ليس صحيحا أن محمد أركون وجد الترحيب في الجامعة الفرنسية
كثير من الأسماء مستبعدة من المجال الثقافي لأسباب إيديولوجية
كثيرا ما يتحوّل النقاش الثقافي والفكري إلى سجالات إيديولوجية تحاول الاستثمار في هذا الإسم أو ذاك، باختزال جهوده ضمن هذا الفريق أو ذاك.
ورغم اختلاف التجربة الفكرية لمالك بن نبي عن تجربة محمد أركون، إلا أن الفكر الاختزالي يحاول المقارنة بينهما بطرق تفتقر إلى أبسط مناهج البحث العلمي، وهذا ما نبدأ به حوارنا مع الباحث اليامين بن تومي.
اليامين بن تومي، أستاذ تحليل الخطاب والنظرية النقدية والسرديات بجامعة سطيف-2، يعتبر من أنشط الباحثين في المجال. وبالإضافة إلى نِتاجه الروائي، فقد نشر كتبا فكريا، منها «مرجعيات القراءة والتأويل عند نصر حامد أبو زيد»، و»أمراض الثقافة» وغيرها...
هل تصح المقارنة بين مالك بن نبي ومحمد أركون وأين أوجه المقارنة بين المشروعين؟
بداية أشكرك صديقي العزيز على هذه الاستضافة، التي ننخرط من خلالها في تبديد بعض سوء الفهم الذي اعتور كثيرا ثقافتنا الوطنية وشخصياتها، وليس لنا من هدف إلا أن نفتح النقاش واسعا ونبدد جميع الأوهام التي لحقت المخيلة الوطنية، خاصة تلك الأحكام الكبرى حول بعض الشخصيات الفكرية والثقافية ورسم هالات من التقديس أو التدنيس حول بعضها.
أولا؛ لا تجوز المقارنة إلا بين شخصيتين من ثقافتين مختلفتين، وإن كانت من نفس الثقافة فلا بد أن نجيز المقارنة على سبيل التقريب الذي يوّلد إنتاج الفهم؛ معناه أن القصد إلى ذلك يحكم مبدأ؛ نقارن أكثر، أن نفهم أكثر. فالمقارنة خطيرة في يد من يريد أن يُتاجر بمعنى من المعاني، مع غرضنا هنا أن نقدم فهما مغايرا لما هو سائد حول الشخصيتين، حيث قدم مالك بن نبي أنه مفكر إسلامي وفيلسوف الحضارة، وقدم أركون أنه هادم لهذا الفكر وعبد من عبيد أساتذة الاستشراق. هذا الاختزال المخل بالتقريب بين الشخصيتين أعاد علينا ذلك الصراع التاريخي العميق بين المعتزلة وأهل السنة أو هكذا يبدو؛ صراع بين صورة الإمام وصورة العربيد، أثمرت بؤسا ثقافيا جعلت المثقفين في بلدنا بين فئتين، منهم من يتخندق في جهة مالك بن نبي، ومنهم من يعتصم بالحداثة ورهانتها ويتخندق في جهة محمد أركون.
ثانيا؛ أن عسر المقارنة قد يوقع الواهم في أفضلية أحدهما على الآخر، وهذه معضلة في ثقافتنا الوطنية، أننا نُكبِرُ من أسماء على حساب أسماء، بل وقد تلحق اللعنة بعض المثقفين إن انتصروا لأحدهم على الآخر.
ثالثا؛ أن المقارنة باطلة بالجملة، لأنها مفهوم سيء السمعة، لا نقارن في العادة إلا أن نقدم أحد الطرفين على الآخر، أو لا نقارن إلا ونحن نملك أنموذجا مثاليا في المخيلة نحتكم إليه، فما نرفضه هنا ليست المقارنة وإنما نتائجها.
رابعا؛ أن بين محمد أركون ومالك بن نبي من التقاطعات والمودة الفكرية ما يجعلنا نقول إن كلاهما يحلب في إناء واحد، مع فارق سنبيّنه في حينه، أي حين نقارن بالمعنى الإيجابي لا نبحث عن السلبيات والإيجابيات وإنما عن الأحكام المتولدة عن القراءات الفاسدة وننقضها.
