التعريف بالقضية الجزائرية أساس المشروع
مسيرة مليئة بالإنجازات قبل وبعد الإستقلال، لبّى نداء الوطن منذ الوهلة الأولى، التحق برفقائه في فريق جبهة التحرير الوطني سعيا منه للتعريف بالقضية الوطنية ورفع الراية الجزائرية في مختلف الدول العالمية، لم يتردّد يوما في إعطاء الدعم للكرة الجزائرية، لا يتحدث كثيرا، هادئ في طبعه، صارم وحكيم في قراراته، جاد في تصرفاته. عبد الحميد زوبا اسم صنع التاريخ وكتبه بأحرف من ذهب، جعل «الشعب ويكاند» تقف عند هذه الشّخصية الفريدة التي ساهمت في إعطاء نفس جديد للثورة التحريرية التي عمدت فرنسا على كبحها إعلاميا، وهذا من خلال الهبّة التي قام بها مع شُلّة من اللاعبين أبناء وطنه.
زوبا ترك كل شيء خلفه في عالم الاحتراف الكروي والتحق برفقائه سنة 1958، كان له دور مهم في التنسيق بين الفوجين الأول والثاني، خلال عملية الإنتقال إلى تونس معقل تكوين نواة الفريق لأول مرة وتجمُّع كل المعنيين قبل الإنطلاق في المهمة التي كان يسعى لها القائمين على الفكرة، نجح في كل العمليات التي أوكلت له وذلك راجع للخبرة التي إكتسبها نتيجة الظروف التي ترعرع فيها والأشخاص الذين إحتك بهم منذ طفولته. هذا ما سنعرفه خلال ما قاله لنا وبصدر رحب. وبابتسامته التي لا تفارقه. حيث كشف لنا عبد الحميد زوبا عن كل تفاصيل حياته الخاصة والكروية.
بتأثُّر شديد يروي نجم فريق جبهة التحرير الوطني عبد الحميد زوبا حياته منذ طفولته وإلى غاية إلتحاقه برُفقاء الدّرب بتونس للمساهمة في الثورة التحريرية، من أجل نيل الحق المشروع المتمثل في الاستقلال وطرد المستعمر الغاشم.
وقال في هذا الشأن «وُلدت ببولوغين بتاريخ 2 أفريل 1934 وتنحدر عائلتي من ذراع الميزان، لكنني نشأت وترعرت في العاصمة من عائلة بسيطة جدا، كنّا نعاني من ويلات الفقر على غرار أغلب الجزائريين بسبب الظروف الإجتماعية الصّعبة التي كانت في تلك الفترة، لأن الجزائر كانت تحت وطأة المُستدمر الفرنسي، الذي مارس أبشع أنواع الظُّلم والإستبداد في حق الشّعب الأعزل، ولم نكن نقدر على المُطالبة بحقوقنا».
«أنا من عائلة بسيطة عانت من ويلات الإستعمار»
واصل صاحب الشّخصية القوية قائلا في هذه الشهادة «طفولتي كانت صعبة جدا لماذا؟ لأنّه في سنة 1939 إندلعت الحرب العالمية الثانية ما اضطّر عدد كبير من سكان العاصمة الى الفرار الى المدن الداخلية، وعدنا إلى ذراع الميزان فرارا من الظُّروف الصّعبة حتى إنتهت الحرب، ثمّ عُدنا ثانية لبلوغين سنة 1947. في هذه الفترة تجاوزت سن الإلتحاق بالمدرسة، خاصة أن الأمور والظروف كانت صعبة جدا بسبب انتشار الجوع وظُلم الاستعمار، لهذا يمكنني القول أنّ الشيء الوحيد الذي أنقذني رفقة عائلتي تلك الكرة الصغيرة التي كنت أمارسها في الشارع رغم غياب الإمكانيات، حيث لاحظنا أُناسا كبار وأدرجونا ضمن صفوف فريق مسلم لأنه في تلك الفترة كانت مجموعات تُمارس الكرة».
انطلاقة المشوار الكروي رفقة فريق مُسلم ثم الإحتراف ضمن نادي فرنسي بهدف تحسين الظروف الإجتماعية للعائلة حسبما أكده زوبا قائلا «هذه الفرق الكروية المسلمة في الحقيقة هي مجموعات بهدف سياسي لأنه كان هناك أناس كبار يقومون بجمعنا لتوعيتنا بين سنتي 1946 و1949 من أجل إستغلال كل المجالات بالإمكانيات التي كانت متوفرة لدى حزب «الشعب» لدعم القضية الوطنية، حيث تمكّنت من الخروج من الوضع الصعب الذي كنت فيه بفضل الكرة، ومن تقديم الدعم المادي لعائلتي واليوم أنجزت كتابا أردت أن أتركه للأجيال القادمة حتى تعرف الشبيبة اليوم بأنه كل شيء ممكن بالنظر للتحديات التي واجهتنا في تلك الفترة الصعبة تحت عنوان (حياتي ــ مهنتي)».
