يتحدّد مصير العالم السياسي مع كل إدارة جديدة للبيت الأبيض، خاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية لدول العالم، واستراتيجيات الحلفاء والأقطاب السياسية، ومناطق النفوذ والقضايا التي تمثل الخطوط العريضة لكل إدارة أمريكية جديدة، ومع صعود الحزب الديمقراطي مجددا يترقب العالم بحرص شديد رؤية الوافد الجديد للبيت الأبيض، وما يحمله من ملفات سياسية واقتصادية تتحدد على ضوئها العلاقات الدولية للقارات الخمس والولايات المتحدة الأمريكية.
من هذا المنطلق، نلقي نظرة استشرافية عن مستقبل القارة الإفريقية في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة، والعلاقات الجزائرية الأمريكية مستقبلا، بهذا الحوار مع أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة 08 ماي 1945 بقالمة الدكتور توفيق بوستي.
- الشعب ويكاند: ما هي محددات العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والقارة الإفريقية؟
الدكتور بوستي توفيق: لا يمكن فهم المحددات الكامنة وراء إهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بمنطقة إفريقيا دون الحديث عن الأمن الطاقوي، والذي يُعد محدد أساسي في توجيه السياسة الأمريكية في هذه المنطقة، إلى جانب ملف مكافحة الإرهاب (الحرب على الإرهاب)، ومزاحمة ومنافسة القوى الدولية في المنطقة سواء كانت القوى الأوروبية كفرنسا المستندة في ذلك على إرثها التاريخي- الإستعماري، أو الصين المتغلغلة في القارة عبر إستثماراتها الإقتصادية الهائلة، المرتبطة بما يعرف بظاهرة الدياسبورة (العمالة) الصينية في القارة.
في البداية وفي فيما يخص المحددات الإقتصادية (الطاقوية) فإنّ الإهتمام الأمريكي بالمنطقة مرده أساساً إلى ما تمثله هذه الأخيرة من رهانات إقتصادية، وآفاق جيوإستراتيجية واعدة، خصوصاً في ظلّ التنافس الدولي على مصادر الطاقة، خاصة بعد الإستكشافات المهمة المحققة بمنطقة (غرب إفريقيا)، وبالتحديد في (خليج غينيا)، وهي المنطقة التي توصف مجازاً (بالخليج الإفريقي) لغناها بالبترول، ولما تمثّله من مصادر بديلة في ظلّ نقص إمدادات الطاقة العالمية، وتزايد الطلب عليها، بالإضافة إلى سياسة التنويع التي تنتهجها.
أما فيما يخص المحددات الأمنية، فملف مكافحة الإرهاب أخد أهمية كبيرة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، وأعطى بعداً أمنياً، وعسكرة متزايدة، في علاقة الطرفين في ظلّ تزايد النشاطات الإجرامية العابرة للحدود، ما دفع بالولايات المتحدة الأمريكية إلى التخوف من أن يصبح هذا الفضاء الجيو-سياسي الإفريقي، وخاصة الرابط بين منطقتي شمال إفريقيا وجنوب الصحراء منطقة حاضنة للإرهاب، وملاذاً حيوياً لمختلف الأنشطة الإجرامية، وهو ما دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى طرح العديد من المبادرات والسياسات الأمنية تجاه المنطقة وأهمها مبادرة عموم الساحل وبان الساحل والمطالبة بإقامة قاعدة عسكرية في إفريقيا الأفريكوم.
أما فيما يخص مزاحمة وتحييد تغلغل القوى الدولية في المنطقة وخاصة تطويق دور الصين المتنامي في القارة حيث أصبح هذا الدور المتنامي للصین في القارة الإفریقیة یشكل تحدیا حقیقیا للولایات المتحدة الأمریكیة وحلفائها، خاصة فیما یتعلق بتوسیع نفوذها في القارة من أجل تأمیم إمداداتها من الموارد الطاقویة، وهو الأمر الذي أثاره مجلس العلاقات الخارجیة في دیسمبر 2005، حین أصدر تقريرا حذر فیه الولایات المتحدة من مواجهة ضاریة من جانب الصین تتعلق بإمدادات النفط من إفریقیا، داعیا واشنطن إلى انتهاج أسلوب إستراتيجي تجاه القارة بإستثمار المزید من الموارد هناك، وقالا للمجلس أن أهمیة إفریقیا الإستراتيجية تتزايد خاصة بسبب إمدادات الطاقة وأنه یتعین على الولایات المتحدة تجاوز أسلوب التعامل مع القارة من منظور إنساني واعتبارها شریكا مهما لها.
