البروفيسور فرقاني: اقتصاد المعرفة رهان المؤسّسات الناشئة
شرعت الجامعات في استقبال طلبات شباب حاملي المشاريع تنفيذا لتعليمات الحكومة، خاصة بعد إقرار الصندوق الوطني الخاص بتمويل المؤسسات الناشئة، دون إغفال ما جاء به قانون المالية التكميلي لسنة 2020 من تسهيلات في العقار لإنشاء حاضنات الأعمال لمرافقة أصحاب المشاريع المبتكرة، بعد تعهّد الرئيس بالقضاء على البيروقراطية الإدارية التي حرمت الشباب من تجسيد مشاريعه.
المؤسّسات النّاشئة هي فرصة الجزائر للإقلاع الاقتصادي والخروج من دائرة الاقتصاد الريعي الذي يعتمد على عائدات المحروقات. دعم هذه المؤسسات من أولويات الحكومة لتعزيز الآلة الإنتاجية المحلية، وهو ما أكّده رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في أكثر من مناسبة، وتحدّث عن مستقبل الإقتصاد الوطني المرتبط بالشركات الناشئة عن طريق اعتماد نموذج اقتصادي ومبني على المعرفة، مثلما تنص عليه المادة 73 من الدستور المتعلقة بتوفير الدولة الوسائل المؤسساتية والمادية الكفيلة بتنمية قدرات الشباب وتحفيز طاقاتهم الإبداعية.
شرعت الجامعات في استقبال طلبات شباب حاملي المشاريع تنفيذا لتعليمات الحكومة، خاصة بعد إقرار الصندوق الوطني الخاص بتمويل المؤسسات الناشئة، دون إغفال ما جاء به قانون المالية التكميلي لسنة 2020 من تسهيلات في مجال العقار لإنشاء حاضنات الأعمال لمرافقة أصحاب المشاريع المبتكرة، حيث تعهد الرئيس بالقضاء على البيروقراطية الإدارية التي حرمت الشباب من تجسيد مشاريعهم ودفعت الكثير منهم للهجرة.
تسلّط «الشعب ويكاند» الضوء على حاضنة جامعة هواري بومدين للعلوم والتكنولوجيا بباب الزوار، التي فتحت أبوابها لبعض حاملي المشاريع المبتكرة لمرافقتهم، بإنشاء خلية لحاضنات المؤسسات الناشئة التي يشرف عليها البروفيسور بلقاسم فرقاني، مسيّر حاضنة بجامعة باب الزوار، وعضو في التجمع الجزائري للناشطين في الرقميات.
ويبرز البروفيسور فرقاني في تصريح لـ «الشعب ويكاند» دور الحاضنات وأهميتها في تطوير اقتصاد المعرفة ومرافقة حاملي هذه المشاريع، على اعتبار أنه موضوع الساعة أولته الحكومة عناية كبيرة، والحاضنة عبارة عن تكوين في مجال تطوير من فكرة إلى إنشاء مؤسسة ناشئة. ويضيف المتحدث أنّ الجامعة لها دور رائد في هذا المجال، لأنّها تعتبر المنبع للمادة الخام وبالنسبة لحاملي المشاريع والابتكارات، وبالتالي لا يمكنها أن تكون بمعزل عن مجال تطوير الحاضنات وتشجيع حاملي المشاريع المبتكرة.
في هذا السياق، أوضح أنّ جامعة باب الزوار بادرت لإنشاء خلية لحاضنات المؤسسات الناشئة وشرعت منذ عامين في العمل في هذا المجال، حيث عقدت شراكة مع القطاع الخاص مع شركة «ايكوسنات»، بموجبها قامت الشركة بتطوير الجانب المادي لحاضنة جامعة هواري بومدين، مشيرا إلى أنه بعد زوال الأزمة الصحية التي يشهدها العالم وعطلت الأعمال ستباشر الجامعة في نشاط الحاضنة واستقبال ملفات حاملي المشاريع، لأن المعدات والتمويل المالي موجود باعتبار أن الحاضنة خلية تابعة لنيابة الجامعة مقنّنة من الوزارة ولديها ميزانية وموظفين.
