في ذكرى تأسيسها 58، قدمت الإعلامية سهام بوعموشة مذكرة تخرج لنيل شهادة الماستر في تخصص المغرب العربي المعاصر، بعنوان «دراسة في مضمون تاريخ الثورة الجزائرية في فترة حكم الرئيس الراحل هواري بومدين من خلال جريدة الشعب (شهادات حية)»، تناولت بالبحث جريدة «الشعب» كذاكرة أمة، ارتبط مسارها بتاريخ الجزائر التحرري والفكر المناهض للاحتلال والعبودية، وكانت صفحاتها مفتوحة على تاريخ أمة، كان الحرف العربي أحد وسائل مقاومتها لكل محاولات التغريب وطمس الهوية على مدار 132 سنة، فكان هذا البحث العلمي إضافة قيمة وردا جميلا من الإعلامية لمدرسة «الشعب» التي تعلمت فيها أبجديات العمل الصحفي.
جاء فصلها الأول حول ظروف تأسيس جريدة «الشعب» في 11 ديسمبر 1962 والظروف التي مرت بها، ومقارنة بين مضمون جريدة «الشعب» التي أسست عام 1937 من طرف مفدي زكرياء وجريدة «الشعب» التي تأسست في 11 ديسمبر 1962.
وتناول الفصل الثاني مقالات تاريخ الثورة الجزائرية، التي نشرت في فترة حكم الرئيس الراحل هواري بومدين من خلال الجداول 1971-1974 بعنوان دور الثورة التحريرية في محاربة الإقطاعية، والفترة 1975 – 1978 دور الجريدة في التأريخ للمحطات المعلمية للذاكرة الجماعية، ومبحث حول نظرة الرئيس بومدين لتاريخ الثورة، حيث استندت لشهادة المجاهد المرحوم محمد كشود وخطابات الرئيس التي كان يؤكد فيها أهمية الاهتمام بالذاكرة الجماعية للجزائريين.
وخصص الفصل الثالث للشهادات الحية لمديري وصحفي جريدة «الشعب» الصادرة في 11 ديسمبر 1962، والإطار القانوني والإداري لمسار جريدة «الشعب»، والخطاط عبد الحميد إسكندر، ونبذة عن المديرين الذين تعاقبوا على تسيير الجريدة ونقل شهادات حية لأبرز الأقلام الإعلامية بجريدة «الشعب».
وأوضحت الإعلامية، في بحثها، أن صحيفة الشعب الصادرة في 27 أوت 1937 نصف شهرية، بدأت معركة جديدة على أرض الوطن بلسان عربي مبين، دافعت عن قضايا في عهد الاستعمار، عطلت في عددها الثاني، كانت تصدر من أعماق السجن.
وكان حزب «الشعب» اتخذ شعار كلمة الزعيم المصري سعد زغلول: «إن إرادة الشعب تنبثق من إرادة الله وإرادة الله لا تقهر». ومن خلال هذه الجريدة اتضحت معالم سياسة حزب الشعب الجزائري في توحيد الأهالي في شكل شعب تحت مفهوم التضامن العرقي والديني والتاريخي واللغوي، وتحريض المسلمين على الكفاح لاسترجاع سيادة الجزائر، وهاجم بشدة الشيوعيين والصهاينة والأهالي الذين يتبنون أفكار الجبهة الشعبية، ورفض التجنس وطالب بالتوزيع العادل للثروات الطبيعية بين الأهالي والفرنسيين على حد سواء، وكان يدير الجريدة مصالي الحاج ويرأس تحريرها أولا مفدي زكرياء ثم خلفه محمد قنانش.
وتحدثت بوعموشة، في مذكرتها، عن ميلاد جريدة «الشعب» الصادرة في 11 ديسمبر 1962 الذي ارتبط بالوضع السياسي والاجتماعي للجزائر غداة الاستقلال، حيث تطلب البحث عن وسيلة إخبارية تكون لسان حال السلطة لتمرير خطابها السياسي وشرح برامج حكومتها، وتكون واسطة بين المواطن والسلطة، ضف إلى ذلك إفتقار الساحة الإعلامية لوسائل الإعلام المكتوبة باللغة العربية.