- خلال فترة ولاية دونالد ترامب، كيف تقيّمون هذه العلاقة؟
بالرغم من وصف الرئيس الأمريكي المنتهي ولايته دونالد ترامب الدول الإفريقية إضافة إلى السلفادور وهاييتي بـ»بؤر القذارة» أثناء مناقشة بعض الإتفاقيات الخاصة بخطة التعامل مع المهاجرين القادمين إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فإنه يرى بأن الدول الإفريقية هي ساحة منافسة شرسة مع الصين، وأن الغلبة في هذه المنافسة يجب أن تؤول مكاسبها الإقتصادية إلى الولايات المتحدة، وذلك بأن تتحول الدول الإفريقية إلى أسواق كبيرة يتم إغراقها بالبضائع الأمريكية، ليتحقق للإقتصاد الأمريكي الإستفادة القصوى بغض النظر عن أية عوامل أخرى، هذه الرؤية النفعية البحتة قد كشفت عنها الأوراق الخاصة بالسياسة الأمريكية في إفريقيا ضمن إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي، التي نشرت في ديسمبر 2017.
- ما هي المكتسبات التي حققتها القارة الإفريقية في ظل إدارة دونالد ترامب؟
يُمثل الملف الأمني والحرب على الإرهاب من أهم المكتسبات التي حققتها القارة الإفريقية في ظل إدارة دونالد ترامب وأهم ركيزة لإنخراط الولايات المتحدة في إفريقيا، وخاصة لتأمين حاجاتها من موارد الطاقة، مع التنافس الدولي في القارة نظرا لأهميتها بالنسبة لجميع القوى الكبرى، لذلك تشهد إفريقيا إهتماما من قبل الإدارة الأمريكية في عهد ترامب بغية التصدي لنشاط الحركات الإرهابية في القارة، وخاصة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، إلى جانب مختلف التهديدات الأمنية اللا تماثلية كتجارة المخدرات والهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر..
وثاني ملف يمكن إعتباره من بين مكتسبات القارة الإفريقية يتمثل في المساعدات الإنسانية الأمريكية بإفريقيا، فمن المرجح أيضاً تراجع الإلتزامات الأمريكية لتحسين التنمية البشرية بالخارج بما سيكون له تأثير بالغ على القارة الإفريقية، ويأتي هذا التوقع من الإستطلاع السنوي لمؤسسة كايزر الذي أوضح أن غالبية الأمريكيين يعتقدون أن الولايات المتحدة تنفق كثيراً على المساعدات الخارجية، إذ تخصص حوالي 20٪ من ميزانيتها للمساعدات الخارجية، علماً بأن ثلث المساعدات الخارجية الأميركية يتجه نحوالبرامج الصحية، والكثير منها موجه إلى إفريقيا، وهذا يعني أن أي تخفيض في المساعدات الخارجية الأمريكية ستكون له آثار بعيدة المدى على النتائج الصحية في القارة.
- ما هي إنعكاسات فترة ولاية دونالد ترمب على العلاقات الجزائرية- الأمريكية؟
على الرغم من إحياء السفارة الأمريكية للذكرى 225 للتوقيع على إتفاقية السلام والصداقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والجزائر المبرمة في 5 سبتمبر 1795، مؤكدة على أن العلاقة المتميزة بين الولايات المتحدة الأمريكية والجزائر، والتي شهدت العديد من المحطات البارزة التي أسهمت في تعزيز أواصر الصداقة بين الشعبين، فإن هذه العلاقات الثنائية عمليا في ظل إدارة الرئيس الأمريكي ترامب تحكمها تقاطعات معقدة بين الشراكة الأمنية في مكافحة الإرهاب وسياسية في معالجة ملفات المنطقة، على غرار أزمات ليبيا مالي والساحل والصحراء الغربية في ظل إنخراط قوى ولاعبين جدد كروسيا الإتحادية والصين في القارة السمراء.
وركزت تصريحات المسؤولين الأمريكيين على إعتبار الجزائر شريكا مهما في مكافحة الإرهاب والحفاظ على الإستقرار بالمنطقة.
وبالتالي وفي هذا الإطار برز التنسيق الثنائي الأمني والإستخباراتي في مجال القضاء على الإرهاب، ولكن التعامل مع الملف الليبي أظهر عدم وجود دعم صريح للجانب الأمريكي للدور الجزائري، بعد تداول معلومات عن أن واشنطن وراء إسقاط تعيين وزير الخارجية الأسبق رمطان لعمامرة كمبعوث خاص إلى ليبيا.
