عكس كثيرين، فإنّ إعلان المملكة المغربية تطبيع علاقاتها مع إسرائيل لم يحدث لديّ أيّ مفاجأة، على اعتبار أن الشقيقة الغربية كانت مرشّحة قبل غيرها لتتدثر بالعباءة الصهيونية، حيث عقدت لقاءات واجتماعات ماراطونية في الأشهر الأخيرة بين أمريكيين وإسرائيليين ومغاربة في نيويورك لهذا الغرض. وكشفت التقارير في أكثر من مناسبة، عن وجود اتصالات ومعاملات تجارية متقدّمة بين تل أبيب والرباط.
لكن ما أثار دهشتي وأسفي فعلا، هو تطاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مرّة أخرى، على الشرعية الدولية واعترافه بسيادة المغرب على الصحراء الغربية التي تقرّ كلّ اللوائح الأممية بأنها إقليم محتلّ وينطبق عليه حق تقرير المصير والاستقلال.
في الواقع، لم يصدمني قرار المغرب بإقامة علاقات مع اسرائيل ولا امتطائه لقطار التطبيع جنبا إلى جنب مع مصر والأردن والإمارات والبحرين والسودان، لأنه بالأساس كان يقيم علاقات سرّية مع الكيان الصهيوني منذ زمن طويل تحت غطاء التجارة والسياحة والثقافة. وقد أكّدت مصادر عديدة، أن المعاملات التجارية بين البلدين استمرت، رغم إعلان الرباط غلق مكتب الاتصال الذي فتحته مع تل أبيب سنة 1994، حيث بلغ حجمها بين عامي 2014 و2017 أزيد من 194 مليون دولار. ومن بين 22 شريكا تجاريا أفريقيا لإسرائيل، يُصنف المغرب ضمن البلدان الأربعة الأولى التي تستورد منها إسرائيل المحاصيل الزراعية والأسماك، وعلى مستوى الصادرات يعد المغرب الشريك الأفريقي التاسع للكيان الصهيوني.
التطبيع المغربي المعلن عنه مع إسرائيل اليوم، سيكون مجرّد ترسيم لعلاقات ظلّت تجمع في الخفاء بين البلدين. والظاهر أن المملكة المغربية اختارت طريق الابتزاز وقرّرت أن تستغلّ الفرصة لكي لا يكون تطبيعها مجانيا، حيث أقنعت نتنياهو بالضغط على ترامب قبل أن يغادر البيت الأبيض لينتزع منه اعترافا أمريكيا بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، مقابل إقامة علاقات دبلوماسية بين الرباط وتل أبيب. وبما أن كرم ترامب لا حدود له على إسرائيل، فها هو يدوس على قرارات الأمم المتحدة ويسحقها بنعليه من أجل عيون الكيان الصهيوني، ليعلن الاعتراف بمغربية الصحراء الغربية وفتح قنصلية في الداخلة المحتلة قريبا.
إن مقايضة ترامب للأرض الصحراوية مقابل الاعتراف بإسرائيل، هو مؤامرة جديدة لا تختلف في هدفها ونتيجتها عن اتفاقية مدريد الموقعة عام 1975 والتي منحت بموجتها إسبانيا ما لا تملك لمن لا يملك. وها هو الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته قبل أسابيع قليلة، من مغادرته البيت الأبيض يكرّر نفس الخطيئة التي بدأها بإعلان القدس عاصمة للكيان الصهيوني، حيث يصرّ على أن لا يرحل قبل أن يوصّل بنفسه قطار التطبيع إلى تل أبيب مكدّسا بالمطبّعين، دون أن يلتفت للمجازر التي تخلّفها قراراته بحقّ الشرعية الدولية، ولا المظالم التي تسببها غطرسته في حقّ شعوب كانت تعتقد بأن العظمة الأمريكية ستكون سندا وحاميا لها، فإذا بها تتحوّل إلى قاضٍ وجلاد لا يرحم.