يجزم المختص في الجراحة بالمنظار بألمانيا،الدكتور مبروك مامن، بعدم وجود علاقة بين فتح الحدود أو المجال الجوي بتدهور الوضع الوبائي، مستندا في طرحه إلى دراسات خلصت إلى أن تنقله خلال الرحلات على متن الطائرات يكاد يكون منعدما بسبب قوة أنظمة التكييف. وبالنسبة للدكتور مامن فإن فتح المجال الجوي تأخر كثيرا، ويتسبب في معاناة نفسية للمغتربين وعائلاتهم على حد سواء، وأفاد في نفس السياق أن لا حل غير اللقاح للقضاء على وباء، صنفه في خانة «الخطير جدا».
- «الشعب»: عاد الوباء وبنفس الحدة التي تعرفها أوروبا ودول مجاورة، رغم عدم فتح المجال الجوي؟ بماذا تفسرون ذلك؟
د.مامن مبروك : نعم عاد الفيروس بقوة في الجزائر على غرار باقي دول العالم والعامل الأساسي في عودته هو العامل البشري والذي كما هو ملاحظ ساهم في ظهور الموجة الثانية من خلال التراخي الكبير في تطبيق التعليمات الصحية، فكما تعلمون فقد ساهمت التجمعات في إطار حملة الاستفتاء بالإضافة إلى الأعراس والحفلات وكذلك أزمة السيولة في مراكز البريد وما ترتب عنه من تزاحم كبير ..إضافة إلى عدم التباعد في مختلف الإدارات والأسواق وعدم إعطاء اهتمام كبير للبس الكمامة ..كل هذا ساهم في عودة الجائحة بقوة ..وللأمانة العلمية فالفيروس لم يختف تماما لنقول إنه عاد فهو ككل الفيروسات يتبع منحى معين نظرا لأن نتائج أي سياسة صحية تظهر بعد أسبوعين إلى أربعة أسابيع من بداية تطبيقها ولهذا فإن حدة الجائحة خفت تماما ولكن عدم الالتزام بالتعليمات أدى إلى صعود رهيب في منحى الإصابات.
- هل يمكن الحديث عن فتح المجال الجوي على ضوء المستجدات الحالية، أي الارتفاع القياسي في عدد الإصابات الذي تجاوز عتبة الألف يوميا، لأول مرة بعد مرور 9 أشهر كاملة ظهور الوباء؟
فتح المجال الجوي تأخر كثيرا ولا علاقة لفتح الحدود أو المجال الجوي بأي تدهور للحالة الوبائية وذلك للأسباب التالية :
1 ـ غلق الحدود كان له تأثير إيجابي فقط في الشهور الأولى من الجائحة وكان قرارا صائبا والذي مكن من التحكم في الحالات القادمة من الخارج في وقت لم يكن هناك حالات كثيرة في الجزائر.
بعد مرور أكثر من ثمانية أشهر عن غلق الحدود لا يوجد أي حجة علمية لذلك بحكم أن الفيروس انتشر في جميع أنحاء العالم وعدد الإصابات في الجزائر أصبح تقريبا في نفس مستوى دول الجوار والفارق مع الدول الاوروبية يعود فقط لان هذه الدول لديها قدرة هائلة لتشخيص المرض ففرنسا مثلا تجري 2.2 مليون pcr في الأسبوع مقابل ألفي فحص على الأكثر في الجزائر فلو كانت لدينا إمكانيات تشخيص أكبر لكان العدد أكبر.
2ـ الإجراءات الصحية المتبعة في كبرى المطارات الأوروبية والعالمية هي إجراءات جد صارمة فبالإضافة إلى إجبارية تقديم فحص pcr على كل مسافر فإن المطارات تبقى مغلقة تماما ولا يسمح لأي كان بالدخول إذا لم يكن مسافرا وبحوزته تذكرة مما يقلل خطر العدوى داخل المطار بالإضافة إلى استعمال المعقمات وفرض التباعد إجباريا داخل قاعات الانتظار وفحص حرارة كل المسافرين.
