طباعة هذه الصفحة

اجتماعات ماراطونية لمجالس الوزراء والأمن

عام من التعليمات الصارمة والقرارات المصيرية

هيام لعيون

أياما قليلة بعد تعيينه رئيسا للبلاد، اتّخذ الرئيس تبون قرارات هامة لعقد لقاءات دورية مع طاقم الحكومة، والإشراف على اجتماعات دورية للمجلس الأعلى للأمن وكلما اقتضى الوضع ذلك، وهذا تحسبا لكل المستجدات وتماشيا مع التعهدات التي أطلقها على نفسه غداة ترشحه للرئاسيات التي يمر اليوم عليها عام كامل.
عقد أول اجتماع أمني بتاريخ 26 ديسمبر 2019، حيث درس الاجتماع «الأوضاع في المنطقة وبوجه الخصوص على الحدود مع ليبيا ومالي وقرر جملة من التدابير يتعين اتخاذها لحماية حدودنا وإقليمنا الوطنيين».
وتقرر إعادة تفعيل وتنشيط دور الجزائر على الصعيد الدولي. خاصة ما يتعلق بالملفين الليبي ومالي وبصفة عامة في منطقة الساحل وإفريقيا.

الدستور، السيـاسة الخارجية والاقتصـاد في الواجهة

مباشرة بعد تعيين تشكيلة الحكومة الجديدة، برئاسة عبد العزيز جراد، الذي قاد حينئذ 39 عضوا. بينهم 7 وزراء منتدبين و4 كتاب دولة، منها إنشاء وزارة جديدة تحت اسم الاقتصاد الرقمي والمؤسسات الناشئة والصغيرة.
التقى تبون لأول مرة منذ انتخابه رئيسا جديدا للبلاد، بطاقم الحكومة الجديد في أول اجتماع لمجلس الوزراء عقد يوم 5 جانفي 2020 تحسبا للمرحلة المقبلة.
وقد علق الكثير من المتابعين للشأن السياسي وقتها، أن الرئيس يريد من خلال التعليمات والتوجيهات للتشكيلة الجديدة للحكومة، مباشرة مهامها والتوجه نحو العمل الميداني لربح الوقت، في وقت كانت الجزائر قد عرفت قبل رئاسيات 2019 مرحلة سياسية صعبة بعد حراك 22 فيفري 2019 وما خلّفته من فراغ على مستويات عدّة، وهذا إدراكا منه لحجم التحديات التي تواجهها اليوم خاصة الجبهة الاجتماعية والاقتصادية.
أول اجتماع لمجلس الوزراء انبثقت عنه العديد من القرارات، خاصة ما تعلق بتطبيق البرنامج الرئاسي، حيث أسدى «رئيس الجمهورية تعليماته لأعضاء الحكومة ليكونوا الآذان الصاغية لانشغالات المواطنين ومتطلباتهم، من خلال سلك نهج الحوار والتشاور والحرص كل الحرص على خدمة الدولة والشعب.
ولا يمكن الوصول لذلك إلا من خلال التحلي بالسلوك المثالي المطلوب وبالإيمان الراسخ بواجب الحفاظ على المال العام ومكافحة السلوكات البيروقراطية واحترام التزامات الدولة».
وكان أول اجتماع فرصة لتبون للإعلان عن «إجراء تعديل عميق على الدستور، الذي يعتبر حجر الزاوية لبناء الجمهورية الجديدة، وعلى بعض النصوص القانونية الهامة مثل القانون العضوي المتعلق بالانتخابات.
كما أنه يستلزم من جهة أخرى، أخلقة الحياة السياسية عبر تكريس الفصل بين المال والسياسة ومحاربة الرداءة في التسيير».
على الصعيد الاقتصادي، ألح الرئيس على تنفيذ نموذج اقتصاد قوي مبني على التنويع، متحرر من العوائق البيروقراطية، يستقطب الثروة ويمتص البطالة، لاسيما لدى الشباب، فضلا عن تحقيق الأمن الغذائي بما يضع الجزائريين في منأى عن التبعية للخارج. كما يحررها من التبعية للمحروقات، خاصة عبر تشجيع الطاقات البديلة والمتجددة،
وحظي المجال الاجتماعي بالعناية اللازمة من قبل تبون، حيث ستكون له الأولوية المطلقة للارتقاء بالمستوى المعيشي للمواطن الجزائري، حيث أن الدولة ستكون إلى جانب الطبقة المتوسطة والهشة من مجتمعنا لتوفر لهما العيش الكريم، وترفع القدرة الشرائية لجميع المواطنين، مع إلغاء الضريبة على أصحاب الدخل الضعيف.
على الصعيد الخارجي، ركز رئيس الجمهورية على البيئة المعقدة التي تحيط بالجزائر على المستويين الجهوي والدولي، والتي تعتبر اليوم مسرحا لمناورات جيوسياسية كبيرة وميدانا لتشابك عوامل تهديد وعدم استقرار.