«كرة القدم أنقذتني من الفقر»
واصل زوبا قائلا «في إحدى المرّات جمعت مواجهة بين فريقي بولوغين بنادي فرنسي، وهنا أُعجب بإمكانياتي أحد مسيّري هذا الأخير، ما جعلهم يتّصلون بي وأنا قلت لهم سأستشير والدي، ولما تحدثت مع أبي قال لي إنه من الضّروري أن نرحل لأنه من غير المعقول أن أنتقل لألعب عند الفرنسيين، لكن الإمكانيات المادية التي كانت موجودة عند النادي الفرنسي كانت أقوى، وبسبب هذا الجانب لم أستمع لكلام والدي لأنّ هوس الكرة كان قد تغلب على إحساسي، وقرّرت الالتحاق بالفريق الفرنسي لمساعدة أهلي. وبالفعل تغيّرت الأمور نحو الأحسن بشكل بارز حتى سنة 1956،الوقت الذي قررت فيه الجبهة توقيف الرياضة في الجزائر لانشغال المسؤولين بالثورة، وهنا قام أحد المسيرين الأجانب بما عليه من أجل إنتقالي للعب في فرنسا، وهو «ميلودو»، إيطالي الأصل، وإنتقلت لنادي نيم أولمبيك الذي كان يُدرّبه الجزائري عبد القادر فيرود وبقيت في فرنسا إلى غاية صدور قرار المسؤوليين في جبهة التحرير بتكوين فريق جبهة التحرير الوطني، وتعتبر رسالة قوية بالنظر للتمييز والتعسُف الذي كان يمارس ضد الجزائريين، والهدف الثاني أن الشبيبة في الجزائر تشجّعت وتحمست لما سمعت بأن المحترفين غادروا أنديتهم، أما الهدف الثالث قمنا بإسماع صوت الثورة التحريرية في كل من أوروبا وآسيا وأكدنا للعالم أن الجزائر موجودة، وهي ليست مقاطعة فرنسية مثلما كان يدّعي المستعمر، وذلك من خلال إبراز إمكانيات هذا الفريق والقدرات التي يتمتع بها المسؤولون الرياضيون والسياسيون الذين يقفون خلفه».
«الواجب الوطني فوق كل اعتبار»
تابع «عمي حميد» كما يلقب حديثه معنا وغاص في ذكريات الماضي قائلا: «بقيت ألعب في فرنسا حتى تلقيت دعوة جبهة التحرير الوطني عن طريق رسالة وصلتني في آخر الموسم الكروي شهر جوان 1958، حينها كنت أستعد للمجيء عند أهلي، قابلني محمد واعلي وهو ابن مدينة الأبيار وسياسي كبير يعرف التفاوض، حدد موعد لقائنا في مقهى «لوغلاصيي» في مدينة نيور، تنقلت لهذا اللقاء وكان ينتظرني أبلغني بالموضوع وعن إدراج اسمي ضمن قائمة اللاعبين المعنيين بتشكيل فريق في كرة القدم يمثل جبهة التحرير الوطني، واكتشفت أن ما يقوله حقيقة والأمر يتعلق بالجزائر لما ألحّ علي باتخاذ القرار فورا لأنه لا يملك الوقت للإنتظار بحكم الظروف التي كانت سائدة، وبطبيعة الحال لم أتردد في تلبية الواجب الوطني لنيل الحرية، إلتقينا بمقهى لوديبار في سان ميشال بباريس في منتصف الليل شهر جويلية رفقة سبعة لاعبين وهم كل من الأخوين بوشاش، الأخوين سوكان، معزوزة وإبرير، أعطى لنا عنوان الشخص الذي سنتنقل عنده في الرحلة التي انطلقت بداية في ذلك اليوم في الثانية صباحا وهو إبراهيم وطلب منا أن نحفظ العنوان حتى لا نكتبه لأنه خطر علينا إذا تم إلقاء القبض علينا من طرف الشرطة الفرنسية».
بعدها بدأت الرحلة بالنسبة للفوج الثاني، حسب زوبا في قوله «بعدما وصلنا لبيت المدعو إبراهيم الذي مهد لنا الطريق للتنقل من مدينة بون إلى روما الإيطالية وتركنا له السيارتين، وفي روما استقبلنا السفير المكلف من طرف جبهة التحرير الوطني وتوجهنا الى تونس في جويلية 1958، التقينا فور وصولنا بكريم بلقاسم، علي بومنجل، بن تيفور، بوبكر، عريبي، براهيمي، بوشوك وكرمالي الذين كانوا رفقة الفوج الأول الذي وصل في أفريل 1958،أصبحت المجموعة تتكون من 17 لاعبا، وبالتحاق الفوج الثالث سنة 1961 بلغ عددنا 32».
