وقّع أطفال الثورة الشجعان بأحرف من ذهب أسمائهم في السجل البطولي للثورة. كان حلمهم في تحرير الجزائر أكبر من أعمارهم، ساهموا بشتى الطرق والوسائل، إلى جانب المجاهدين، في تحرير الجزائر، سواء بنقل مناشير سرية للمجاهدين، إيصال رسائل ثورية أو نقل قنابل للنيل من المستعمر..
عاش أطفال الجزائر آلاما عميقة طيلة فترة الاستعمار، من ظروف الإقصاء والاستلاب، كانوا لا يعرفون معنى للترفيه في الأماكن المخصصة للعب، وفي المدارس لم يكن مسارهم الدراسي في البداية عاديا..
دور مهم في الإسناد والإمداد
يتحدث أستاذ التاريخ المعاصر والحديث بجامعة الجزائر 2 عبد الحميد دليوح، في تصريح لـ»الشعب ويكاند»، عن دور أطفال الجزائر المهم في الثورة التحريرية، أو الثورة اللصيقة بالشعب الجزائري، ذلك أن كل الفئات شاركت فيها، بما فيهم الأطفال والنساء.
وأدت هذه الفئة دورا مهما من ناحية عمل الإسناد والإمداد والمعلومات، ونقل الرسائل والأسلحة، نظرا لخصوصيات الأطفال وسهولة مرورهم بالحواجز الأمنية الاستعمارية، وخاصة دورهم في معارك المدن، مثل معركة الجزائر، وإضراب 8 أيام، ومظاهرات 11 ديسمبر، وتفاصيل أخرى تذكرنا بملحمة الطفل «عمر الصغير»، عمر ياسف، الذي نشأ وترعرع في أحضان الحركة الوطنية مع والده، وكانت ردود فعله واهتماماته وتكوينه السياسي لا توحي أنه طفل صغير، وإنما رجل كبير في تصرفاته وتحركاته فاختار مواصلة المسيرة، وأن يكون عنصر اتصال داخل أسوار القصبة، إلى أن استشهد في الثامن أكتوبر 1956 في المنزل الذي فجره المظليون الفرنسيون، وكان هذا الطفل رفقة علي لابوانت وحميد بوحميد.
تكوين شبه عسكري
ويركز دليوح على مشاركة أطفال الأرياف في وحدات جيش التحرير الوطني، ممن تم تجنيدهم، مثل الطفلة فاطمة عياش، 13 سنة، والتي رفض قائد المنطقة تجنيدها، حتّى أثبتت شجاعتها وسمح لها بالاستمرار معهم في النضال، فكانت المعارك في الجانب المدني والحضاري، وحتى في الجانب العسكري في الأرياف والجبال.
يقول دليوح: «الأطفال شاركوا في الثورة الجزائرية مبكرا، وكانوا موجودين في مدرسة الكشافة الإسلامية الجزائرية، التي أعدت الكثير من الأطفال كأطر للحركة الوطنية الجزائرية، ثم التحقوا بالجبال، وبفضل التكوين الذي تلقوه في إطار الكشافة الإسلامية والتكوين شبه العسكري في المنظمات الخاصة تكونت لديهم الروح القتالية» .
وشارك أطفال الجزائر في الوحدات شبه العسكرية، كانوا يحلمون بجزائر مستقلة، بعدما لاحظوا التمييز بينهم وبين أبناء المستعمر، فتولدت لديهم الروح النضالية، مثلما تؤكده شهادات كثير من المجاهدين الذين اتفق أغلبهم على أن أطفال الجزائر عاشوا التمييز والإقصاء بشكل جعلهم ينتظرون الفرصة المناسبة لحمل السلاح وقيام الثورة للانخراط فيها.
إضافة إلى هذا الدور، قام الأطفال اللاجئون في تونس والمغرب الذين يعتبرون جيل المستقبل بمهام شبه عسكرية، وبمجرد بلوغهم سن 18 سنة كانوا يجندون في جيش التحرير الوطني، للقيام بمهام شبه عسكرية في إطار اللجوء العسكري «مهام تكوينية وقتالية»، تفرضها طبيعة الثورة الجزائرية التي خاضت حرب عصابات مع المستعمر الفرنسي، ما استوجب عليهم استعمال الحاضنة الشعبية بكل أبعادها، بما فيها «النساء والأطفال»، في حرب غير متكافئة الفرص..
