استطاع قطاع الفلاحة والتنمية الريفية سنة 2020 تحقيق نتائج إيجابية، جعلته يتصدّر قائمة القطاعات المساهمة في دعم النمو بقيمة إنتاج قدّرت لأول مرة 25 مليار دولار، أفرزت استقرارا «غير مسبوق» في السوق الوطنية، في وقت عرفت دول «أزمة جوع» بسبب جائحة كورونا العالمية التي عطّلت اقتصاديات كل الدول، لكنه استيقظ على فضيحة مدوية بسبب شحنة قمح مسمومة قادمة من ليتوانيا، وأنهكته «حرائق الخريف والصيف» التي التهمت مساحات واسعة من الفضاءات الغابية، وألحقت أضرارا بالبيئة والإنسان.
صنع قطاع الفلاحة «الاستثناء» في سنة «كورونا»، فرغم أن الجائحة العالمية ألحقت أضرارا واضحة بالقطاع الاقتصادي، في كل الشعب والفروع، فتسبّبت في إغلاق مؤسسات ومحلات تجارية ومطاعم وفنادق وتسريح عمال، وأوصدت أبواب المطارات والمعابر الحدودية، إلا أن هذا القطاع استطاع تحقيق «المعجزة» ومكّن الجزائر من تفادي «أزمة جوع» كانت تلوح في الأفق، بسبب خطر الوباء المميت، وانتشاره السريع بين الأفراد بفضل قوة إرادة وصبر «جنود الغذاء».
ففي الوقت الذي كانت تحاول بعض الأطراف نشر الخوف والرعب وسط الجزائريين في بداية ظهور الوباء، وتروّج أخبارا مغلوطة بتسجيل ندرة في المنتجات خاصة الواسعة الإستهلاك، ونفاذ مخزون المواد الغذائية، ما أدى إلى بروز «مشكلة السميد»، تمسّك الفلاحون بخدمة الأرض وانعكس ذلك على وفرة واستقرار غير مسبوق في السوق الوطنية سواء للمنتوج أو للأسعار، رغم أن إجراءات الحجر الصحي الأولى لم تكن في صالحهم، حيث حدّت من تنقلاتهم بين الولايات، وتسبّب ذلك في تعطل أشغالهم، لولا تفطن السلطات لهذا المشكل بعد صرخات متتالية منهم، أعادت النظر في القرار، وسمحت لهم بالتنقل بتقديم بطاقة الفلاح فقط دون الحاجة إلى الحصول على تراخيص.
إنتاج محلي بقيمة 25 مليار دولار
تمسّك الفلاح بخدمة الأرض، ظهرت نتائجها «الإيجابية» في أرقام قدّمها مسؤولين بوزارة الفلاحة والتنمية في أكثر من مناسبة، تخص مساهمة هذا القطاع الحيوي في دعم النمو، تجاوزت 25 مليار دولار كقيمة إنتاج محلي لأول مرة منذ الاستقلال بنسبة نمو قدرت بـ 2.5 %، متفوقا على قطاعات أخرى سجلت خسائر محسوسة، منها قطاع المحروقات ركيزة الإقتصادي الوطني، والمدعم الأول للخزينة العمومية إذ بلغت مداخيله 23 مليار دولار.
وتعد الفلاحة قطاعا اقتصاديا واجتماعيا بامتياز، حيث أصبحت تساهم بأكثر من 12.3 بالمائة في الناتج الداخلي الوطني الخام، وتشغل 2.6 مليون عامل ما يمثل أكثر من ربع الطبقة الشغيلة، وتضم ما يزيد عن 1.4 مليون مستثمرة فلاحية.
وحقّقت الشعب الفلاحية منجزات واعدة، فإنتاج الحبوب قفز إلى 56.3 مليون قنطار في سنة 2019، والأمر ذاته بالنسبة للبقوليات التي بلغ إنتاجها 1.4 مليون قنطار، كما سجّل نفس التطور في باقي الشعب وبالأضعاف، حيث قدر إنتاج الحليب الطازج بـ 3.4 مليار لتر، البطاطا 50 مليون قنطار، التمور 11.4 مليون قنطار، اللحوم الحمراء بإنتاج 5.3 مليون قنطار واللحوم البيضاء بما يفوق 5.6 مليون قنطار.
أما شعبة البطاطا، فواصلت تسجيل نتائج فعالة، سواء فيما يخص الانتاج أو تكثيف البذور، حيث أصبحت البذور المنتجة محليا تغطي احتياجات إنتاج البطاطا الموجهة للاستهلاك بنسبة تزيد عن 80 بالمائة، في وقت حددت الوزارة الوصية في إطار ورقة طريق للفترة الممتدة من 2020 إلى 2024 هدف تقليص واردات بذور البطاطا بـ 50 بالمائة خلال الموسم الحالي (2020-2021).