كورونا... القرارات المصيرية والحاسمة

توالت بعدها اجتماعات الرئيس تبون مع طاقمه الحكومي، يوم الأحد من كل أسبوع. وبالرغم من جائحة «كورونا»، فإن الرئيس استمرّ في اجتماعاته عبر تقنية التحاضر المرئي.
 وتزامنت مع الأزمة الصحية قرارات تصب في خانة إيلاء الأهمية القصوى للصّحة العامة وللمواطن المتضرّر الأول من الفيروس العالمي، الذي هدّد أعتى اقتصادات دول العالم.
وتم مع بداية انتشار الفيروس في الجزائر، اتخاذ قرارات مصيرية تخص تعليق النشاطات الإقتصادية، حيث أمر الرئيس، في خطاب وجهه إلى الأمة، حظر التجمعات والمسيرات لمكافحة فيروس كورونا واتخاذ جملة من القرارات للحد من تفشي الفيروس، من بينها «غلق جميع الحدود البرية مع الدول المجاورة، ومنع التجمعات والمسيرات كيفما كان شكلها وتحت أي عنوان كانت وغلق أي مكان يشتبه فيه بأنه بؤرة للوباء».
كما منع تبون تصدير أي منتج استراتيجي، سواء كان طبيا أو غذائيا إلى أن تنفرج الأزمة، وذلك حفاظا على المخزون الاستراتيجي الوطني. وعلق صلاة الجمعة والجماعة في المساجد، وغلق المساجد، ودعا إلى الاكتفاء برفع الآذان استجابة لطلب لجنة الإفتاء بعد مصادقة كبار شيوخ وعلماء الأمة.

تعديل حكومي وانطلاقة جديدة

استدعى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الحكومة الجديدة لأول اجتماع لمجلس الوزراء، بعد 4 أيام من التعديل الذي أجراه على حكومة عبد العزيز جراد الأولى، في 23 جوان 2020.
 ودرس مجلس الوزراء عددا من العروض تتعلق بثلاثة قطاعات، أحدها يشرف على تسييره وزير جديد، يتعلق الأمر بقطاع الطاقة الذي عرف تغييرا على مستوى قيادته، إذ اختار الرئيس تبون عبد المجيد عطار وزيرا للقطاع خلفا لسابقه محمد عرقاب الذي أسند له تسيير شؤون قطاع المناجم.
وحمل أيمن بن عبد الرحمن حقيبة المالية خلفا لعبد الرحمن راوية، وعين شمس الدين شيتور وزيرا للانتقال الطاقوي والطاقات المتجددة، وعبد الحميد حمداني وزير الفلاحة خلفا لشريف عماري، إضافة إلى محمد شريف بن ميهوب وزيرا منتدبا مكلفا بالاستشراف خلفا لبشير مصيطفى.
وخلال أول اجتماع الطاقم الحكومي في تشكيلتها المعدلة، أعطى الرئيس توجيهات إلى أعضائها ملحا على التنسيق فيما بينهم تحت إشراف الوزير الأول، وتجنب الخرجات الميدانية الاستعراضية حتى «نسترجع ثقة المواطن التي ضيعتها الوعود الجوفاء والممارسات السلبية، ونبني الجزائر الجديدة القوية العادلة التي يكون فيها للتغيير الجذري معنى حقيقي يُلمس أولا في سيرة وممارسات المسؤول في أي مستوى من المسؤولية». كما وجه تعليمة بتشكيل خلايا على مستوى الوزارات للإصغاء للمواطنين وعدم الإكتفاء بالتقارير الإدارية.
وفي آخر اجتماع للوزراء أعطى رئيس الجمهورية، توجيهات بإعادة فتح المطارات الداخلية التي كانت مغلقة، وتعليمات «بإنشاء شركات خاصة لضمان خدمة النقل الجوي الداخلي لخلق ديناميكية اقتصادية وامتصاص البطالة وبـ»إعادة النظر» في طريقة تسيير الخطوط الجوية الجزائرية بشكل يعيدها إلى المنافسة الدولية وتقليص عدد وكالاتها التجارية بالخارج».
وأمر «بتحضير أرضية لمطار محوري للجزائر بتمنراست بالتعاون مع المختصين والخبراء لولوج الأسواق الإفريقية.
وكذا استغلال الظروف الاقتصادية العالمية الحالية لفتح خطوط جديدة نحو الخارج، لاسيما نحو الأمريكيتين وإفريقيا».