وتضمنت المذكرة شهادات حية حول التفكير لتكون جريدة «الشعب» إضافة إلى المشهد الإعلامي، ساهمت فيها الكثير من الأقلام الإعلامية والثقافية مثل أبوالقاسم سعد الله، العربي الزبيري، عبد الله ركيبي، أبو العيد دودو، الطاهر وطار وغيرهم... فهذا ما تؤكده شهادة يوسف فرحي، واصفا الإحداثيات الزمنية في كتابه قائلا: «في 19 سبتمبر 1962، ظهرت جريدة الشعب «ALCHAAB» باللغة الفرنسية أول يومية في الجزائر المستقلة، والتي أصبحت مع 21مارس1963
Peuple Le، EL Moujahid بتاريخ 22 جوان 1965 لم يتم إلا تغيير الإسم».
بهذا الصدد أوضح الميلي، أنهم كانوا يودون صدور العدد الأول بمناسبة ذكرى أول نوفمبر 1962، لكن المشاكل التقنية حالت دون ذلك، قائلا: «بعد سلسلة من أعداد الصفر تم اختيار يوم 11 ديسمبر 1962 باعتباره يحمل ذكرى وطنية خالدة، وذلك ما عبّرت عنه الجريدة في عددها الأول».
ونقلت شهادة لأحد مؤسسي الجريدة الدكتور محمد العربي الزبيري، يؤكد فيها أنه وجد نفسه في ورطة كبيرة مع صديقه ورئيس تحريره محمد الميلي، فمطلوب منهما إنجاز عدد كامل من الجريدة، مشيرا إلى أن عددا من الصفحات الجريدة كتبها بأصبعه مع الحبر، وأضاف: «صور الرئيس بن بلة ملأت صفحات الجريدة تقريبا لنقص المواد التحريرية، وأنه مع أذان الفجر كانت الجريدة جاهزة للطبع، وأن الرئيس دخل مكتبه صباح اليوم الموالي وطلب جريدة الشعب قبل أن يطلب قوته ليصدم بها بين يديه».
مفخرة الإعلام الوطني المكتوب
من بين الشهادات الحية التي وجدناها في المذكرة، ما قالته الوزيرة السابقة للتربية والأديبة زهور ونيسي عن «الشعب»، حيث اعتبرت الجريدة أهم جريدة تهتم بتاريخ الثورة، بل الإبن البِكر بالنسبة للإعلام في الجزائر، يكفيها أن شعارها «11 ديسمبر 1962»، هي مفخرة الإعلام الوطني المكتوب، ووصفت زهور ونيسي أمّ الجرائد التي التحقت بها بحوالي ثلاثة أشهر منذ إصدارها بتاريخ 11 ديسمبر 1962، حين كان يرأسها المدير محمد الميلي، قائلة: «إنها أول جريدة باللغة العربية بعد الاستقلال، وتبقى المرجعية الأساسية للشعب الجزائري، أرخت لنضال الشعب الجزائري الذي توج بالفاتح نوفمبر 1954، كما أنها بقيت تمتاز بأصالتها في طرح القضايا».
وأبرزت الطالبة، أنه رغم المنافسات في الساحة الإعلامية من حيث الشكل والمحتوى، بقيت جريدة الشعب هي نفسها، لأن مبادئ الدولة الجزائرية واحدة.
في المقابل، تضمنت المذكرة مصادر ومراجع اعتمدت عليها الطالبة في بحثها وملاحق تمثلت في صور لجريدة الشعب الصادرة سنة 1937 وكلمة رئيس حزب الشعب مصالي الحاج إلى جريدة الشعب بتاريخ 27 أوت من نفس السنة والنص الكامل لإفتتاحية العدد الأول لجريدة «الشعب» التي تأسست في 11 ديسمبر 1962، إضافة إلى نموذج لجريدة الشعب الناطقة باللغة الفرنسية ونموذج للعدد التجريبي للجريدة الصادرة في 11 ديسمبر 1962 ونموذج للعدد الأول للجريدة وصور للمديرين الذين تعاقبوا على تسيير الجريدة.