أما فيما يخص ملف الصحراء الغربية فقد كانت بداية دونالد ترامب في البيت الأبيض، بمثابة دعم دبلوماسي للقضية، وخاصة بعد تعيين جون بولتون الداعم لحق تقرير المصير في منصب مستشار الأمن القومي قبل إقالته، لكن الأشهر الأخيرة شهدت تحول سياسة إدارة ترامب حسب تقارير إلى لعب ورقة البراغماتية، وذكرت وسائل إعلام أمريكية أن الرئيس الأمريكي في حال إنتخابه لولاية ثانية سيقدم عرضا للرباط يقضي بالتطبيع الرسمي مع تل أبيب مقابل دعمه لمخطط الحكم الذاتي على كما حدث مع السودان.
كما تعد الضغوط الأمريكية على دول عربية من أجل الذهاب نحو تطبيع للعلاقات مع الكيان الصهيوني في عهد ترامب، والتي تسارعت بالتزامن مع سباق الإنتخابات الأمريكية، «نقطة» سوداء إن صح التعبير في العلاقات مع الجزائر، التي أعلن الرئيس عبد المجيد تبون «أن قضية فلسطين مبدئية لديها ولن تقبل الهرولة نحو التطبيع».
- أي مستقبل للعلاقات الأفرو-أمريكية في ظل صعود الديمقراطيين؟
يعتبر الديمقراطيين الأمريكيين -ومن ثم جو بايدن- أكثر توازنا في سياستهم الخارجية تجاه العالم العربي وخاصة القارة الإفريقية، وبالتالي أتوقع أن تركز الإدارة الأمريكية الجديدة بعد وصول جو بايدن للسلطة على ملفات مهمة بالنسبة للقارة على غرار قضايا الإصلاح السياسي وتعزيز الديمقراطية، وخاصة بعد موجة التحولات السياسية التي شهدتها أنظمتها السياسية (الربيع العربي، الانقلاب العسكري في مالي،...)، وهو ما يتوافق مع الرؤية السياسية للحزب الديمقراطي الأمريكي، أما الملف الثاني فيتمثل في الإستمرار في تقديم المساعدات الإنسانية لدول المنطقة، خاصة وأن غالبية دول المنطقة هي دول هشة فقيرة تفتقر إلى أدنى مستويات الرعاية الصحية، أما الملف الثالث فيكمن في الإستمرار في تعزيز التنسيق الأمني لمحاربة الإرهاب المنتشر في المنطقة خاصة في ظل نشاط عدة تنظيمات إرهابية (كتنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي، جماعة بوكوحرام..).
أما الملف الرابع فيتمثل في عودة الولايات المتحدة إلى دورها القيادي في إدارة أزمات المنطقة وعودة الدبلوماسية الأمريكية لتعزيز الجهود النشطة في إيجاد حلول للنزاعات الإقليمية التي تمس مصالح الولايات المتحدة، وخاصة في ليبيا، أما الملف الخامس فيتمثل في تركيز الولايات المتحدة الأمريكية على دعم المعاملات التجارية والإستثمارات مع دول المنطقة وخاصة في مجال التنقيب عن البترول.
- من منطلق المصالح، كيف تقيّمون الوضع الجزائري مستقبلا في ظل إدارة جو بايدن؟
مع وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن للسلطة في الولايات المتحدة الأمريكية أتوقع علاقات أكثر توازنا مع الجزائر، وإستمرار في التنسيق الأمني بين البلدين، خصوصا وأن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر الجزائر شريكا محوريا ومهما في مكافحة الإرهاب، إلى جانب فسح المجال أمام دعم الدور الجزائري في حلحلة قضايا وأزمات المنطقة (حلحلة الملف الليبي، إعادة بعث مفاوضات تقرير المصير في القضية الصحراوية، حلحلة الملف المالي،....)، فضلا عن تدعيم الشراكة الإقتصادية بين البلدين وتنويعها سواء في إطار التنقيب عن البترول في الصحراء الجزائرية أوفي إطار دعم التبادل التجاري بين الطرفين، وبالمقابل أتوقع دعم كبير من الإدارة الأمريكية الجديدة لجملة الإصلاحات السياسية المنتهجة من قبل النظام الجزائري الحالي الذي جاء كنتيجة للحراك الشعبي المبارك، وهو ما يعزز شرعية الحكومة الحالية، ويدعم دورها الإقليمي والدولي في المسائل الإقليمية والدولية الشائكة.