مع التفشي الواسع لجائحة كورونا، ترفع عاصمة الغرب الجزائري وهران درجة التأهب القصوى تحسّبا لأي طارئ، وسط تشديد الاشتراطات الصحية المتعلقة بمكافحة انتشار فيروس كورونا المستجد، والحرص على التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامة.
وهران: براهمية مسعودة
عبّر المختصون في الطب الوقائي والأوبئة عن تخوفاتهم من تفاقم الأوضاع، خلال فترة الأنفلونزا الموسمية التي تعتبر هذه السنة تحديا حقيقيا للنظام الصحي، وعبئا صحيا واقتصاديا ثقيلا، لاسيما مع تواصل زحف فيروس «كورونا» المسبب لـ «كوفيد 19» وتشابه أعراضه مع الأمراض الموسمية في فصلي الخريف والشتاء، على غرار الحساسية، الربو والتهابات الملتحمة.
جهود مضاعفة لاحتواء تفشّي الوباء
ناهز عدد الإصابات المؤكدة بـ «كوفيد 19» محليا 1320 حالة منذ الفاتح نوفمبر وإلى غاية 17 من نفس الشهر، وذلك بمعدل 83 حالة جديدة في اليوم، مع تسجيل 31 وفاة و778 حالة شفاء خلال نفس المدّة، وفق ما علم لدى المدير الولائي للصحة عبد الناصر بوده.
يقول بودة إنّ «أعداد الإصابات والوفيات بفيروس كورونا المستجد بوهران، بلغ مستويات مرتفعة بدرجة مقلقة جدا على ضوء تواصل تفشي الوباء الذي يسببه فيروس كورونا المستجد، وخطورته البالغة على ذوي الأمراض المزمنة، لاسيما مع تزامن الموجة الجديدة مع فصلي الخريف والشتاء».
وأكّد مواصلة تعزيز القدرات المادية والبشرية ومواكبتها مع مستجدات الوضع الصحي بالولاية، وذلك من خلال ضمان توفير إمكانيات تغطي معدل «2500» إصابة في الشهر، و»88»حالة في اليوم، يتم توزيعها عبر المستشفيات الخمس «05» المخصصة للتكفل بمرضى كوفيد 19 .
وبخصوص الإجراءات الاستعجالية التي اتخذها المجلس العلمي التابع للمستشفى الجامعي»بن زرجب» لمواجهة الموجة الجديدة، كشف الدكتور خويدمي محمد عابد، منسق المستشفي الجامعي الحكيم بن زرجب عن تحويل الأقسام الأربعة التابعة لمصلحة الأمراض الرئوية والصدرية «قلاتار» والتي تتمثل في الأمراض الصدرية «أ» و»ب» وأمراض السرطان والجراحة الصدرية لعلاج مرضى «كوفيدـ19»، من خلال تجهيز هذه المصلحة لاستقبال المرضى وإجراء فحوصات «بي سي آر» ، مع تخصيص زهاء 134 سرير مجهز بالأوكسجين وموصول بجهاز توزيع بطاقة 10 آلاف متر معب.
وأعلن الدكتور «خويدمي» عن استعدادهم لتدعيم القسم بـ 50 قارروة أوكسجين، تضاف إلى جناحين خصصهما المستشفى منذ بدايات انتشار الوباء ؛ واحد للفحوصات الخارجية، وآخر يوفّر 24 سرير أكسيجين وجناح آخر بطاقة 9 أسرة للعناية المركزة، مع وضع مخطط خاص لتنقل «مرض كوفيد» لتفادي عدوى المرضى داخل المستشفى، ولاسيما ذوي المناعة الضعيفة، ومنها السرطان، وذلك بالتنسيق مع كل أقسام المستشفى.
ظروف طارئة فرضتها الإنفلونزا الموسمية
بدوره، أكّد الدكتور بوخاري يوسف، رئيس مصلحة الوقاية بنفس المدرية في تصريح لـ «الشعب»، أنّ الفترة الراهنة أوجبت «جهودا مضاعفة»’على السلطات الولائية، كونها تتزامن مع الإنفلونزا الموسمية، ما قد يهدد بأزمة حقيقية بالمستشفيات والمراكز الصحية، على حد تعبيره.
قال الدكتور بوخاري إنّ «الظروف الحالية في ظل هذا الوباء، وإن اقتضت صب كل الاهتمام لمحاربة فيروس كورونا والتكفل الجيد بالمرض، إلا أنها أوجبت على الجهات المعنية جهوداً مضاعفة للتكفل بالأمراض الأخرى التي لا تقل خطورة عن الفيروس ذاته، ومنها الإنفلونزا».
وبخصوص درجة خطورة الموجة الثانية من فيروس «كورونا المستجد»، أوضح محدّثنا أنّه «لا يمكن التكهن بالتوقعات»، واستدل على ذلك بالأنفلونزا الإسبانية التي انتشرت في أوروبا والعالم سنة 1918، وخلّفت ملايين الموتى، فيما بلغت ذروتها خلال الموجة الثانية، وبالمقابل كانت الموجة الثانية من فيروس كورونا المرتبط بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية «MERS-CoV»، والذي انتشر عامي 2003 و2013 أقل خطورة من الأولى، مثله مثل فيروس كورونا المسبب لمتلازمة الالتهاب الرئوي الحاد «SARS-CoV» الذي ظهر لأول مرة في نوفمبر 2002 بالصين.