3 ـ يمكن فرض حجر على كل المسافرين القادمين لمدة أسبوع يتكفل به المسافر نفسه ويمكن تكييف هذا الإجراء حسب تصنيف وبائي للدول الأجنبية.
4 ـ أثبتت دراسة علمية حديثة أن تنقل الفيروس داخل الطائرات أثناء الرحلات الجوية يكاد يكون منعدما وذلك لقوة أنظمة التكييف من جهة واحترام التباعد والإجراءات داخل الطائرات من جهة أخرى.
5 ـ غلق الحدود له تأثيرات اقتصادية كارثية على البلد وكذلك له آثار نفسية عميقة خاصة على أبناء الجالية فلا توجد أي دولة في العالم منعت مواطنيها من دخول وطنهم لأكثر من ثمانية أشهر خاصة وأن منهم من فقد والديه في الأزمة الصحية وهناك من فقد عمله وهناك من لم يستطع أبناؤه الالتحاق بمدارسهم، ولا يمكن أن يدوم الوضع أكثر.
- عادت الجزائر إلى تطبيق إجراءات حجر صحي جزئي، إلا أنه وبعد أسبوعين سجلنا ارتفاعا قياسيا مجددا؟ ما هي الإجراءات الكفيلة بكسر سلسلة العدوى؟
لابد من التأكيد على أن أي إجراءات صحية لا تظهر آثارها آنيا وإنما يلزمها من أسبوعين إلى شهر، وما حدث في الجزائر أن هذه الإجراءات كانت فقط على الورق ولم يكن هناك أي التزام من قبل المواطنين بل دعنا نقول الالتزام محدود جدا لنكون منصفين، علاوة على أن الحجر الذي يبتدئ ليلا لا معنى له في الجزائر فكل النشاطات تكون نهارا وأغلب مناطق الوطن تكاد الأنشطة الليلية تكون فيها منعدمة تماما وهذا عكس الدول الأوروبية والتي فيها مثلا دور السينما تبقى مفتوحة حتى بعد 00 ليلا وكذلك المطاعم والحانات والمسارح .. ففرض حجر ليلي لا يمكن أن يكون له أثر واضح إلا بعد مرور شهور وهو ما يطيل من عمر الأزمة فلابد قبل كل شيء الصرامة والردع من قبل الدولة لكل مخالف سواء كان مواطنا أو صاحب محل أو حتى إدارة لا يلتزم مسؤولوها بالإجراءات المتبعة ... إضافة إلى جعل البروتوكولات الصحية واضحة وبسيطة ليفهم المواطن ما يجب عليه فعله ويجب تعميم لافتات وفيديوهات على كل وسائل الإعلام حتى تصل لكل المواطنين ولابد أن تكون هذه المواد المرئية أو المقروءة غاية في الدقة حتى تستطيع المصالح المختصة معاقبة المخالفين كأن يفرض على صاحب محل مثلا أن لا يستقبل أكثر من مواطن واحد عن كل 8 متر مربع من مساحة محله فهذا يسهل على صاحب المحل تطبيق الإجراء وعلى السلطات معاقبة المخالفين بكل صرامة.
ويبقى العامل البشري المتمثل في المواطن هو حجر الزاوية فلابد أن يفهم المواطن أنه هو الوحيد القادر على القضاء على المرض بعيدا عن كل عقوبات ولابد من التحلي بروح المسؤولية في تطبيق البروتوكول الصحي وأوله لبس الكمامة والتباعد الجسدي وغسل اليدين والعزل الذاتي وعدم الاستهانة بأي أعراض للمرض وتعريض حياة الآخرين للخطر .. وهنا أنوه بالدور الكبير للإعلام في توعية المواطن وكذلك الأطباء والمثقفين في وسائل التواصل الاجتماعي.