وكشف عضو التجمع الجزائري للناشطين في الرقميات، أنه بصدد تقديم ملف لتكون حاضنة جامعة هواري بومدين مصلحة مشتركة بين المديرية العامة للبحث والتطوير التكنولوجي وبعض المؤسسات الخاصة الاقتصادية منها «ايكوسنات»، ومنها التي تنشط في تطوير البحث والتعليم العالي، ما يساهم في إنعاش نشاط حاضنة جامعة هواري بومدين.
حاليا، هناك مشروع شراكة مع بنك التنمية المحلية لتمويل إنشاء مركز تطوير النموذج المبدئي الذي تستخدمه المؤسسات الناشئة.
في المقابل استبعد البروفيسور فرقاني عقد شراكة مع الدول الأجنبية في هذا المجال، لأننا نملك الكفاءات الوطنية القادرة على تسيير المشاريع وليس بالضرورة الاستعانة بالأجانب، قائلا: «لدينا إمكانيات، ليس كل أمر يستلزم شراكة مع الخارج ومد اليد، أنا لست موافقا على ذلك، هناك متعاملين خواص وعموميين من واجبهم المساهمة في تطوير الحاضنات، وخاصة الحاضنات الجامعية لديهم دور كبير يؤدونه لتطوير المؤسسات الناشئة». وأضاف أن المنبع الحقيقي لحاملي المشاريع هو الجامعة والمجتمع، مثل جامعة باب الزوار، التي تضم أربعين ألف طالب يمكنهم إنشاء 200 أو300 مؤسسة مبتكرة، ولديهم الفضاء الذي يحتضنهم.
ويؤكد فرقاني على ضرورة التنظيم والتسيير العقلاني والعلمي والتنسيق بين كل المصالح الوزارية ووضع ثقتهم في الجامعة، والتقليل من التسيير البيروقراطي والمركزي الذي عطّل المشاريع.
وبحسب البروفيسور، بإمكان جامعة هواري بومدين للعلوم والتكنولوجيا أن تكون مؤسسة مستقلة وتحاسب كبقية المؤسسات الأخرى، لكن لابد من لا مركزية القرارات والقضاء على البيروقراطية التي عرقلت المشاريع، وأضاعت الوقت، فمثلا حاضنة باب الزوار استغرقت مدة عامين في حين المشروع يتطلب 6 أشهر.
أهم المشاريع التي تركز عليها حاضنة باب الزوار هي التي تعود بالنفع على المجتمع وعلى البيئة مثل النظام البيئي الجامعي في إطار ما يسمى الجامعة الذكية أو «سمارت كوبيوس»، وتشجيع المشاريع التي يمكنها تسوية مشاكل البيئة، مثلا هناك طلبة تخرجوا من جامعة باب الزوار أنشأوا شركات ناشئة في البيئة وفي تسيير الطاقة وتنظيم المساحات الخضراء، وتعمل إدارة الجامعة على توجيه الطلبة في الجامعة وتمكينهم عبر منصات رقمية من التواصل مع الأساتذة والتوثيق العلمي كلها تصب في مجال تطوير شركات ناشئة.
وتتعامل إدارة باب الزوار مع الموارد البشرية، التي تحضّرها من محيط الجامعة ومن خارجها، ممّا يتطلّب ميزانية معتبرة وأحيانا تكون ميزانية الحاضنات بالعملة الصعبة، لأنه يستحيل تسيير حاضنة بموارد مادية قليلة.
وتجدر الإشارة إلى أنّ حاضنة باب الزوار تضم مكاتب لإجتماعات الشركات الناشئة مع الشركات الخاصة، وفي حالة عقد جلسة عمل رسمية يمكن تنظيمها من طرف صاحب الشركة الناشئة، وكذلك تستغل في محاضرات أو أيام تكوينية، وكما هو معلوم صاحب شركة ناشئة يكون لديه احتكاك بعالم الشغل وينبغي عليه تجسيد المعارف في مختلف المجالات التي لها علاقة بمجال إدارة الأعمال وتسيير الشركة، وستكون ورشات يستفيد منها الطالب أو المقاول.