الروح النضالية للطفل وليدة معاناة
رغم مشاركة الأطفال الهامة في تحرير الجزائر، إلا أن الدراسات التاريخية لم تبرز نضال هذه الفئة التي حاول بعض الأدباء والسينمائيين البحث فيها لإظهار حقائق تجهلها الأجيال، وظهرت أعمال سينمائية خلدت أطفال الثورة.
كيف لا نخلد أطفال الثورة والكثير منهم سقط في ساحة الكفاح على غرار ما حدث في مظاهرات 11 ديسمبر استشهد فيها الكثير من الأطفال الجزائريين، كانوا في مقدمة الجمهور حاملين العلم الوطني، حيث أول من استشهد في مظاهرات 8 ماي 1945 الشاب الكشاف بوزيد سعال، على أيدي قناصة المستعمر الفرنسي آنذاك، لأنه حمل العلم الوطني وكان أول ظهور للراية الوطنية للعيان بيد طفل جزائري لا يتجاوز سنه 13 سنة.
واعتبر الأستاذ الجامعي الروح النضالية للطفل الجزائري وليدة معاناة عاشها في تلك الفترة حرم من طفولته إلى جانب الفقر واليتم، وهذا ما أكدته شهادات على أن مراحل طفولة الأطفال الثوريين كانت قاسية ما جعلهم يفضلون خيار المقاومة والنضال.
أطفال مجاهدون
وشكل الأطفال نسبة هامة من اللاجئين الجزائريين في تونس خلال حرب التحرير الوطني، مثلما يؤكده الكاتب عبد الرحمان ناصر في كتابه «أطفال الحدود» الصادر سنة 1989، وفيه واقع الطفولة الجزائرية اللاجئة خلال الثورة، وكيف أثبت هؤلاء الأطفال انهم ليسوا مهجرين بدون إرادة وكيف حولوا تواجدهم خارج الجزائر إلى نوع من النضال والتحدي خدمة للقضية الجزائرية والثورة، وكيف شكلوا فئة فعالة في بناء الدولة الجزائرية بعد الإستقلال.
هذا المؤلف عاش فترة من حياته في تونس وتقاسم مع الأطفال المعاناة وهو أول من أنشأ دارا للأطفال اللاجئين، علما أن الكاتب انتقل إلى تونس لإغاثة ضحايا العدوان الفرنسي على ساقية سيدي يوسف في 8 فيفري 1958، وشاهد بأم عينيه تعاسة الأطفال اللاجئين فقرر البقاء إلى جانبهم، خاصة أنه مهتم بشؤون الطفولة.
ويذكر المؤلف كلمات سمعها من العقيد محمدي سعيد، المدعو سي ناصر، مخاطبا الأطفال اللاجئين من أبناء جلدته حين يزورهم قائلا: «يجب أن تكونوا رجالا أحرار، الجزائر بحاجة لرجال أحرار».
وتناول الكتاب الذي يحتوي مجموعة من الصور وحقائق حول مراكز الطفولة بتونس التي كانت تضم من 200 إلى 300 طفلا، مؤكدا أن القضية الجزائرية كانت حاضرة بقوة في هذه المراكز، حيث تشبع الأطفال اللاجئون بالأفكار الثورية التحررية وكانوا يتجاوبون مع مختلف القضايا.
وأشار المؤلف إلى أنه عند إعلان تأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في 19 سبتمبر 1958 وتقديم شروح من المعلمين للأطفال حول هذا الهيكل الجديد الذي يضاف إلى مؤسسات جبهة التحرير الوطني، عمت المراكز موجة هيسترية من الفرح بهذا الانتصار الجديد، وبحسب شهادة الكاتب فإن الكثير من أطفال المراكز الذين بلغوا سن 18 إلتحقوا بجيش التحرير وكلهم حماس لحمل السلاح وتحرير الوطن.
وأوضح أنه كخطوة أولى يتم استدعاء بعض العسكريين للحديث مع التلاميذ الراغبين في الإلتحاق بالداخل إذا أثبتوا مقدرتهم على التأقلم ورغبتهم في ذلك يقوم قادة الثورة بإدخالهم عبر الحدود، وكانت طلبات الإلتحاق بالمجاهدين بالجبال عادة ما يتم رفضها من مسيري المراكز نظرا للحاجة لبعض الأطفال لتحضيرهم لجزائر ما بعد الإستقلال، فقد إلتحق مئات الأطفال اليتامى بمدارس أشبال الثورة ومدارس إطارات الثورة بالمراكز التونسية ملاڨ، غار ديماو، قوت حلفايا ومركز الزيتون، فيما التحق البعض الآخر بالعمل السياسي.