- وعدت السلطات العمومية باقتناء اللقاح على أن تكون حذرة جدا مراعاة لصحة المواطن، فيما يتخوف الأخير من مخاطر اللقاح، ما رأيكم في هذا الموضوع؟
كل بروتوكولات التلقيح التي وصلت إلى مراحل متقدمة أثبتت فعاليتها في بروتوكولات المراحل التجريبية مع انعدام أعراض جانبية خطيرة على المدى القريب أو المتوسط رغم أن أغلب هته اللقاحات إن لم نقل كلها اعتمدت على تقنية جديدة جد متطورة تدعى ARNm وتبقى معرفة الآثار الجانبية على المدى البعيد شبه مستحيلة وذلك حتى فيما يتعلق بلقاحات تعرفها البشرية منذ عشرات السنين.
ولكني أقول إن هذه الجائحة تمثل خطرا حقيقيا للبشرية وتهدد بالقضاء على الملايين علاوة على انهيار المنظومة الاقتصادية والصحية للدول، فالخطر حقيقة إذا قورن باحتمال جد ضئيل لأعراض جانبية محتملة فأكيد أن الصواب هو أخذ التلقيح بدون أي تردد وهو ما سأقوم به رفقة أفراد عائلتي وأدعو إليه عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وهناك جانب آخر على المصالح المختصة مراعاته في اقتناء التلقيح وهو قدرة الدول المنتجة فعلا على الوفاء بالتزاماتها التجارية مع الجزائر فاللقاح الروسي حسب الدراسات يمتلك نسبة نجاح عالية لكن قدرة روسيا على إنتاجه بكميات ضخمة محدودة، فقد ذكرت مصادر حكومية روسية أن نسبة الإنتاج ستكون بمعدل 6 إلى 8 ملايين في الشهر فإذا قارنا ذلك بالكثافة السكانية الروسية فقط والتي تبلغ 144 مليون فسيستغرق الأمر وقتا كبيرا جدا حتى تستطيع الجزائر اقتناء اللقاح وكل هذا يقارن بمخابر أخرى ألمانية بريطانية وأمريكية لديها قدرة هائلة لإنتاج اللقاح فلابد من التفطن لهذه الأمور.
- استفحل تداوي ذاتي بعد انتشار بروتوكول علاج، وعرف إقبالا كبيرا على المضادات الحيوية والبراسيتامول والمكملات الغذائية، هل يترتب عن ذلك مخاطر صحية؟
نعم التداوي الذاتي قد تكون له آثار كارثية على صحة الإنسان فيكفي فقط أن يعلم الانسان أنه في فرنسا يتوفى أكثر من 10000 مواطن سنويا جراء الاستعمال الذاتي للأدوية.
ويكفي أن يعرف الإنسان أن المكملات الغذائية كالزنك مثلا والذي يستعمل بكثرة خلال هذه الجائحة يحتاج منه الجسم كميات ضئيلة جدا وأن أي زيادة قد تعرض حياته للخطر وأن الباراسيتامول من الأدوية التي تسبب التهاب الكبد الدوائي، وقد يكون قاتلا إذا أخذ منه جرعات زائدة.
وعلاوة عن كل هذا لابد أن أؤكد أنه لا توجد أي فعالية مباشرة لأغلب الأدوية المستعملة حاليا كعلاج ذاتي ضد كوفيدـ 19 وأغلب الدراسات الحديثة خلصت إلى نفس النتيجة فأنصح المواطنين بالذهاب إلى الطبيب وتفادي القيام بدور هذا الأخير لأن كل مريض لديه خصوصيات تختلف عن المريض الثاني.