أهم قرارات الرئيس

خلال الفترة الزمنية الممتدة من جانفي إلى أكتوبر، عقد رئيس الجمهورية عشرات الاجتماعات مع الطاقم الحكومي، انبثقت عنها قرارات هامة ومصيرية تخص عديد القطاعات وتمس بالدرجة الأولى المواطن الجزائري.
أمر رئيس الجمهورية بالإسراع في رقمنة القطاعات والدوائر الوزارية وتحقيق الربط بينها لتقاسم وتنسيق المعلومات وتدارك التأخر المسجّل في رقمنة دوائر حيوية تقدم للدولة مؤشرات اقتصادية تساعدها على تجسيد المقاربة الاقتصادية الجديدة. واستخدام الرقمنة في إحصاء الثروة الوطنية لمعرفة قدراتنا واحتياجاتنا، لأنّ الإحصائيات الحالية ليست دائما دقيقة.
وأعطى الرئيس تعليمات بتفعيل التنسيق بين المؤسسات المصغرة والناشئة لتحقيق جدوى اقتصادية تساهم في بناء أرضية اقتصادية صلبة تلبي طموح الوصول سنة 2024 إلى مليون مؤسسة مصغرة قادرة على المساهمة في خلق الثروة الوطنية وتشغيل اليد العاملة الشبانية المؤهلة والمكونة.
في مشروع جامع الجزائر، أمر بوضع تصور لتأسيس هيئتين، تهتم الأولى بالتسيير اليومي والصيانة للمجمع والثانية تتولى التسيير الديني والعلمي المحض له، مع رصد الاعتمادات المالية اللازمة للتسيير، ابتداء من أول نوفمبر، وإعداد مشروع ميزانية تدرج فيها عائدات هذا المجمع الحضاري.
وقد أوصى الرئيس بالسّهر على ترجمة قرارات وتوصيات ندوة الإنعاش الاقتصادي والاجتماعي التي انعقدت يومي 16 و17 أوت الماضي ميدانيا، حتّى لا تبقى حبرًا على ورق.
وأسدى تبون تعليمات إلى وزير المناجم بالتعجيل في استغلال منجم غار جبيلات للحديد ومنجم وادي أميزور للزنك والفوسفاط، قصد التخفيف من الاعتماد على عائدات المحروقات، وتحيين الخريطة المنجمية الوطنية بدقّة لتحديد المناطق ذات الاستغلال الصناعي والمناطق ذات الاستغلال الحرفي.
وكان لإعادة النظر في قاعدة 49/51، باستثناء القطاعات الإستراتيجية وأنشطة شراء وبيع المنتجات، صداه. حيث شدد على إخضاع قاعدة 49/51 لنصوص تنظيمية شفافة تجنبا لأي تأويل أو إلتباس في الحفاظ على الثروة الوطنية.
وأعطى تعليمات باتخاذ إجراء مماثل بخصوص استعمال حق الشفعة، على أن يكون من اختصاص الوزير الأول بعد دراسة عميقة من طرف الخبراء، وكذلك الشأن بالنسبة لأي تنازل عن الأسهم بين الشركات الأجنبية النشطة بالجزائر.
وفي السياق، شدد تبون على اعتماد دفاتر الشروط الخاصة بصناعة السيارات والأجهزة الكهرومنزلية والإلكترونية وتخصيص 11,2 مليار دينار للتأمين الشامل لكل أفراد السلك الطبي المعرضين للإصابة بفيروس كورونا، ملحا على توسيع عمليات الربط بالكهرباء والغاز في الجنوب والولايات الداخلية، وإلغاء نظام «سي.كا.دي» و»آس.كا.دي» والترخيص باستيراد المركبات السياحية الجديدة.