لا يمكن لأحد أن يتوقّع تأثيرات «كورونا» المستجد في حالة تعايشه مع الإنفلونزا
حول سؤال عن تأثيرات فيروس «كورونا» في حالة تعايشه مع فيروس الإنفلونزا، قال أيضا: «لا يمكن لأحد أن يتوقع كيف يتماشى الفيروسان في حال تعايشا معا»، موضحا انه في الخمس سنوات الأخيرة، فبل ظهور الوباء الجديد، سجلت وهران لوحدها بين 10 إلى 22 حالة وفاة سنويا بالأنفلونزا الموسمية.
كما طمأن المواطنين بأنّ الولاية تحصي 45 عيادة متعددة الخدمات، تضم كل واحدة منها وحدة
«كوفيد 19» وأطباء متخصصين يميّزون جيدا بين أعراض فيروس كورونا المتفشي في العالم وأعراض الأنفلونزا، بالإضافة إلى ذلك ـ يضيف نفس المصدر ـ فإن «الخلط وارد بين المرضين، والاختبار هو الوحيد الذي يمكن أن يميز بين المرضين».
وأكّد الدكتور بوخاري في الختام، ضرورة التركيز على رفع الوعي المجتمعي من خلال الأنشطة والحملات التوعوية المتنوعة للتقليل من مختلف الأمراض المعدية، ولاسيما مع بدء موسم الانفلونزا وضرورة أخذ اللقاح كأفضل التدخلات فعالية ونجاحا، بالإضافة إلى احترام الإجراءات الوقائية والاحترازية ولاسيما الكمامة، كما قال.
توقّعات أن تسلك الجزائر أساليب محاربة «السل»
وعاد إلى سنوات الاستقلال بالجزائر، زمن انتشار مرض «السل» والإجراءات التي اتخذتها الدولة الجزائرية حينها، ومنها بناء مستشفيات خاصة خارج المدينة على مستوى الغابات وغيرها، مع تخصيص مركز خاص بهذا المرض بكل المقاطعات، قبل أن تتخذ إجراءات أخرى في ذروة تفشي هذا المرض المعدي القاتل من خلال دعم المرضى بالواقي والأدوية الخاصة وحجرهم بمنازلهم لمدة ثلاث أشهر، مع تقديم جملة من الإرشادات والتوجيهات لمرافقيهم من العائلة.
وتوقّع أن تسلك الدولة الجزائرية نفس المسلك لمواجه الموجة الحالية لـ»كوفيد-19» في حالة عدم اكتشاف لقاح، مؤكدا أنه من المستحيلات أن تتكفل المستشفيات بهذا العدد الهائل من المرضى، نظرا للتكاليف الاجتماعية والصحية والاقتصادية الباهظة، لاسيما وأنّ العدوى تنتشر بين الطاقم المعالج، واستغلال عديد الأشخاص الذين يختلط معهم المصابين الفرصة للمطالبة بعطل مرضية لمدة 14 يوما وأكثر بحجة الاشتباه في إصابتهم.
الزكام تسبّبه فيروسات تاجية
وفي تعليقه على الفئة التي تعتقد أن لقاح الإنفلونزا صالح للوقاية من كورونا باستنادها إلى نشرة التعليمات المكتوبة على ملصق العلبة، والتي تشير إلى اسم «كورونا»، أوضح عبد الله أمين، أستاذ مساعد في الأمراض المعدية بالمستشفى الجامعي الحكيم بن زرجب، الكائن بحي بلاطو، أنّ «هذا النوع من اللقاحات لا يحمي من مرض كوفيد-19، وأنّ كورونا ظهرت في سنتي 1900 و2002، ويختلف عن كورونا المستجد 2019».
ودعا المواطنين إلى عدم استصغار فيروس «الانفلونزا» كونه فيروس قاتل بنفس وتيرة كوفيد 19، ولاسيما الفئات الأضعف خاصة كبار السن والنساء الحوامل والعمال في القطاع الطبي، إضافة إلى أصحاب الظروف الصحية الخاصة والمزمنة، على غرار أمراض السكري والضغط الدموي والقلب والسرطان والسمنة المفرطة.
وعاد ليوضّح أن «كورونا»، مجموعة من الفيروسات القديمة المعروفة «طبيا» منذ الستينات، وتصيب مجموعة واسعة من الكائنات الحية على اختلاف أنواعها، بما في ذلك البشر والماشية والخنازير والدجاج والكلاب والقطط والخفافيش وفصائل أخرى من الحيوانات البرية التي تصاب بالزكام، وهو ما أشرنا إليه أعلاه.
ونوّه إلى أنّ ما يقارب 30 بالمائة من الزكام على الكرة الأرضية، يسبّبه فيروس»كورونا»، إلا أنّ قوته ازدادت في السنوات الأخيرة، ليصبح «بالغ الخطورة»، مواصلا تطوره بنوع مستجد كان يفترض أن يصيب الحيوانات، لكنه انتقل إلى الإنسان، خصوصا في الصين، والتي شهدت نفس الظاهرة تقريبا في 2002-2003؛ تاريخ ظهور فيروس كورونا البشري المرتبط بالفيروس المعروف بالالتهاب الرئوي اللانمطي الحاد «سارس»، والذي خلّف أكثر من ثمانية آلاف مصاب، وتسبّب في أكثر من ثمانمائة وفاة في عشرات البلدان، معظمها في آسيا، وكان مصدرها سوق للحيوانات بـ «هونغ كونغ».