طباعة هذه الصفحة

بن خالفة، خبير اقتصادي ومفوّض عام سابق لجمعية البنوك والمؤسّسات المالية

‘’إدخال إصلاحات الجيل الثّاني وحوكمة التسيير’’

سعيد بن عياد

عن سؤال حول جوانب القوة والضعف في المنظومة البنكية ومن أين يبدأ إصلاحها؟ أجاب الخبير الاقتصادي عبد الرحمان بن خالفة في تصريح لـ “الشعب الاقتصادي”، أنّ النّظام المصرفي عرف تطوّرا ملحوظا من خلال تسجيل تقدم على مستوى 3 جوانب، لكن بقي جانب رابع يعرف تخلفا. بالنسبة للجوانب التي عرفت تطورا، أوضح المفوض السّابق لجمعية البنوك والمؤسسات المالية إلى جانب أول هو تعدد المصارف كوحدات بلغت أكثر من 30 مؤسسة مالية مصرفية تنشط في الساحة من حيث الصيرفة أو الإيجار المالي أو في الاستثمار أو الرأسمال الاستثماري، أما الثاني فيتمثل في منظومة الدّفع الالكتروني، حيث كل المعاملات التي تتم بالصك، الحوالة وغيرها من السندات الورقية دخلت منذ حوالي 5 سنوات عهد المعاملة اللاّمادية. لقد حلّت التدفقات الالكترونية محل الورق والجزائر من البلدان القليلة التي تستخدم نظام المقاصة الالكترونية الوطنية في معالجة المعاملات بين البنوك وعن بعد عبر كافة أرجاء الوطن، وهي منظومة سليمة وحديثة تكنولوجيا تستوعب التدفقات الصغيرة والتدفقات الكبيرة ما بين المؤسسات بالتحويل الالكتروني لمبالغ ضخمة. أما الجانب الثالث للتطور وحتى إن كان في آلياته لا يزال يتطلب عملا تحديثيا يوضّح الخبير أنّه تقدّم في الجوهر، ويتعلق الأمر بالمنظومة الائتمانية (منظومة التمويل بالقروض). ويفصّل هنا منطلقا بالقول أنّ هناك تعدّد للقروض لكافة أصناف الزبائن من الفرد إلى المؤسسة، مشيرا إلى أنه نهاية سنة 2013 بلغ حجم مخزون التمويلات المصرفية التي أعطيت على مستوى حقائب البنوك 5 آلاف مليار دينار، وأن معدل تدفق القروض الجديدة سنويا يقدر بين 600 إلى 800 مليار دينار، وهذا يعكس دلالات هامة.
أما بخصوص المسألة التي تتطلّب معالجة جوانب التخلف فيها، فتتعلق حسب الخبير بـ 3 مستويات، الأول يشمل نسبة التغطية المصرفية (انتشار الشبكة المصرفية)، موضحا أنه بدون قطاع البريد، يوجد 1550 موقعا مصرفيا، بمعدل موقع لكل 25 ألف نسمة، وهو قليل في وقت بلغت بلدان معدل موقع لكل 4 آلاف نسمة. وأطلق دعوة مباشرة إلى العمل على جبهة توسيع الشبكة للبنوك الراهنة، أو فتح المجال لبنوك أخرى وفقا لدفتر شروط لدى منح الاعتماد. ولتشجيع تواجدها في المناطق الداخلية والبعيدة، أرجع بن خالفة الأمر لوتيرة النمو المحلي للاقتصاد والأعمال التي لم تتطور مقارنة بالمدن الكبيرة، مضيفا أنّ ارتباط حركة التوسع المصرفي بحركة النهوض الاقتصادي. لذلك الوضع القائم على هذا الصعيد لا يسمح بصيرفة الاقتصاد، ولا يساعد الحركة المصرفية أن تدب في شرايين لاقتصاد.
هناك جانب ثان يعاني من نقائص، يتعلق بتحديث وعصرنة تسيير المؤسسات المصرفية العمومية التي تستحوذ على حوالي 85 بالمائة من السوق المالية، مما يجعل عصرنتها يدفع إلى تحقيق قفزة نوعية. إنّ طرق تسييرها تقليدية (عدم التحكم في المخاطر) والتسيير لا تطغى عليه السلوكات التجارية، ممّا يفرض الذهاب إلى حوكمة تسيير البنوك العمومية وتحرير طرق تسييرها بعيدا عن البيروقراطية والوصاية الإدارية، علما أنه لا يمكن أن يكون حينها فرق في تسيير البنوك العمومية والخاصة، وإنما يبقى الفرق في طبيعة الرساميل فقط. الجانب الثالث الذي يمثل نقطة ضعف ولا يزال متخلفا، يخص الدفع  الالكتروني، ففي وقت توسّعت فيه البطاقة المصرفية (12 مليون حامل للبطاقة)، إلا أن استعمالها ينحصر في عمليات السحب فقط، وإن قلّل من الضغط على الشبابيك إلا أنه لم يؤثر على طلب النقود الفوري، لذلك حان الوقت لإدراج البطاقة الالكترونية في الدفع المالي وليس السحب فقط، وذلك بتوسيعها على مستوى المراكز التجارية وباقي مساحات الخدمات من محلات وحتى دكاكين.
يؤكد محدثنا قائلا: ‘’للأسف لازلنا متخلّفين في هذا المجال، لأسباب منها تخوف التجار وغياب الشفافية، وكذا هشاشة تواصل البنوك. لقد تعثّر مسعى الإصلاح في الملف، ومن الضروري أن إدخال إصلاحات الجيل الـ 2 على المجال النظام المصرفي بتوسيع المعاملات الالكترونية الضعيفة حاليا، عن طريق توسيع الشبكة للملايين بتعميم استعمال أجهزة الدفع لدى كبار التجار والمطاعم والمحلات، فلا يمكن البقاء في منتصف الطريق بعد إتمام إصلاحات الجيل الـ 1 من إقامة للهياكل والمرافق يقول الخبير، موضحا أن مضمون إصلاحات الجيل الـ 2 يكتسي طابع الجودة والتسيير الحديث ‘’مناجمنت’’، واعتماد الخبرات البشرية والكفاءات الاحترافية.
للإشارة، إصلاحات الجيل الـ 2 بهذا المعنى هي إصلاحات نوعية، تعني كافة القطاعات الاقتصادية بالرهان على العنصر البشري المؤهل والتسيير الاحترافي، مع الانفتاح كما هو جار في البلدان المتقدمة، وهو ما يرتقب أن يتكفّل به مخطّط عمل الحكومة الخماسي.