توحّل السدود يعقد من الإشكال
يستعد قطاع الموارد المائية لمواجهة سيناريو شح المياه وآثاره على ضمان التزود بماء الشروب والسقي الفلاحي، على ضوء قلة التساقطات المطرية حتى وإن كان الحديث عن الجفاف مبكرا قليلا بالنسبة القطاع مقارنة بالفلاحة، لكن دق بعض الولايات لناقوس الخطر حتّم على الحكومة الاجتماع للنظر في التدابير المستعجلة الكفيلة لاحتواء الوضع وضمان التسيير الرشيد للموارد المتوفرة لأطول فترة وضمان استدامتها.
باشرت القطاعات المعنية بهذا الملف من وزارة الموارد المائية، الفلاحة والتنمية الريفية، والداخلية والجماعات المحلية والصحة والتربية وولاة الجمهورية للولايات المعنية بالاجتماع، أمس، تحت إشراف الوزير الأول لدراسة الوضعية المائية، والمشاكل المطروحة والسيناريوهات المحتملة، للخروج بتدابير مستعجلة من شأنها أن تخفف من حدة الأزمة، خاصة وأن هناك ولايات بدأت تستهلك مخزونها الاستراتيجي كمعسكر فيما دخلت سطيف في الخانة الحمراء.
ويطرح الوضع المائي للجزائر مسألة إعادة النظر في كثير من الأمور لضمان التزود بالماء الشروب بدء بترشيد الاستهلاك، حيث يبلغ معدل حصة الفرد الجزائري من الماء 180 لتر/ يوميا، إضافة إلى طريقة التوزيع، وهنا تبرز تساؤلات كثيرة فيما إذا سيتم المحافظة على التوزيع اليومي للمياه أم العودة إلى العهد السابق، وإن كان هذا مستبعدا فيما يطرح تقليص الساعات كحل بقوة لضمان العدالة في التوزيع واستدامة هذا المورد الثمين.
في المقابل، يبقى السقي الفلاحي هاجسا آخر يستدعي إعادة تنظيمه من خلال إلزام الفلاحين وتحسيسهم بأهمية إتباع طرق السقي الحديثة للاقتصاد في المياه، سيما التقطير والرش المحوري وكذا اختيار الوقت المناسب لذلك خاصة أثناء ارتفاع درجة الحرارة، والتفكير جديا في استعمال المياه المعالجة المسترجعة في السقي الفلاحي وتعميم استخدامها في عمليات التنظيف للطرقات والأرصفة والأماكن العمومية، خاصة وأن محطات التطهير والمعالجة تنتج كميات معتبرة.
وتزامنت الوضعية المائية الحالية مع العديد من الأزمات منها من الأزمة الصحية، والتي تفرض استعمال المياه في التنظيف والتعقيم، أضف إلى ذلك الحرائق الأخيرة والتي استخدمت فيها كميات هائلة من أجل إطفائها، ناهيك عن ضعف تساقط الأمطار فمنذ شهر سبتمبر لم تعرف الجزائر تساقطا معتبرا، ما عدا التساقطات الخفيفة في اليومين الأخيرين، وارتفاع درجات الحرارة التي تتسبب في تبخر المياه المخزنة بالسدود وبالتالي التأثير على المخزون المائي في ظل عدم وجود مصدر آخر لتعويضه، وما عقّد من الوضع توحل الكثير من السدود القديمة، لاسيما التي يتعدى عمرها 50 سنة، على غرار سد بوحنيفية.
وعن كيفية استغلال السدود بالجزائر فإن أكثر من 1 مليار م3 من المياه المخزنة توجه إلى الشرب في حين تستفيد الفلاحة من 700 مليون م3 من المياه الموجهة للسقي، كما أن 16 سدا توجّه مياهه خصيصا للشرب، و12 سدا لسقي الأراضي الفلاحية، و31 سدا من أجل الشرب والسقي معا.
من جهة أخرى، لم تسترجع السدود الوطنية منسوبها منذ فصل الصيف باعتبارها مصدرا تقليديا للماء بالجزائر والتي بدورها تعتمد على تساقط الأمطار، وبلغ الحجم الإجمالي من المياه المخزنة في السدود المستغلة إلى أوت 3,775 مليار م3 على مستوى 81 سدا، أي بنسبة امتلاء 55,14 % من الطاقة الإجمالية للاستيعاب والتي تقدر بـ 8 مليار م3، وسجلت الناحية الغربية 46,50 % من نسبة امتلاء السدود، منطقة الشليف 46,68 %، وبمنطقة الوسط %37,22،أما في الناحية الشرقية تم تسجيل 75,06%.
ولحسن الحظ لا تعتمد الجزائر فقط على المصادر التقليدية من المياه السطحية والجوفية، بل عمدت إلى استثمارات ضخمة لتحسين مصادر التموين من محطات التحلية التي وصل عددها إلى 21 محطة، حيث أن حوالي 17 % من المياه التي توزعها الجزائرية للمياه عبر التراب الوطني تأتي من محطات تحلية مياه البحر بحجم يقدر بحوالي 1.34 مليون م3/ اليوم، إضافة إلى 200 محطّةْ تطهير بقدرة معالجة للمياه المستعملة تفوق 900 مليون متر مكعب فِي السنة ومن المنتظر أن تصل في 2021 إلى 1.2 مليار م3.
وتسعى الوزارة من خلال المشاريع والبرامج المحددة في إطار المخطط الوطني للمياه إلى تحقيق الحد الأقصى من حشد الموارد المائية التقليدية وغير التقليدية من أجل ضمان تأمين تلبية الطلب المتزايد على المياه للسكان والنشاطات الزراعية والصناعية، سيما خلال السنوات الأخيرة عن طريق إنشاء الاحتياطات الاستراتيجية الإقليمية معتمدة في ذلك على السدود ذات السعة الكبيرة والتحويلات الإقليمية الكبرى والربط بين السدود في اطار ما يسمى بالتضامن المائي بين الولايات.