استكملت ورشة تعديل الدستور باعتبارها الأهم والأكبر في برنامج رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، وستتبع بخطوات أخرى في مسار الإصلاحات العميقة، وعلى رأسها تعديل قانوني الانتخابات والأحزاب السياسية، مع تحيين وتكييف ترسانة القوانين الأخرى.
بتزكية الناخبين الجزائريين لمشروع تعديل الدستور، تكون الجزائر قد وضعت أول خطوة على طريق إعادة بعث الحياة السياسية بأطر قانونية وممارسات جديدة، من شأنها إنهاء حالة الوهن والعبث الذي ضربها في مقتل.
القراءات العميقة لنتائج الاستفتاء على مشروع تعديل الدستور، تفرض التمعن في الحجم الهائل للعزوف الانتخابي، وما مدى مسؤولية الطبقة السياسية، سواء التي دعت إلى التصويت بـ»نعم» أو تلك التي عبئت للتصويت بـ»لا»، في نفور المواطن الجزائري من كل ما يرتبط بالصندوق وورقة الاقتراع.
وهذا قد يؤشر على أن الممارسة السياسية التقليدية تكون قد بلغت منتهاها، بعدما أصابها الإفلاس في الأفكار وفي التسويق السياسي وتلوثت بممارسات كالمال الفاسد وشراء الذمم والدسائس المحطمة للنخب والكفاءات.
لذلك، يشكل الاستفتاء الشعبي، نقطة توقف وتأمل، ليس فقط في إعادة النظر في سير مؤسسات الدولة وتنظيم العلاقة فيما بينها فحسب، وإنما في الحياة السياسية ومراجعة الطرق والأدوات التي تعتمدها منذ 3 عقود.
وكان رئيس الجمهورية اختار توفير الفضاء الملائم للنشاط السياسي في إطار أخلاقي وقانوني محكم، من خلال الشروع في تعديل القانون العضوي للانتخابات، وقد نصب لجنة مختصة تعكف على ذلك منذ 19 سبتمبر بقيادة أحمد لعرابة وممثل لوزارة الداخلية وأستاذة مختصين في القانون من جامعات الوطن.
ويتوخى من الورشة الثانية هذه، تقديم آليات قانونية أكبر، لإعادة ما أمكن من الثقة بين الناخبين والعملية الانتخابية ككل، وعلى رأسها ضمان إبعاد المال الفاسد والتصدي لشراء الذمم، بما يفضي إلى مجالس منتخبة بنزاهة وشفافية.
وأظهرت نتائج الاستفتاء على الدستور، أن التخوف أو الانزعاج من نسب المشاركة المتدنية تقليد قديم ارتبط بالممارسة السياسية البالية، ولم يعد له مكان في جزائر اليوم، فتقديم السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات للأرقام دون زيادة أو نقصان أو تحريف، يؤكد وجود تعاطي جديد مع العملية الانتخابية.
التوجه نحو تطوير الحياة السياسية بما ينسجم وتطلعات الجزائريين، يشمل أيضا الأحزاب السياسية وضرورة مراجعة القانون الخاص بها، بما يفضي إلى بروز نخبة سياسية متمكنة قادرة على اقتراح مشاريع وبرامج لإدارة المجتمع والشأن العام بذهنيات وآليات مستحدثة.
وينتظر أن يعلن المجلس الدستوري، في غضون 10 أيام، عن النتائج النهائية للاستفتاء على تعديل الدستور، على أن يرفع إلى رئيس الجمهورية لتوقيعه قبل أن ينشر في الجريدة الرسمية ليصبح ساري النفاذ.
ويتضمن الدستور الجديد، آليات جديدة للحكم، ويعتمد النظام شبه الرئاسي، واستحدث المحكمة الدستورية بدل المجلس الدستوري، التي ستتولى تنظيم العلاقات بين مؤسسات الدولة بصلاحيات قضائية والسهر على سمو الدستور، واعتمد ما يُعبر عن الأغلبية الفائزة بالانتخابات التشريعية في الحكومة، ويتيح وسائل رقابية أقوى للبرلمان على أداء الجهاز التنفيذي.
وعند سريان الدستور الجديد، لن يشغل وزير العدل عضوية المجلس الأعلى للقضاء، الذي سيتحول إلى الضامن الوحيد لاستقلالية القضاء وإدارة المسار الوظيفي للقاضي، بعيدا عن أي تعسف إداري أو بيروقراطي.