الكميات الكبيرة من الأكسجين تسبب تليف رئوي لا علاج له غير الزرع
- يلجأ البعض أيضا إلى استعمال الأكسجين في البيت، علما أن العملية تخضع لمعايير ما مدى خطورة الاستعمال العشوائي؟
نفس ماقلته عن الأدوية ينطبق على الأكسجين، فعلاوة على خطورة الأكسجين كمادة قابلة للانفجار والاشتعال فإن استعماله طبيا أيضا يخضع لمعايير دقيقة فإعطاؤك لكمية كبيرة من الأكسجين ولمدة مطولة قد يسبب تليف الرئتين والذي لا يوجد له حل أبدا، إلا زرع الرئتين. إن استعمال الأكسجين لابد أن يخضع لضوابط دقيقة ضمن استراتيجية جد محددة فلا يكفي أن تعطي للمريض الأكسجين وأنت لا تعلم متى وكيف وبأي وتيرة يجب عليك التدرج في إنقاص كمية الأكسجين حتى لا يتعود الجسم عليه ويصبح من المستحيل التخلي على قارورة الأكسجين فيما بعد فالأمر ليس بهذه السهولة ولا بالسطحية إضافة إلى أن المريض الذي يحتاج إلى الأكسجين هو مريض من المفروض أن يكون في المستشفى تحت عناية مستمرة.
- يعاني الجيش الأبيض اليوم، ويتم تسجيل ضحايا وعدد كبير في الإصابات، كيف يتم مواجهة الوضع؟
الجيش الأبيض اليوم يخوض تحديا كبيرا أولا في مواجهة المرض وثانيا في توعية المواطن وتغيير الذهنيات، ولاشك أن أفراد الجيش الأبيض دفعوا ولازالوا يدفعون الثمن غاليا.
وأول شيء يجب عمله هو تزويدهم بكل الوسائل المتاحة من كمامات ومعقمات ووسائل تشخيص، وبكميات كافية بالإضافة إلى العمل على وضع إستراتيجية واضحة يلتزم بها الجميع، كأن يتم فتح عيادات ومستشفيات تلقائيا لاستقبال مرضى كوفيد في حالة تجاوز عدد المصابين عددا محددا وتوفير كل الوسائل اللوجيستية لكل ذلك.
الممرض اليوم والطبيب يعملون عملهم المعتاد إضافة إلى أعمال لا تمت إلى الطب بأي صلة وذلك لسد الفراغ الهائل في التسيير الحاصل اليوم، فالطبيب مثلا ليس من مهامه اليوم في جائحة كورونا أن يطلب من مريض دخل مكتبه أن يضع كمامة فهذا دور أعوان الأمن قبل حتى دخول المستشفى وليس من دوره أيضا أن يضيع ساعات في محاولة إقناع أهل المريض بأن الزيارة ممنوعة تماما على مصلحة كوفيد وليس من مهامه البحث والجري وراء المسؤول التقني للمستشفى لأن نسبة الأكسجين في خزانات المستشفى نفذت وهذه قصص حقيقية من زملاء في المستشفيات الجزائرية فكل هذا يعرض الطاقم الطبي مباشرة لخطر العدوى المباشرة واحتمال الإصابة يتضاءل كلما كان الاحتكاك بالزوار والأهل أقل مع أنه يبقى معتبرا للعدد الكبير للمرضى الوافدين لكني أؤكد أن االتعامل مع المريض أسهل بكثير من التعامل مع أهل وأصدقاء المريض.
- هل تتوقعون تراجعا في الفيروس بالجزائر، متى؟
تراجع الجائحة أمر لا مفر منه فهي ككل الأمراض الوبائية تأخذ منحى تصاعديا ثم تستقر لتهوي في الأخير ولا أحد يمكنه التنبؤ بزمن انتهاء الأزمة فهذا راجع بالأساس إلى عدة عوامل أهمها التزام المواطنين بصرامة بالبروتوكول الصحي وظهور اللقاح ومدى فاعليته وتجاوب المواطنين وتقبلهم لفكرة التلقيح إضافة إلى عوامل أخرى كظهور طفرات في الفيروس تؤدي إلى ضعفه وزواله.
فإذا أردنا أن نكون متفائلين فإن الالتزام الصارم بالإجراءات الصحية من قبل المواطنين مع الحزم التام من قبل مصالح الأمن والسهر على تطبيقها سيؤدي حتما إلى تدني ملحوظ لأعداد الإصابات والوفيات في ظرف أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع وقد نعود إلى مستوى أقل من 200 إصابة في اليوم في ظرف شهر ونصف إلى شهرين.