أصبحت حركة “بوكو حرام” معضلة أمنية حقيقية، لا تهدد نيجيريا وحدها، ولكن ترهن الأمن بشكل عام في غرب القارة الإفريقية، هذه الأخيرة التي تتزايد فيها التهديدات الإرهابية بشكل مخيف خاصة بعد الفلتان الأمني الذي أعقب أحداث “الربيع العربي”، سيما في الجارة ليبيا التي تحولت إلى مخزن للسلاح والذخيرة لتلك الجماعات الدموية التي انتعشت بشكل ملفت جراء تلك الأحداث وازدادت تهديداتها عبر القارة السنتين الاخيرتين.
كانت عملية اختطاف 200 تلميذة نيجيرية من ثانوية في مدينة شيبوك النيجيرية، التي تبنتها حركة “بوكو حرام”، منتصف أفريل الماضي، الشعرة التي قصمت ظهر البعير. حيث تجند العالم أجمع خوفا على مصير تلك المراهقات، وتدفقت العروض الغربية على الحكومة النيجيرية لمساعدتها على إيجاد وتحرير تلك الفتيات اللائي توعد أبوبكر شيكو ـ زعيم الحركة ـ ببيعهن كسبايا، قبل أن يتراجع عن ذلك ويعرض مبادلتهن بعناصر يحتجزهم الجيش النيجيري، وذلك خلال فيديو نشرته الحركة على الانترنيت قبل أيام ظهرت فيه تلك المختطفات.
على كل، العروض الغربية جاءت متأخرة هذه المرة، كما حدث في مالي تماما، أين لم يتحرك فرانسوا هولاند إلا بعد سيطرة الجماعات الإرهابية على شمال البلاد، وهددت بالزحف على العاصمة باماكو رغم تحذيرات سابقة من تعفن الوضع جراّء مماطلة المجتمع الدولي في التدخل في مالي والوضع نفسه في إفريقيا الوسطى، واليوم في الحالة النيجيرية تأتي قمة باريس التي عقدت أمس بطلب من الرئيس النيجيري في العاصمة الفرنسية حول تهديدات بوكو حرام بمشاركة كل من رؤساء نيجيريا،الكاميرون، النيجر، التشاد والبنين وممثلين - بطبيعة الحال - عن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وعن الاتحاد الأوربي،و تهدف هذه القمة إلى وضع إستراتيجية مشتركة لمكافحة حركة بوكو حرام وهذا بعد مرور 12 سنة على تأسيسها وخمس سنوات على إعلانها الحرب على الحكومة النيجيرية رغم ذلك لم يتم تصنيفها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية في قائمة الحركات الإرهابية إلا السنة الماضية فقط.
حركة بوكو حرام، لم تعد اعتداءاتها وتهديداتها تقتصر على نيجيريا وحدها، ولكن تعدتها إلى دول الجوار ما يوحي بإمكانية تحول هذه الحركة من الطابع المحلي إلى حركة جهوية تنشط في منطقة غرب إفريقيا كلها حيث شهد شمال الكاميرون في الكثير من المرات هجمات استهدفت قوات الأمن الكاميرونية كان أخرها على مقر للشرطة الشهر الماضي وعدة عمليات اختطاف رعايا غربيين . كما استهدفت في سابقة مصنعا صينيا أول أمس الجمعة في مدينة وازا شمال الكاميرون القريبة من معقل الجماعة في غابة سامبيسا أدى إلى سقوط عاملين ويجهل مصير عشرة آخرين.
تبدو قمة باريس المنعقدة، أمس، حول نيجيريا، كبادرة لتدخل فرنسي ثالث محتمل في إفريقيا، بدأت تكتمل معالمه في عهد الرئيس هولاند بعد كل من عمليتي سيرفال في مالي وسنغاريس في إفريقيا الوسطى وذلك في أوج عملية إعادة نشر وتوزيع القوات الفرنسية الجارية في القارة الإفريقية تحت مسمى مكافحة الإرهاب، مسار يريد أن يجعل منه هولاند حصان طروادا لنشر قواته في القارة في ظل غياب وصفات افريقية لمكافحة الظاهرة والضعف الهيكلي والمؤسساتي لدول القارة التي يجعلها عاجزة على مواجهة التهديدات الأمنية المختلفة في ظل تضارب وتداخل مصالح أطراف مختلفة تريد أن تبقى إفريقيا تتخبط في حلقات مفرغة لا تنتهي.