ألا ترى مع البعض، أن مفتاح المقارنة بين المشروعين هو كلمة لويس ماسينيون؟
كثير ما تُقدِّم الثقافة الشعبوية البائسة موضوعا معينا وتُغلِّفه بنوع من التظلم، أي تجعل طرفا ما في خانة الضحية التي وقع عليه ظلم التاريخ. ها نحن اليوم نقرأ مالك بن نبي في قلب ثقافتنا الوطنية بنوع من الاعتزاز، ما يعني أن هناك مؤسسة تشتغل لصالح انتشاره. ولقد لقي مالك بن نبي من الانتشار والدراسة ما لم يلقاه غيره لكن هذا لا يكفي، إننا بحاجة إلى نوع تحويل الفكر إلى استراتيجية تنخرط في تحديث البلد.
يجتهد كثير من قراء بن نبي إلى تقديمه في صورة المظلوم الذي اضطهده لويس ماسينيون وكأنهم ينتظرون من رجل الاستعمار أن يفرش البساط الأحمر لبن نبي. يأتي السجال بين المفكرين في سياق خاص واستثنائي، هو سياق التحرير والاستقلال. كان لا بد لبن نبي أن يقدم رؤيته لمسألة الجزائر وكان للعدو أن يقدم رؤيته المناقضة، معناه أن القراءة التاريخية تقدم نوعا من التحليل الموضوعي حول صراع لويس ماسينيون مع مالك بن نبي، لكن ما غفل عنه هؤلاء الذي يعتاشون على أفكار بن نبي، أنهم يقدمونه دوما في خانة الضحية، بدل أن يقدموه في سياق الصراع على الاستقلال، وبالتالي هذا السجال هو قوة في فكر بن نبي وليس ضعفا فيه. وبدل أن يقف أولئك على النصوص التي قدمها بن نبي في سياق ذلك الصراع، سرعان ما يتحول الأمر إلى مسألة بلاغية شديدة تصف حال بن نبي النفسي وهذا الأسلوب هو الذي ننكره على هؤلاء، ومن أمثالهم ما كتبه نورالدين بوكروح، حين قدم هذه المسألة في كتابه «جوهر فكر مالك بن نبي» وأطلق عليها «لغز ماسينيون»، حيث قدّم صورة قاتمة حول الرجل وكأنه يطلب من ماسينيون أن يكون ناعما مع خصومه. المشكل أن هؤلاء أخرجوا تلك العلاقة عن سياقها التاريخي، مع أن الأصح أن نفهمها في سياقها، ذلك السياق الذي نؤكد عليه ليحافظ خطاب بن نبي على تماسكه التاريخي أو نعتمد على تلك البكائيات التي يقدمها بعض المعجبين بمالك بن نبي.
أما علاقة لويس ماسينيون بمحمد أركون، فقد تم تقديمها بنوع من الريبة وكأن أركون طرح له البساط الأحمر في طريقه إلى السوربون. والمسألة على خلاف ذلك تماما، أن أركون نفسه واجه حملت شعواء ضده، لكنه استطاع بنوع من الجهاد العلمي أن يقتنص مكانه في السوربون، لم يكن ذلك سهلا بل كان صعبا جدا، واجتهد الرجل كثيرا ليحصل على ما حصل عليه ولم تكن هناك أطراف لتقبل به أستاذا في الجامعة لولا بعض الخيّرين ممن شهدوا لأركون بتفوقه العلمي.
مسار أركون العلمي في مجال الدراسات العربية وحصوله على شهادات عالية في التخصص، هي من أهلته لهذا المنبر ويحكي محمد أركون بمرارة كيف حاول البعض أن يثنيّه على ذلك، وجعلوا في طريقه كثيرا من المكايد والعراقيل، وبالتالي ليس صحيحا أن محمد أركون وجد الترحيب في الجامعة الفرنسية. تلك هي مشكلة العقل الوطني أن يقدم البعض ويمدحهم ويمتهن البعض الآخر ويرفضهم وليس له من الحقائق سوى قيل وقال.
