طباعة هذه الصفحة

رئيس المجلس الوطني للصحافيين الجزائريين، رياض بوخدشة:

وضع استراتيجية إعلامية وطنية لترشيد النفقات وترقية المضمون

آسيـا منـي

أثار رئيس المجلس الوطني للصحافيين الجزائريين واقع قطاع الإعلام المتأرجح اليوم بين أزمة مالية عصفت بعديد العناوين، وأزمة مهنية واحترافية، لها أثر سلبي على الظروف الاجتماعية للصحفي.
هو وضع يعتقد رياض بوخدشة، في تصريح لـ «الشعب ويكاند»، أنه حان وقت تجاوزه، في قوله: «نحن في مرحلة بناء جزائر جديدة، نتمنى أن تلجأ الوصاية والشركاء الفعليين الحقيقيين في القطاع إلى عمل مشترك الهدف منه تقنين القطاع بقوانين تضمن حقوق العمال، من خلال وضع استراتيجية إعلامية وطنية واضحة تعمل على ترشيد النفقات، وفي الوقت ذاته تُرقي المضمون الإعلامي، وما بين المسألتين ترتقي ظروف عمل الصحفي واستعادة كرامته المهضومة منذ سنوات».

يرى الإعلامي رياض بوخدشة، أن الصحفي أكبر المتضررين في الوضع الحالي للإعلام الخاص، ويقول إن «الأوضاع العامة في بلدنا لم تسمح بعد مع الأسف لتحيين وتجديد المنظومة التسييرية للإعلام، حتى تستطيع أن تتكيف مع الهزات المالية المحتملة التي تضرب كل دول العالم»، ويضيف قائلا: «هناك ذكاء وحنكة في تسيير الأزمات ومواجهتها، والدول التي لا تمتلك إستراتيجية إعلامية وليست لديها خطط تقع في أزمات، وهو الشيء الذي حصل في الجزائر، والدليل على ذلك تسريح عمال في بعض المؤسسات الخاصة، والبعض بلا أجور في أخرى، جراء تأثر وسائل إعلام بأزمة مالية كانت في السابق وزادت حدّتها أثناء الأزمة الصحية المترتبة عن فيروس كورونا».

الصحافة ليست مؤمّنة ضد المخاطر

 عرج بوخدشة في حديثه على عناوين علقت نشاطها الإعلامي، أو توقفت إضطراريا بسبب شح المداخيل، وكان الصحافي فيها المتضرر الأول من هذا الوضع المادي الذي ترتب عنه تسريح عدد لا بأس من الصحفيين.
«مؤسسات تظهر وأخرى تختفي حسب حصولها على الإعلانات العمومية، وهي مسألة مهمة جدا تتعلق باتفاقيات العمل القطاعية وشروط العمل»، وهنا يقول رياض: «لا نقبل كمجلس وطني للصحافيين الجزائريين أن يكون الصحافيون وكافة العمال في المؤسسة الإعلامية ضحايا الوضعية المالية، لأن الملاحظ أنه لم يتضرر لا ناشرون ولا ملاك المؤسسات، وهو أمر مرفوض وغير مقبول، ففي أي قانون من القوانين لا يجب أن يكون العامل هو كبش الفداء وحتى نخرج من هذه المسألة، يجب أن نقنّـن القطاع بقوانين».
وذكر بوخدشة أنه من بين الأمور الغائبة في القطاع، أن الصحافة ليست مؤمنة من المخاطر المختلفة، وليست لها اشتراكات مع صندوق التأمين على المخاطر، كما أن الصحافيين لا يخضعون لنظام التأمين مع الصندوق الوطني للبطالة.
ويضيف المتحدث قائلا: «إن الصحفي عندما يفقد منصبه نتيجة أزمة مالية، على الأقل يجب أن يستفيد من منحة يضمنها له الصندوق الوطني للتأمين على البطالة مدة معينة إلى غاية اندماجه مرة أخرى في الحياة المهنية، كل هذه الأمور غائبة، وانعكست بشكل سلبي على الصحافيين وعائلاتهم. ولّد هذا الوضع شعورا بالإحباط وإحساسا بفقدان الأمن المبالغ فيه، وانعكس هذا الأمر أيضا على تفشي أمراض خطيرة ومزمنة في الوسط الصحفي في غياب الطب المهني».

المطالبة باستغلال أرباح القطاع في استثمار داخلي..

