ما تزال سلوكات المواطن الجزائري في قفص الاتهام مع الارتفاع المتصاعد لحالات الإصابة بكوفيد-19، التي وصلت سقفا هو الأول من نوعه منذ اكتشاف أول حالة بالجزائر، ما فرض اتخاذ جملة من التدابير الاحترازية لاحتواء انتشار الوباء، من بينها الحجر وما تبعه من إجراءات استباقية وصلت إلى حد معاقبة المخالفين.
المتتبع لسلوك الجزائريين في التعامل مع منحنى تطور انتشار الوباء وتفشيه، يرى أنه في البداية كان هناك التزام بالإجراءات الوقائية من ارتداء للكمامة، تباعد جسدي وتعقيم واحترام لأوقات الحجر بسبب الخوف الكبير من الفيروس المجهول الذي ضرب العالم بأسره وقلب كل موازينه، لكن مع مرور الوقت ومع الانخفاض المحسوس لحالات الإصابة بين شهري سبتمبر وأكتوبر الفارطين، بدأ التراخي في الالتزام بالتدابير دون الخوف من المنحنى التصاعدي لحالات الإصابة.
في هذا السياق، يُشرّح الباحث الجامعي في علم الاجتماع د. نعيم بوعموشة والأستاذ بجامعة محمد الصديق بن يحيى بجيجل، سلوك المواطن الجزائري وتعايشه مع الفيروس، بالرغم من أن بلادنا تعيش منذ أيام ارتفاعا في حالات الإصابة المؤكدة بكوفيد-19، مشيرا إلى أن الارتفاع في السابق عند بداية الجائحة مرده نقص المعلومات حوله وكيفية انتقاله وانتشاره وتطوره، ما دفع الدولة لاتخاذ إجراءات وقائية لمجابهته في بدايته استنادا للتجارب السابقة في التعامل مع الأوبئة والجوائح كالحجر الصحي واتباع التدابير الوقائية كارتداء الكمامة والتباعد الجسدي.
في المقابل فرضت حتمية التعايش مع الفيروس، بحسب د. بوعموشة، نفسها بقوة تجنبا للآثار السلبية للحجر الصحي على الصعيد الاجتماعي والنفسي والاقتصادي، حيث لجأت الدولة لتخفيف إجراءات الحجر الصحي، وهو ما أعطى انطباعا لدى المواطنين بزوال الخطر ما كسر البروتوكول الصحي في ظل شيوع اللامبالاة، فكان مرد ارتفاع عدد الحالات المؤكدة بالفيروس هذه المرة إلى غياب الوعي والمسؤولية الاجتماعية لدى العديد من أفراد المجتمع.
وبحسب المتحدث، فإن ثقافة المجتمع من بين معوقات نجاح الاجراءات الوقائية، حيث عادت بعض السلوكات اللامسؤولة للواجهة كالطوابير المزدحمة يوميا أمام المحلات، واكتظاظ الأسواق والساحات العمومية وعدم احترام الاجراءات الوقائية عند إقامة الحفلات والأعراس والمآتم، وكأن فكرة زوال الخطر تجسدت بقوة في ذهن المواطن الجزائري.
ويرى الباحث في علم الاجتماع أن هذا التناقض السلوكي بين مواطن وآخر يرجع للتفاوت في تقدير الحالة الوبائية وحجم الخطر بين التصديق والتكذيب والتي كانت وراءها الإشاعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فكانت الاستجابة الوقائية بطريقة دفاعية، بدلا من الامتثال للإجراءات الوقائية والسلوكات الصحية.
ويشير د.بوعموشة، إلى أن فهم المواطن الجزائري لقضية القضاء والقدر في حالة إصابة شخص بفيروس كورونا خاطئ ومبالغ فيه جدا، قائلا: «يعتقد البعض أن الاصابة بكوفيد-19 قضاء وقدر للشخص ولا مرد لقضاء الله، وإذا كنا نريد فعلا مجابهة خطر هذا الفيروس اللعين، على المواطن التحلي فعلا بروح المسؤولية الوقائية نحو صحته وصحة الآخرين، وأخذ الحيطة واليقظة واتباع الإجراءات الوقائية بعيدا عن التعنت».