صاحبة مشروع مهن حرّة
أميرة إيرمال، 27 سنة، صاحبة مشروع مهن حرة وهي منصة خدماتية لكل أنواع الصيانة، البناء والأشغال، استطاعت تحويل أفكارها وتجسيدها على أرض الواقع رغم العقبات البيروقراطية، هي مهندسة دولة في المجال التقني، تخرّجت من المدرسة الوطنية متعددة التقنيات بوهران، ثم اقتحمت عالم الشغل واشتغلت في شركة متعددة الجنسيات في حاسي مسعود، وفي ماليزيا، تجربتها في عالم الشغل جعلها تعرف ما هو تنظيم العمل وكان لديها شغف دخول عالم المقاولاتية، وقد وظّفت خبرتها عندما اشتغلت في المجال البترولي والأشغال بصفة عامة. تعمل رفقة سلام عبد الله، وهو باحث في الذكاء الاصطناعي بجامعة العلوم والتكنولوجيا هواري بومدين، وهو مسؤول تنفيذي على الجانب التقني.
تقول أميرة إنّ القيمة المضافة للمشروع هو أنها انطلقت من مشكل يعانيه المواطن يوميا، وهو البحث عن حرفي خدماتي في الترصيص، البناء أو طلاء المنازل، لكن يصعب عليه إيجاد هذه الأنواع من الحرف، لذلك فكّرت في إنشاء المنصة الخدماتية، وفيها الخدمة الأولى وهي «بريكولا» وهي دليل رقمي للخدمات الحرفية الأقرب إلى المواطن جغرافيا لتسهيل عليه إيجاد الحرفة في المنطقة التي يوجد فيها، إضافة إلى خدمة «أعمال affaire»، وهي متجر إلكتروني لمواد البناء والصيانة ودليل مفصل للمواد المختلفة المستخدمة في البناء، لأن المواطن يعاني في البحث في المحلات عن سلعة للقيام بأشغال الصيانة، وفي أغلب الأحيان يتوجه للمدن الكبرى للحصول عليها في الجزائر، وهران، قسنطينة أو سطيف وهي أماكن معروفة بتواجد هذه السلع.
في المقابل هناك بعض الأشخاص في مناطق أخرى يصعب عليهم الحصول على هذه المواد. وبفضل هذه الخدمة يمكن للمواطن تصفح كل المتاجر الإلكترونية المتواجدة عبر التراب الوطني والسلع المعروضة والمنتوج الذي يبحث عنه، والتأكد من أن الخدمة موجودة وفي هذه الحالة يتقدم للمتجر أ ويتصل به للحصول على المنتوج الذي يرغب فيه.
شاركت أميرة في الصالون الدولي للأشغال والبناء بمدينة قسنطينة المنعقد الشهر الجاري، أين أطلقت منصة خدمتي بريكولا وأعمال، والذي يليه طرح خدمتين أخرتين هما خدمة الدليل الالكتروني «دليل الأعمال guide travaux»، الذي يسهّل على المواطن معرفة معلومات في البناء حول فوائد وأضرار المواد المستخدمة مثلا تغيير نوافذه من ألمنيوم إلى مادة صحية لا تسبّب أضرارا للمحيط.
وهناك خدمة «تقدير أعمال» التي تساعد المواطن على معرفة تكلفة أي مشروع عبر مختلف المتاجر الإلكترونية المتواجدة عبر القطر الوطني لتحديد الميزانية التي تسمح له بالقيام بمشروع الصيانة.
ترى أميرة أن الإستثمار في رقمنة هذا القطاع سيكون له عائد هائل، يساهم في تسير المشاريع بصورة سلسلة وعقلانية، كما يسهّل حياة الإنسان.