 استطرد رياض حديثه مؤكدا أن مبرر إنعدام الإشهار بات يتخذ كذريعة لعدم صرف رواتب العمال أو البحث عن عمالة رخيصة أو مستغلة، «هذا الأمر مرفوض في قانون العمل قبل أن يكون مرفوضا في أخلاقيات مهنة الصحافة، والمؤسسة الإعلامية التي تستفيد لسنوات طويلة من دعم الدولة سواء فيما يخص الطباعة، تخفيضات ضريبية أو دعم متعلق بالإعلانات العمومية سنوات، عندما يتراجع حجم الإشهار في العنوان تلجأ إلى خصم الرواتب وعدم تسديد الأجور، هو أمر فيه تعدي على الحقوق المهنية والاجتماعية للصحفي».
وبرر رياض أن الدولة تمول الصحافة الخاصة كما تمول الصحافة العمومية، ومن مصدر واحد وهو المصدر الرئيسي لتمويل العناوين الوطنية، خاصة الصحافة المكتوبة، وهي الوكالة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار. والصحيفة العمومية، يقول رياض، إن أرباحها توضع في خزينة ربما هي ملك جماعي أو ملك للمؤسسة إن لم تكن ملك للدولة، أما عن أرباح المؤسسات الخاصة، فقد تساءل رياض أين تذهب، وهو سؤال كبير - يقول -يجب الإجابة عليه.
وأضاف بوخدشة أن المجلس الوطني للصحافيين يحرص على المطالبة بعدم استغلال أرباح قطاع الإعلام في استثمارات خارج قطاع الإعلام، و»يجب على الذي يستثمر في قطاع الإعلام أن يستثمر الأرباح المحققة داخل القطاع، وأن لا تذهب في إستثمارات لبناء فنادق أو مطاعم أو أنشطة تجارية خارج البلاد، وهو أمر خطير نتمنى أن ينتهي ويتم وضع حد له، وأن تعمل هذه الأخيرة في إطار أخلاقيات المهنة».
ومن هنا يؤكد أن «المشكلة لا تكمن في غياب التمويل وغياب الأموال، بل في سوء التسيير، وربما فساد موجود في بعض المؤسسات التابعة للقطاع الخاص، وعلى الناس أن تخضع للقانون، كما على الدولة ووزارة الإتصال والحكومة عموما إخضاع قطاع الصحافة، لا أقول للرقابة ولكن على الأقل للضبط، وإن قلنا الرقابة فيجب إخضاعها للرقابة المالية ولنظام محاسباتي صارم يحمي الحقوق، ويحرص على تطوير المهنة ويضمن عدم استنزاف أموال الصحافة خارج الصحافة».
 في الشق المتعلق بالوضع المهني العام الذي يعيشه الصحفي اليوم، أكد بوخدشة أن المؤشرات تتحدث عن تزايد ضغوط ممارسة من ملاك العناوين الإعلامية على الصحافيين أكثر من أي جهة أخرى، والصحفي لا يزال يقوم بساعات عمل تفوق معدل ساعات العمل المحددة من قبل منظمة العمل الدولية ومنظمة الصحة العالمية، مشيرا إلى أن الصحفي لازال يتعرض للإهانة اللفظية، ويعمل بعقود هشة أو في بعض الأحيان بدون عقود.
وأوضح المتحدث أن الأدوات الرقابية التي فرضتها وزارة العمل مؤخرا قلصت من ظاهرة عدم التصريح بالصحفيين والعمال، غير أن الظاهرة لا تزال موجودة، متمنيا اختفاءها نهائيا.
ويقول بوخدشة إن الصحفيين يفتقدون لطب العمل، وللأسف هناك مخاوف من عدم إدراج الصحافة ضمن المهن الشاقة والشاقة جدا، كل هذه المسائل تجعل مهنة الصحافة ليست فقط مهنة متاعب، بل مهنة مخاطر يجب أن يتعاون عليها الجميع، و»نحن أمام استحقاق واستفتاء على دستور البلاد، نتمنى فيما بعد مرحلة دستور البلاد الجديد أن تكون الصحافة أمام عهد جديد من الحقوق والمهنية والاحترافية، وأن يشعر الصحافيون بكرامتهم»، يقول بوخدشة.

الدستور وفّر نصوصا كافية لضمان تحقيق صحافة حرّة محترفة

 عن وثيقة الدستور، قال رياض إنّها وفّرت نصوصا كافية لضمان تحقيق صحافة محترفة، حرة، تمتاز بالحد الأدنى من هوامش الحرية المعمول بها في الدول العالم، لكن للأسف من حيث الواقع والممارسات نجد المشكلة في عدم احترام النصوص والقوانين.
وعليه يقول: «نتمنى في حال التصويت على الدستور بنعم، والذي خص الصحافة بحوالي 6 بنود أن تتحول إلى قوانين تنظيمية تطبّق على أرض الواقع»، وأضاف بأنه يتوقع خلال السنتين المقبلتين أن تتقلص مظاهر التعسف الاجتماعي المرتكب في حق الصحافيين، وأن نبقى نواجه فقط تحديات تتعلق بالاحترافية والمهنية، خاصة وأننا نواجه حاليا تحدي نشوء صحافة الكترونية حديثة في غياب قانون ضابط لها.

 رفع أرضية مطالب وطنية شاملة تتضمن مشكلات القطاع

عن عمل المجلس الوطني للصحافيين الجزائريين، قال بوخدشة إنّه تم رسم إستراتيجية عمل متوسطة المدى، تمتد إلى ثلاثة سنوات، السنة الأولى للتأسيس والتي تم خلالها إقناع عموم العائلة الإعلامية بأنه ينبغي أن يكون هناك إطار تنظيم جديد عصري شامل، وقد تم تحقيق هذا الهدف، ونحن اليوم، يضيف، «نعيش مرحلة ثانية نرتكز فيها على الحوار والتعريف بمشاكل القطاع من خلال جلسات حوار مع وزارة الإتصال، وبعض الناشرين وأصحاب المؤسسات الإعلامية وهناك حوار داخلي ما بين الصحافيين، كما يرتقب تنظيم موائد نقاش حول وضعية الصحافة «.
وبعد مرحلة الدستور، يفيد رياض: «ندخل في مرحلة ثالثة وهي رفع أرضية مطالب وطنية شاملة تتضمن المشكلات والحلول، ولنتحوّل بعدها إلى عمل ميداني، وربما يذهب المجلس إلى مواقف على أرض الواقع للتحسيس بالأزمة التي يعانيها الصحافيون، وفي كل الأحوال يبقى النقاش والحوار هي الأداة القوية لحل كل المشكلات التي تواجهنا».