على ذكر محمد أركون، البعض يعتبره مجددا إسلاميا وآخرون يقولون إنه امتداد للفكر الاستشراقي. في أية منزلة تقرأ فكره بين المنزلتين بتعبير المعتزلة؟
السؤال الذي ينبغي أن نطرحه لماذا يرفض البعض أن يكون محمد أركون مجددا إسلاميا؟ المسألة بسيطة في تصوري، أن هؤلاء ينكرون على أركون ذلك لسببين؛ أنه ليس وليد تعليم أصولي. وثانيا أن رجل اجتهد في نقد الأسس التي جعلت العقل الإسلامي مغلقا على نفسه، ليرى أن التجديد يجب أن يكون مغلقا إلا على من يتقن علوم الإسلام الأولى وهذا في حد ذاته خلل كبير في الفهم والتصور. وعليه، فالمشكلة ليست في عقل أركون، بل في عقل من يتصور أنه لا يمكن التجديد في الفكر الإسلامي، أي أن التجديد الذي قدمه أركون بإدخاله علوما جديدة في قراءة وتأويل النصوص الإسلامية مع ما يتناسب ووضعه هو كمسلم يعيش عصرا جديدا، أي أن الرجل قام بإعادة إنتاج وضع قانوني للمسلم المعاصر يتناسب مع الإشكاليات التي يطرحها العصر.
قد نختلف مع محمد أركون في كثير من اجتهاداته، أما أن ننفي عنه الاجتهاد، فأتصور أن هذا الأمر خطير جدا.
إن جهد أركون ليس فيما قدمه من اجتهادات يمكن أن نتصور غيرها، وإنما كشف الألاعيب الذي يتدثر بها الخطاب الأصولي في تلاعبه بالعبارة وتثبيته لفهم متعالٍ يعمل من خلاله البعض على سرقة الدين وتوظيفه لأغراضهم ومصالحهم، وهذا ما يختلف فيه معهم محمد أركون، أنه يمكننا أن نقوم بعملية تصفية عميقة لما هو سياسي ولما هو ديني، لنقوم بتعرية الخطاب الديني الذي يغلف الأمرين ببعض ويقدم ما هو سياسي على أنه ديني. وقوة أركون ليس في تعرية الخطاب وإنما في مقدار تحكمه في الأدوات الحداثية في إعادة إنتاج فهم جديد للنصوص القانونية والشريعية التي تحكم علاقة الإنسان المسلم بغيره في المجال العام، لذلك تختلف هذه الوضعيات من بلد إلى آخر لتصبح لدينا مفهوما وتطبيقات مختلفة للإسلام وهذا ما يطلق عليه عنده بالإسلاميات التطبيقية، بعد أن يقدم نقدا لاذعا للإسلامية الكلاسيكية التي ما تزال تنخر الممارسة الدينية المعاصرة.
ما يهدف إليه أركون في عموم مشروع هو مسألتين:
- تجديد فهم الإسلام وليس تجديد الإسلام.
- مع تجديد الفهم تتجدد التجربة الدينية، وبالتالي تصبح التجربة المعاصرة لها خصوصيات تختلف عن التجارب الأخرى، أي نصبح محكومين بزمنيتنا، أي أن نجعل الإسلام يجيب على أسئلة الإنسان المعاصر، ما يعني الانتقال من قداسة المتخيل الذي حكم التجارب السابقة، إلى قداسة المسلم التي يبني عليها أركون مشروعه، حيث القدسية للإنسان. أما النص فهو حمال أوجه ويمكن لهذا المسلم الحديث أن يتجاوز كل مآزق المراحل الزمنية السابقة من أجل أن يقدم فهما متصالحا مع واقعه؛ أي بهذا المعنى يقوم الفهم الحداثي للإسلام بمراجعة كل التصورات الكلاسيكية التي تعتمد في سياقها على تحيين التجربة العاطفية واللغوية. فتغير الزمان يفرض علينا تغييرا جذريا في الفهم، وعليه يجد المسلم المعاصر نفسه في مقابلة عميقة مع التجربة العلمية للفهم، أي يعمل على تحديد تلك القطيعة بين الفهم السابق والفهم الحديث.
