعقد بطهران في ٢٠١٢ وقد وصل عدد الأعضاء في الحركة عام ٢٠١١ إلى ١١٨ دولة وفريق رقابة مكون من ١٨ دولة و١٠ منظمات.
وقد انشأت الحركة بانهيار النظام الاستعماري ونضال شعوب العالم الثالث المقهورة في آسيا وافريقيا وامريكا اللاتنية من أجل نيل استقلالها والحصول على حريتها.
وكانت جهود الحركة عاملا أساسيا في عملية تصفية الاستعمار والتي أدت إلى نجاح الكثير من الدول إلى تحقيق سيادتها الإقليمية وقد لعبت حركة عدم الإنحياز منذ نشأتها دورا كبيرا في تحقيق السلم والأمن الدوليين والحفاظ عليهما.
ويعتبر المؤرخون أن مؤتمر باندونغ الأفروأسيوي هو الحدث السابق لقيام الحركة والذي شهد تجمع ٢٩ رئيس دولة ينتمون إلى الجيل الأول من قيادات ما بعد الحقبة الاستعمارية من افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية بغرض بحث القضايا العالمية وتقييمها وانتهاج سياسات مشتركة في العلاقات ما بين الدول وقد تم خلالها الإعلان عن المبادىء التي تحكم تلك العلاقات بين الدول كبيرها وصغيرها وهي ما عرف بالمبادئ العشرة والتي اتخذت فيما بعد كأهداف رئيسية للحركة.
وفي عام ١٩٦٠ وفي ضوء النتائج التي تحققت في باندونغ حضيت الحركة بدفعة حاسمة أثناء الدورة العادية الخامسة عشر للجمعية العامة للأمم المتحدة والتي شهدت انضمام ١٧ دولة افريقية وأسيوية جديدة وكان حينها قد لعب بعض الرؤساء دورا أساسيا من أمثال نهرو وجمال عبد الناصر ونكروما وسوكارنو وتيتو والذين أصبحوا فيما بعد الآباء المؤسسين للحركة وبعد ستة أعوام من مؤتمر باندونغ تأسست الحركة على أساس جغرافي في القمة الأولى ببلغراد سبتمبر ١٩٦١ والتي حضرتها ٢٥ دولة، وكان مؤسسو الحركة قد فضلوا إعلانها كحركة وليس كمنظمة تفاديا للآثار البيروقراطية.
صانعة للتغيير ومدافعة عن المستضعفين
وركّزت الأهداف الأساسية لدول الحركة على تأييد حق تقرير المصير والاستقلال الوطني والسيادة والسلامة الإقليمية للدول ومعارضة الفصل العنصري وعدم الإنتماء للأحلاف العسكرية المتعددة الأطراف، وابتعاد دول الحركة عن التكتلات والصراعات بين الدول الكبرى والكفاح ضد الاستعمار بكافة أشكاله وصوره ضد العنصرية والسيطرة الأجنبية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول والتعايش بين جميع الدول ورفض استخدام القوة والتهديد في العلاقات الدولية وإعادة هيكلة النظام الاقتصادي العالمي، وقد لعبت الحركة خلال السبعينات والثمانينات دورا أساسيا في الكفاح من أجل إنشاء نظام اقتصادي عالمي جديد يسمح لجميع شعوب العالم بالإستفادة من ثرواتها ومواردها الطبيعية والتحرر الاقتصادي لدول الجنوب.
وقد عقدت الحركة ١٦ قمة أولها في بلغراد سبيتمبر ١٩٦١ والثانية بالقاهرة أكتوبر ١٩٦٤ والرابعة بالجزائر ١٩٧٣ سبتمبر والتي لعبت فيها الجزائر دورا رياديا فكانت القمة منعطفا تاريخيا فرضت وجودها من خلالها على الساحة الدولية كصانع للتغيير وعامل أساسي في الدفاع عن مصالح وقيم البشرية وقد استعمل خلالها سلاح البترول كأداة ضغط على الغرب والمدعمين الإسرائيل وكانت آخر قمة هي قمة طهران ٢٠١٢.