وطالبت أميرة بتذليل العراقيل الإدارية المتعلقة بالوثائق، لأن نمو الشركة الناشئة سريع، وهذا يتطلب تكاثف الجهود والمحيطين بالمؤسسة الناشئة، منوّهة بإدارة جامعة باب الزوار التي استقبلتها، قائلة: «اخترت أن يكون مشروعي في حاضنة جامعة هواري بومدين لأن لها معارف وتأطير وكفاءات، من بين أهدافنا هو مرافقة طلبة جامعة هواري بومدين وتوجيههم لشركات أخرى في حالة لم نجد لهم عملا في مؤسستنا».
وأضافت المتحدثة أن فريق مهن حرة لديه اتصالات مع الشركات بهدف مساعدتهم من ناحية التشغيل بحكم أن الشركة الناشئة يمكنها فتح القيام بتربصات، سواء في المجال التجاري لمن يريد مزاولة نشاطه في ميدان التسويق، مؤكّدة أنها ستقوم بشراكات مع مؤسسات خاصة تنشط في هذا المجال وأول أمر تضعه هو نموذج عمل ليوظف في أي مكان، قائلة: «حينما نصل إلى هذه الفترة سنصل إلى باب الاستثمار لشركات خاصة أو عمومية»، مثمّنة «إطلاق الصندوق الخاص لتمويل المؤسسات الناشئة». وقالت أيضا: «لدينا حلول أخرى في مجال التسيير ستكون منصات رقمية أخرى موجهة للشركات في مجال التسيير»، مشيرة إلى أنّها تقدّمت لوزارة المؤسسات الناشئة واقتصاد المعرفة الذين وجّهوها لجامعة باب الزوار، حيث أن الوزارة تعمل بصفة مقربة مع حاملي المشاريع وتستقبل الملفات وتقوم بتوجيههم عن قرب.
وبحسب أميرة، أي حامل للمشاريع هو أمل للجزائر ولتطوير اقتصادها، وهذه الكلمات التي سمعتها من السيدة حليش مديرة بوزارة المؤسسات الناشئة، مبرزة أهمية استخدام التكنولوجيا بمنظورها الشامل لتسهيل الحياة على المواطن.
نور الدين واعلي: مشاريع في الأفق تعود بالفائدة على الجامعة
من جهته، كشف نائب رئيس الجامعة مكلف بالعلاقات الخارجية والتعاون بجامعة هواري بومدين للعلوم والتكنولوجيا عن مشاريع، منها مشروع تطوير الحاضنة العاملة في مجال التنمية البشرية مثل مشروع مهن حرة، الذي تشرف على تمويله الوكالة الجامعة الفرنكوفونية للحاضنات.
ومشروع آخر في جمع النفايات واستخدام السائل الذي يستخرج من النفايات في المجال الزراعي، حيث ينفذ هذا النموذج بالشراكة مع مختبر الإلكترونيك في الرغاية ليعمّم بعد ذلك عبر التراب الوطني، موضحا أن صاحب المشروع ينصّب حاويات كبيرة في الأرض بطريقة تقنية وهي حاويات ذكية، يبقى فقط الربط مع المختبرات الجامعية ليصبح النظام ذكيا، مضيفا أن هذا الشروع لديه دفتر الشروط وهو رابح يعود بالفائدة على الجامعة.
إضافة إلى ذلك، هناك مشروع يتعلق بأمن الملاعب وهو بطلب من الفيفا، يشتغل عليه بالتنسيق مع مديرية الأمن والدرك الوطنيين، حيث تنصب كاميرات مع نظام التعريف تقوم بأخذ صور للمدرجات عند الحصول على تذكرة مشاهدة المباراة الرياضية، ويدون على التذكرة رقم المقعد واسم الشخص وفي حالة حدوث عمليات شغب بالملاعب يتم التعرف مباشرة على الفاعل بفضل هذه الكاميرات، يبقى فقط تجسيد المشروع على أرض الواقع.