وأثبت المعطيات الأولى أن هدف تقليص كميات بذور البطاطا المستوردة بدأ يتجسّد في الميدان، حيث شملت تراخيص استيراد هذه المادة التي أصدرتها مصالح مديرية حماية النباتات والرقابة التقنية لوزارة الفلاحة والتنمية الريفية للموسم الجاري كمية إجمالية تقدر بـ 45.277 طن مقابل 000.99 طن خلال الموسم الفارط. وتخص هذه الواردات الأصناف غير المنتجة محليا.
وقدّرت كميات البذور المستوردة منذ بداية عملية إدخال الشحنات المرخص لها منذ 15 نوفمبر 2020 حوالي 19.909 طن مقابل 50 ألف طن خلال نفس الفترة من الموسم الماضي و67 ألف طن خلال 2018 -2019، ما سمح للخزينة العمومية بكسب ربح قيمته 15.2 مليون يورو بداية الموسم الحالي مقارنة بنفس الفترة من 2019، و23.74 مليون يورو مقارنة بموسم 2018 - 2019.
أما شعبة الطماطم، فقد حقّقت هي الأخرى المبتغى، والهدف الأول وهو القضاء على استيراد مركز الطماطم المضاعف، وتمّ خلال 2020 توفير حجم قياسي من الإنتاج للسوق (طازجا أو قابلا للتحويل) أكثر من 19 مليون قنطار، سلمت أكثر من 9 ملايين قنطار للتحويل، وأدى الفارق إلى تغذية السوق مما سمح بتخفيض في سعر المنتج (تراوح بين 40 و50 دج).
فائض إنتاج يؤرق الفلاحين والمضاربة تغضب الموالين
رغم تسجيل تلك النتائج الإيجابية، لم تخلو سنة 2020 من إرهاصات وهواجس، حولت «فرح» الفلاح بالمردود الوفير إلى «قرح»، بسبب تشبع السوق الوطنية بالمنتجات الزراعية أدت إلى انهيار الأسعار، مما كبده خسائر فادحة، حيث اضطر للبيع بأقل من التكلفة، مثلما حدث مع البطاطا في فترة جني المحصول حتى أمرت السلطات بتحويلها إلى مخازن تابعة لولايات أخرى تبعد عن مناطق الإنتاج، ونفس الشيء حدث مع مادة الطماطم التي حققت أهدافها هذا الموسم، فبقيت في الشاحنات على قارعة الطرق تنتظر مصانع التحويل تفتح أبوابها.
وتتكرر هذه المشاكل سنويا، بسبب سوء التنظيم، وبطء إجراءات فتح الاستثمار في مجال مخازن التبريد، ومصانع التحويل، أو فتح أروقة التصدير، ما يجعل الفلاح دائما يقع ضحية أخطاء أطراف أخرى، لا تعرف أحيانا سوى حدود مكتبها، والطريق المؤدي لمنزلها، إذ تراها لا تنزل الميدان، حتى تعي حجم معاناة الفلاحين الناشطين عبر آلاف المستثمرات الزراعية الممتدة من الشمال للجنوب، ومن الشرق للغرب وتحصر بدقة احتياجات الفئات المنتجة.
أما الموالون فكانت سنة 2020 غير رحيمة عليهم، فبعد غلق أسواق المواشي والمطاعم، وتأجيل إقامة الولائم والأفراح، ممّا كبّدهم خسائر غير متوقعة، بسبب عدم تصريف منتوجهم، أزّم المضاربون بمادة النخالة والشعير الوضع، وضاعفوا معاناتهم، فأصبح الحصول على قنطار من الأعلاف بالسعر المدعم من قبل الدولة أشبه بالمستحيل، ووصل سعر النخالة التي حدد سعرها من قبل الوصاية بـ 1500 دج، إلى 4000 و4500 دج.
واضطر وزير القطاع الحالي الى التدخل في وقت بدل الضائع، وقرر تعميم الدعم المخصص للأعلاف، والمقدم لمربي الأبقار ليشمل جميع الموالين مربي المواشي، واتخاذ قرارات أخرى، تتعلق بتنظيم عملية بيع الأعلاف على مستوى المطاحن، وتوفير الأعلاف المركزة، على مستوى ديوان تغذية الأنعام والدواجن، بسعر يراعي الجميع.
