بــروز الصحافــة الإلكترونيـة لا يعنـي زوال الصحافـــة المكتوبـــة
ما تزال الحركة الإعلامية بالجزائر تتخبط في العشوائية والضبابية، رغم كل الجهود المبذولة لإعادة تنظيم القطاع ووضعه من جديد على السكة، بوجود الإطار القانوني والتنظيمي الذي أسس لها الطريق. إلا أن مفرزات التطور في مجال تكنولوجيات الإعلام والاتصال، سرّع من وتيرة الممارسة الإعلامية ووسّع من مجال النشاط عبر مختلف المنصات الرقمية المتاحة وهو أمر لابد للجزائر أن تواكبه، لاسيما في المجال السمعي البصري والتحكم فيه انطلاقا من أن الإعلام أصبح عصب الحياة.
يثير الإعلام السمعي- البصري في كل مرة مسألة تنظيمه، لاسيما مع الكم الهائل للقنوات التلفزية التي ماتزال تنشط في إطار مبهم، ناهيك عن القنوات والإذاعات الإلكترونية، رغم وجود المراسيم التنفيذية المنظمة للسمعي البصري الصادرة في 2016، والمحددة للقواعد المفروضة على خدمة البث التلفزيوني أو الإذاعي.
في هذا الإطار، يؤكد أستاذ الإعلام والاتصال عمار عبد الرحمان، أن الحركة الإعلامية عرفت بعض التنفس في التعديل الدستوري الذي جرى في 2016 في المادة 50، من خلال رفع التجريم عن الصحفيين. إلا أن الخطأ يكمن في عدم التجانس بين هذه المادة وقانون الإعلام الصادر في 2012، في مفارقة عجيبة.
فيما يخص دفتر الشروط للسمعي البصري، أكد عبد الرحمان أنه لا يواكب ما يحدث الآن ويحوي لبسا كبيرا، كما أنه لم يخرج بعد إلى العلن ويخص الفضائيات الجديدة والإذاعة.
وبحسبه، الإشكال لا يطرح بالنسبة للإذاعات. فالإذاعة الوطنية بفروعها 55 كلها عمومية وتخضع للقانون الجزائري وتنظيمها واضح. أما تلك التي تبث عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فهي غير معتمدة ولا تخضع لهذا القانون، لكن يجب تنظيمها لوقف هذه العشوائية.
وأشار أن الإشكال يطرح بالنسبة للتلفزيونات في كيفية عملها، تسييرها والبرامج التي تبثها، هل تخضع لقانون الإعلام الجزائري، هل هي قنوات موضوعاتية، مسألة التوطين لاتزال خارج الاختصاص الإقليمي للجزائر، البث أيضا من الخارج...إلخ، هي كلها مسائل تستدعي إعادة التنظيم مادامت القوانين موجودة.
توسيع سلطة السمعي البصري لتطبيق القوانين أو حلّها
وبحسب عبد الرحمان، يجب إعادة النظر في أمرين أساسيين، بداية بطبيعة سلطة السمعي البصري، إما بتوسيع صلاحياتها لتسهر على تطبيق القانون، أو حلها نهائيا. لأن ظهورها أصبح مناسباتيا في شكل إنذارات وتنديدات أكثر من شيء آخر ويرسخ الاعتقاد بأن الأمر تجاوزها.
أما النقطة الثانية، فتتعلق بإعادة النظر في دفتر الشروط المتعلق بالمجال السمعي البصري.
فالقانون التكميلي الصادر في 14 مارس 2014 تضمن حوالي 113 مادة، حددت مضمون الآلية الكفيلة للدفع بعجلة قطاع الإعلام الجزائري، وخصص فيها 6 مواد تناولت المجال السمعي البصري.
لكن الإشكالية المطروحة ليست في القوانين، فهي جيدة وكثيرة، إنما التطبيق هو ما ينقصنا.
في هذا السياق، يقترح أستاذ الإعلام والاتصال إعادة بعث مجلس أخلاقيات المهنة فهو الضابط الأخلاقي للعمل الصحفي وساهم، في وقت سابق، في تسوية العديد من النزاعات وحل مسائل كثير كانت محل أخذ وجذب.
يجب التفريق بين المواقع والصحافة الإلكترونية
وأكد المتحدث على ضرورة التوجه نحو الصحافة الإلكترونية، باعتبارها الوجهة الأولى لكل فئات المجتمع، شرط أن تكون ورشة حقيقية تناقش هذا الموضوع بعيدا عن الفوضى والمتطفلين والدخلاء الذين لا يفرقون بين المواقع الإلكترونية والصحافة الإلكترونية، مشيرا في ذات السياق أنه لا يتوافق مع الرأي الذي يقول بزوال الصحافة المكتوبة، فهي مازالت على قيد الحياة رغم تقلصها، فهي مازالت ولم تندثر وهذه المسألة مرتبطة بالإرادة السياسية للدولة.
في المقابل، تأسف عبد الرحمان للوقوع في نفس الخطأ، المرتبط أساسا بالاعتقاد أن من يملك إدارة الحواسيب أو الإعلام الآلي هو المؤهل والجدير بإنشاء المواقع الصحفية أو الإلكترونية، مشيرا إلى أن أهل الاختصاص همّشوا باسم التقنية، ما يستدعي -بحسبه- رفع اللبس بين الصحافة المكتوب ونظيرتها الإلكترونية.