هذا يجعل قراء أركون في مأزق حقيقي أمام مشروعه، أن يدعوهم إلى الانخراط في تلك العملية الكبرى في إعادة الفهم، بعيدا عن ذلك التاريخ الوجداني الذي تم فيه اختزال التجربة الدينية في بنية لغوية تتعثر أمام ما يطرحه العلم على المسلم المعاصر.
هنا علينا أن نقر بين أمرين في سياق إعادة القراءة. استعان محمد أركون ببعض الأدوات المنهجية التي يطرحها الاستشراق، لكن الذي لا يذكره خصوم محمد أركون، أنه قام بنقد عظيم لتلك الأدوات، حيث قام الرجل بإعادة تصفية ملحمية لتلك الأدوات من كل محمولها الاستعماري الذي قد يدمّر وحدة الفهم التي كنا نتحدث عنها، لذلك سيفهم الدارس الحصيف أن المشكل الحقيقي مع أركون، هو مشكل بين رجال الدين الذين مايزالون غارقين في فهم النصوص، انطلاقا من بنية معرفية كلاسيكية، وبين محمد أركون الذي اعتمد منهجية صارمة مختلفة وقال إن تجديد الفهم يتطلب تجديد الأداة التي نفكر بها في فهم مختلف النصوص التي شكلت الإسلاميات الكلاسيكية. هاهنا عليّ أن أكون صريحا، أن النكران العلمي الذي تعرض له أركون في أرضه وبين مواطنية مرده إلى سببين:
- سبب سياسي مرده إلى موقفه من الثورة التحريرية ولقد كشف عن ملابساته في كتابه الذي يختزن بعضا من سيرته الذاتية وهو كتاب «التشكيل البشري للإسلام» وهو يرتد أساسا إلى موقفه من الموقف الذي اتخذته الدولة الوطنية بعد الاستقلال حول عوربة النموذج البنيوي للدولة وإهمال ما هو أمازيغي من التصور العام، هذا ما يكشفه أركون نفسه، هذا الأمر الذي أدى إلى نفيه بشكل ما من العقل الجمعي للثقافة الوطنية ويلخص ذلك الموقف المعيب الذي تعرض له في أحد ملتقيات الفكر الإسلامي، فهو يرى بأن ما تعرض له يدخل في إطار الصراع اللغوي القاتم في الجزائر.
- ثانيا موقف علمي؛ أن محمد أركون اجتهد في فتح مجموعة من الورشات العلمية التي كان أثرها قويا على العقل الأرثوذوكسي/ المغلق على الآليات المعرفية التي تنتجه، وبالتالي قوة أركون تكمن في مقدرته الرهيبة على فضح ذلك الفهم وآلياته المختلفة، أي على تفتيت البنية المعرفية التي يقتات عليها أولئك في التَعيُّش، لأن غرضه هو تخليص الدين من تلك السلوكات والممارسات.
وعليه، فإن تلك التهمة التي يطلق بعض المتعالمين على احتكام أركون لبعض المستشرقين في مدونته العلمية، تجعلنا نطرح بحثا عميقا وهو هل كل ما جاء به الاستشراق مرفوضا، أم أنه لابد أن نفرق بين الاستشراق الكولونيالي والاستشراق الصديق.
ما لا يذكره المنكرون على أركون، هو تفنيد أركون العلمي القوي لكثير من الأطروحات التي جاء بها الاستشراق الصديق، ناهيك عن الاستشراق العدو والأمثلة كثيرة في ذلك، وعليه فإن هذه التهمة مرفوضة.
إن ما يجب أن نقوم به كجزائريين، هو تعميق البحث في كثير من تلك النقود التي ترفض أن ينبت في الجزائر مفكر بحجم أركون.