«فرحات عباس قال إنّنا أكسبنا الثّورة ١٠ سنوات»
كشف لنا عبد الحميد زوبا عن تفاصيل مهمة قائلا «المسؤولون في جبهة التحرير الوطني أعلمونا بأنه لا يوجد بروتوكولات لأن مهمتنا هي إسماع صوت الثورة التحريرية، وكانت لنا لقاءات مع عدد من السياسيين، عندما ننتهي من كل دورة بعد بقائنا في كل بلد حوالي شهر، نعود لتونس وكان يقول لنا فرحات عباس: (أنتم تفتحون لنا الطريق رياضيا ونحن نأتي بعدكم سياسيا)، وقال أيضا: (الفريق أكسب الثورة 10 سنوات كاملة بالنظر للشهرة التي نالها خلال المواجهات التي لعبها والنتائج الإيجابية التي حققها)، هذا لم يكن سهلا..لكن الشيء الإيجابي بعد انتهاء المباريات، حيث نكسب احترام كل المتتبعين لأنهم يكتشفون شبابا يتملّكهم الطموح في التعريف بقضية بلادهم، وهذا هو الهدف المباشر من دورنا في الثورة التحريرية، ما يرفع معنوياتنا للمواصلة في الهدف المنشود لأن المسؤولين في الدول التي لعبنا بها كانوا يقولون لنا إذا كان لديكم فريق كرة قوي بهذا الحجم لابدّ أن يكون خلفه مسيّرون وجيش قوي».
واصل نجم فريق جبهة التحرير الوطني قائلا بكل أحاسيسه «والحمد لله قمنا بدورنا وأصبح الناس يعرفون الجزائر لأنّنا أهل عزم وثبات، وكسبنا احترام كل الذين لعبنا ضدّهم بداية من أول دورة جمعت بين تونس، ليبيا، المغرب والجزائر في شهر ماي 1958 بتواجد الفوج الأول وفريقنا فاز بالكأس، بعدها تنقّلنا للمغرب وليبيا، ولما أصبحنا نتكون من 17 لاعبا لعبنا في كل من لبنان، العراق، سوريا، الأردن لما كنا نلعب معهم الأنصار كانوا يشجّعوننا على حساب فرقهم ويردّدون «يا ديغول إطلع برة الجزائر صارت حرة»، بعدها بدأت جولتنا في الدول الصديقة والمناصرة للقضية الجزائرية في أوروبا الشرقية على غرار بولونيا، بلغاريا، تشيكوسلوفاكيا، المجر كل بلد نبقى فيه 20 يوما أو شهر كنا نتجول في أغلب المدن الكبرى، وفي ذات المرات عندما نستعد لخوض دورة في رومانيا مُنعنا من رفع الراية بسبب تواجد المنتخب الفرنسي لألعاب القوى، لكننا رفضنا اللّعب حتى رُفعت الراية الجزائرية والنشيد الوطني حيث هبّت رياح قوية سقطت كل الرايات إلاّ راية الجزائر بقيت ترفرف عاليا».
الوصول إلى هدف سياسي أساس تكوين الفريق، وكان ذلك بالفعل حسبما تطرق له زوبا قائلا «الأشخاص الذين فكروا في إنشاء الفريق هم أذكياء ولهم حنكة كبيرة على غرار كل من بومزراق، عريبي، بن تيفور وحتى محمد معوش، حيث كانوا على علاقة مع السياسيين في باريس، وقرّروا تكوين هذا الفريق والحمد لله تمكنا من الوصول لهدفنا المتمثل في خدمة القضية الوطنية وإسماع دوي الثورة التحريرية، وبقينا على نفس الطريق إلى غاية سنة 1962 تاريخ الاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية وطردنا المستعمر الغاشم».
وتطرّق عبد الحميد زوبا لبعض الأمور الجانبية والكواليس التي كانوا يعيشونها رفقة الفريق في تلك الفترة، وقال في هذا الصدد «الرياضة ساهمت بدور كبير في خدمة القضية الوطنية إبّان الثورة التحريرية، حيث كان الرياضيون مُسبّلين حقيقيّين وهناك عدد كبير ممّن قتلوا من طرف المستعمر الفرنسي، حيث كانت عدة فرق كروية تنشط في الجزائر قبل إعلان قرار توقيف كل النشاطات من طرف جبهة التحرير الوطني، وهناك منهم من التحق بجيش التحرير أو بالمسار السياسي على غرار ياسف سعدي الذي كان لاعبا ضمن صفوف فريق بولوغين، وبعدها جاء ميلاد فريق جبهة التحرير الوطني الذي كان سفيرا في أكبر عدد من الدول».
للإشارة، واصل زوبا مسيرته كمدرب للأندية الجزائرية، لاسيما فريق مولودية الجزائر التي توّج معها بأول لقب قاري لدى الأندية الجزائرية عام 1976 عندما فاز العميد في النهائي على حساب نادي حافيا كوناكري الغيني..ودرّب المنتخب الوطني في عدة مناسبات.