قليلون هم من يتجرؤون على الحديث عن مرض مزمن ما أصابهم فجأة في إصدار كتابي يروون فيه بالتفاصيل المعاناة اليومية و لكن أيضا سبل التصدّي لهذا النّوع من المرض الذي عادة ما لا يملكون أملا في الشفاء منه أو هذا ما يعتقدونه. أما و أن يكون المعني بالأمر امرأة و شابة في مقتبل العمر تصاب بمرض مزمن و تقرّر الجهر به في كتاب يتعدّى 200 صفحة، و في الجزائر، فهذه تعدّ سابقة لا يمكن إلاّ تثمينها لعدّة أسباب أهمّها أنّ أيّ مرض مزمن قد يصاب به الكبير والصّغير على حدّ سواء، امرأة كانت أم رجلا فضلا على أنّ هذه التجربة قد تكون مفيدة بالنّسبة للعديد من المرضى الرافضين للأمر الواقع كما أنّها تتضمّن الكثير من العبر و التحدّي في كيفيّة تجاوز أيّ مرض قد يصاب به أيّ كان.
صاحبة التجربة الفريدة من نوعها على الأقل في الجزائر هي السيّدة باية تزايرت الملقبة بكنزة من مواليد 1969 ابنة مدينة تيزي وزو و بالذّات من منطقة أزفون مهندسة دولة في الهندسة البيولوجية، رياضية من طراز عال تعشق رياضة الغطس في البحر، اكتشفت فجأة أنّها مصابة بمرض السكري و لم يكن سنّها يتجاوز 20 سنة الشيء الذي يفترض أنّه سيحرمها من هوايتها الرياضية المفضّلة تألمّت كثيرا لكنّها لم تستسلم و من هنا بدأ التحدّي.
تحدّت الجميع و تحدّت مرضها و مارست هوايتها و كانت أوّل عملية غوص لها في سنة 1993 و كانت كما أسر لها المدرب أنّه لم يشاهد في حياته امرأة تتحمّل البرد مثلها لكن الأمر كان عاديا بالنسبة لها لأنها تعشق الماء مثل والدها تماما و تفضّل المكوث فيه أطول مدة ممكنة، و كانت في كل مرة تحاول الإجابة على العديد من الأسئلة المرتبطة بحالتها الخاصّة من قبيل كيف يمكن تصحيح ارتفاع نسبة السكر تحت الماء، و هل ضغط الماء يمكن أن يؤثر على سكر الدم، محاولة الإجابة على هذه الأسئلة بطرقها الخاصّة و كلّ الهدف كان لإيجاد الحلول المناسبة لحالتها الصحية و ألاّ تحرم من ممارسة هذا النّوع من الرياضة الذي يفترض نظريّا و عمليّا أنّه لا يصلح لها، لما يشكله من مخاطر صحية لها، لكنّها جازفت و بدأ التحدّي الحقيقي بعد نيلها للشهادة العليا في سنة 1995.
الصدفة أرادت لكنزة أن تعمل في إحدى العيادات الخاصة بمرضى السكّري، و كانت المفاجأة بالنسبة لها أن ترى العديد منهم و من مختلف الأعمار و عمدت إلى وضع برنامج خاصّ للتعليم و التربية الخاص بمرضى السكري و كل النصائح المتعلقة بذلك و لكن أيضا تبادلت معهم كل المعلومات حول المرض المزمن، لكن المفاجأة الأكبر كانت عندما أعطى هذا البرنامج أولى النتائج الإيجابية من خلال احترام “ التلاميذ” له ليتبيّن حدوث تراجع هام في نسبة سكر الدم لديهم بفضل العمل الذي قامت به كنزة.
سعي كنزة نحو تعميق معارفها حول المرض و متابعة آخر التطوّرات خاصّة ما تعلّق بالجانب الرياضي قادها أخيرا نحو معلومة كانت في غاية الأهمية بالنسبة لها و هي أن مرضى السكري ممنوع عليهم الغطس في أعماق البحر و ليس الغطس العادي مثلما ورد في الجريدة الرسمية المؤرخة في سنة 1996 لتبدأ رحلة تحقيق الحلم الذي طالما راودها منذ الصّغر و تنطلق في ممارسة هذه الرياضة بعد أن أعطى لها الطبيب الضوء الأخضر و تدرّبت على يد الشاب الغوّاص أمين الّذي ابتلعه البحر و كانت المأساة الأخرى لكنزة لكنها رفضت التوقف عن ممارسة هذه الرياضة رغم تحفظ الأهل عليها لتتحصّل على الشهادة الأولى من الدرجة الأولى ثم الثانية و تواصل في رفع شعار التحدي الذي أسمته “ وجدت ضالتي في رفع التحدّي في البحر “ لكن التحدّي الآخر الذي تواجهه كنزة اليوم يكمن في الإعاقة التي أصابتها و هي تلد أحد أولادها بسبب خطأ طبي أقعدها على كرسي متحرك بعد أن صارعت الموت لأيام طويلة لكنّها وجدت متّسعا من الوقت لتروي قصّة حياتها في كتاب صدر في سنة 2012 بكلّ تفاصيلها المحزنة و المفرحة لها و لكلّ من يرفض الاستسلام واليأس.