علينا أن نعترف أن المفكر الجزائري دائما ما يكون مكشوفا للعراء، لأنه لا سند مؤسساتي يحميه. لطالما كانت السلطة ومؤسساتها جزءاً من معاداة المفكر أو المثقف. علينا أن نفهم أن قوة أركون في تصديه لجميع الخصومات العلمية والسياسية مكشوف الصدر، لم يحمه أحد، بل ظل يصارع أطيافا مختلفة من المتطرفين والفلاسفة، سواء داخل المناخ الثقافي الفرنسي أو المناخ الثقافي الإسلامي. فهناك أطراف معينة لم يكن يعجبها أن يكون هناك مفكر من الجزائر يملك تلك القوة المعرفية والخطابية وينادي بإعادة تجديد الفهم العام. إن تلك الصورة التي ارتسمت حول أركون كانت بدافع قوي من مؤسسات مشرقية وغربية، حيث شيطنة مشروع الرجل.
أثار منشورك حول بن نبي ومدى «إسلاميته»، رد فعل وصل إلى الحدة أحيانا. ألم يكن بن نبي إسلاميا حقا؟
أتفهم بشكل عميق حماس بعضهم حين نطرح مثل تلك الأسئلة الحارقة.
سؤالي كان واضحا، هل كان مالك بن نبي مفكرا إسلاميا؟، معنى ذلك أني أردت أن أطرح السؤال في عمق ما نعانيه من أزمة معرفية شديدة، لأقول هل يمكن اليوم أن نعيد مناقشة هذه المسألة بنوع من التروي والعقلانية. لماذا كلما طرحنا هذا النوع من الأسئلة يعتقد البعض وكأننا هدمنا معلوما من الدين بالضرورة. أردت من خلال هذا السؤال أن أحمل المثقفين على مناقشة ذلك الاختزال الذي بات يتعرض له بن نبي وهو اختزاله في شكل محدد وبالتالي نمذجته في قالب معين تمنع عنه أن يخرج إلى العالم خارج هذا التحديد. ولمن يقرأ الرجل يجد مدونته إنسانية وكونية تفتح سؤال الإنسان الأول وهو سؤال تحرير الإنسان من العبودية.
ولقد استطاع بن نبي عبر عقلانيته الفذة، أن يحاور العالم حول هذه المسألة وأصبح من ثمة فيلسوفا مهما في مدونة النضال العالمية. وعليه، فاختزاله بهذا الشكل يطرح أمامي عائقا حقيقيا، أن مالك بن نبي سرق من قبل مجموعة ممن يعتمدون أسلمة التاريخ والإنسان والعلوم، ليصبح بن نبي ملكهم وحدهم وليس في مقدور أحد أن يتكلم عليه خارج تلك الدائرة، وأصبح مالك بن نبي بهذا الشكل ضمن دائرة مغلقة يتكسب بها هؤلاء.
ثانيا؛ حين طرحت هذا السؤال كان في تصوري أن أُفهِم هؤلاء وأنه في سياق ملحمة التحرير التي تحدث عنها بن نبي كثيرا، عليهم أن يحرروا عقولهم من الأوهام التي يسكنونها. فبن نبي هو فيلسوف الحرية، كيف يمكن أن يدافع عنه هذا النوع من المثقفين الدوغمائيين.
وماذا عن المشاريع الجزائرية الأخرى مصطفى الأشرف، محمد الشريف ساحلي، محي الدين جندر... هل النسيان قدَر هذه المنطقة وهل قدر مثقفيها البدء من الصفر في كل مرة؟
هذا ما يؤكد صديقي العزيز أننا لم نستطع أن نؤسس عقدا وطنيا جامعا نعمل فيه على تجاوز خلافاتنا الثقافية الوطنية. فكثير من هذا الأسماء مستبعد من المجال الثقافي لأسباب إيديولوجية وثقافية معروفة. ما يجب أن نفعله على مستوى مؤسساتي، هو أن نتصالح مع تاريخنا الثقافي وأن ننجز مشروعا ثقافيا يتجاوز الكليشيهات، كأن نقول هذا إسلامي وهذا يساري وهذا علماني. العقد الثقافي الوطني وحده ما يمكنه أن يرمم الخراب الذي تعيشه الثقافة الوطنية، ومن ثمة الخروج من ثقافة النكران والحجود إلى ثقافة الاحتفاء والتبجيل.