شحنة قمح ليتوانيا..النّقطة السّوداء
تبقى صفقة شراء «القمح اللين» من ليتوانيا «نقطة سوداء» في سجل المسؤولين على استيراد هذه المادة بعد أن أثبتت التحاليل أن المنتوج «مسموما»، ليس لأن الأمر يتعلق فقط بتهاون في تدقيق نوعية المادة المستوردة قبل استكمال إجراءات التسليم والاستلام، ولكن القضية لديها عدة أبعاد، فالوضع يتعلق بالأمن الغذائي للجزائريين، فمن يريد استهداف قوت الجزائريين وصحتهم؟ وإلى متى يبقى غذاؤهم الأساسي مرهونا بما تجلبه البواخر من وراء البحار من مواد قد تنتج في مخابر وليس في أراض خصبة تحترم الدورة الزراعية العادية، وتنتج تحت ضوء شمس النهار.
فإذا كانت كل جهود الدولة تصب في تحقيق الأمن الغذائي، وترصد سنويا ملايير الدينارات لتوسيع مساحات زراعة الحبوب بنوعيه، المادة الأكثر استهلاكا، ما الذي يمنع المسؤولين القائمين على القطاع الفلاحي والقطاعات الأخرى التي لديها علاقة بالإنتاج الزراعي، من تصويب كل تلك الجهود حتى تصبح الجزائر منتجة لغذائها بسواعد أبنائها مثلما كانت قبل الاحتلال الفرنسي حيث كانت من أكبر مصدري القمح للدول الأوروبية، من بينها فرنسا، التي تستحوذ اليوم على سوقها وقلبت المعادلة لصالحها، لتموينها بشكل دائم بالحبوب الموجهة للبذر أو للاستهلاك؟
أم أنّ الأمر يتعلق بارتباط دائم «محكم الوثاق» بالسوق الخارجية، وبالتحديد الفرنسية، خدمة لمصالح الأشخاص وليس الدول.
حرائق غابات مزدوجة
سنة 2020 بلغت الخسائر المسجلة بسبب الحرائق حجما مضاعفا، لأنها كانت مزدوجة في وقت واحد وأكثر من مكان، وبعد أن ارتبطت لسنوات بفصل الصيف، امتدت إلى الخريف، وبعد أن كان المتهم الأول عوامل المناخ كالحرارة الشديدة، ورياح السيروكو والجفاف، أو إهمال الإنسان، أصبحت جريمة كاملة الأركان، بتنفيذ أيادي محلية وايعاز من أطراف خارجية، ليصبح الأمر قضية استهداف أمن واستقرار دولة، وليس مجرد بقايا سيجارة أوعود كبريت ألقي بالخطأ.
وتسبّبت الحرائق الأولى التي اندلعت في الفترة الممتدة من 1 جوان إلى 31 أكتوبر 2020، في إتلاف 42 ألف و340 هكتار جراء 3292 حريق، منها غابات 15578 هكتار ما يعادل 37 بالمائة، الأدغال 13 ألف و552 هكتار، والأحراش 13199 هكتار، بمعدل 22 حريقا في اليوم وكل حريق أتلف ما يقارب 12.86 هكتارا من المحيطات الغابية.
***أما بالنسبة ليومي 6 و7 نوفمبر الجاري، تمّ تسجيل 52 حريقا في 11 ولاية، تصدّرت تلمسان قائمة الولاية المتضررة بـ 15 حريقا أتلفت 200 هكتار.
ومنحت السلطات العمومية الأولوية في بداية الأمر للتحكم في الحرائق بشكل كلي والتكفل باحتياجات المواطنين المتضررين ثم أطلقت تحريات من الجهات المعنية لمعرفة أسباب هذه الحرائق.
ورصدت 600 مليون دج من الإعتمادات المالية لصناديق وزارة الفلاحة، من أجل التكفل بضحايا الحرائق والمتضررين عبر 26 ولاية. في حين وقع وزير الفلاحة الحالي قرارا آخرا يوم 10 ديسمبر الجاري، لتعويض المتضررين من حرائق يومي 6 و7 نوفمبر الماضي، يخص 10 ولايات، بمبلغ إجمالي قدر 100.63 مليون دينار، منها 74 % حُشدت في إطار حسابي التخصيص الخاصين لوزارة الفلاحة والتنمية الريفية، وتم تسجيلها لفائدة ولاية تيبازة.
وقابلت السلطات جرائم حرق الغابات بحملة تشجير مليونية تستمر الى غاية مارس 2021، لتعويض الغطاء النباتي المنهوب، وإعادة التوازن الايكولوجي للطبيعة.