بعث الوزير الأول عبد العزيز جراد، أول أمس، تطمينات للحكومة الإسبانية والمتعاملين الاقتصاديين باستعادة استقرار الجزائر وتحسن مناخ الأعمال فيها، بفضل إصلاحات سياسية واقتصادية أطلقها رئيس الجمهورية لتعميق الديمقراطية وتوفير الظروف المثالية لتحسين النمو واستحداث مناصب الشغل، داعيا الشركات الإسبانية للاستقرار والاستثمار في السوق الجزائرية لأنّها «توفّر ظروفا مثلى للنمو والازدهار» بعد التخلي عن قاعدة 51-49، وتكريس حرية العمل لفائدة الشركات الأجنبية التي تتمتع بها في هذا المجال بنفس حقوق ومزايا المؤسسات الوطنية.
قال الوزير الأول عبد العزيز جراد، في كلمة ألقاها في أشغال ملتقى الأعمال الجزائري-الإسباني، نظّم بفندق الأوراسي، بحضور رئيس الحكومة الإسباني بيدرو سانشيز، ووفد اقتصادي هام، إن «الجزائر منذ انتخاب عبد المجيد تبون رئيسا للجمهورية، شرعت بحزم في تنفيذ مشروع واسع للإصلاحات السياسية والاقتصادية الموجهة لرد الاعتبار للمجال السياسي من خلال تعميق الديمقراطية وتوفير الظروف المثالية لبعث النمو واستحداث مناصب الشغل»، وعملت على ترقية مطالب «الهبة الوطنية والمشروعة للشعب الجزائري يوم 22 فبراير ٢٠١٩ من أجل تمكين القوى الحية للمجتمع بالأخص الأجيال الصاعدة من التحكم في مصير البلاد، والتكفل تدريجيا وفعليا بتسيير الشؤون العمومية».
وفي هذا السياق، أبرز جراد، أن مشروع تعديل الدستور الذي سيعرض على الاستفتاء الشعبي «يضع أساس مقاربة أكثر شمولية لتسيير شؤون الدولة»، انطلاقا من كونه يوسّع دور البرلمان والمعارضة، بصفة معتبرة، ويكرّس الحريات الفردية والجماعية بشكل أوضح، ويؤكّد بقوة مبدأ المراقبة في جميع المستويات، ويعطي أفاقا جديدة للمجتمع المدني والحركات الجمعوية، ويحرّر الإمكانات الإبداعية والمبادرة الخاصة في إطار اجتماعي للسوق، حيث يعطي للدولة وظيفة أساسية للضبط.
وتوقّف الوزير الأول مطوّلا عند «متاعب» الاقتصاد الجزائري، المترتبة عن آثار متراكمة للأزمات الاقتصادية العالمية وانهيار أسعار المحروقات، عمقت جراحها الأزمة الصحية المرتبطة بتفشي وباء كورونا التي أثّرت كذلك على العلاقات التجارية بين الدول، الأمر الذي بات يلزم حسبه «البحث عن مخارج كافية من هذه الأزمة الاقتصادية بما يجعلها فرصة لتطوير أشكال أخرى من الشراكة وإجراءات جديدة للتعاون مطابقة للمتطلبات الجديدة».
وأبرز في هذا الصدد محاور برنامج حكومته المتعلقة بالشؤون الاجتماعية والاقتصادية للفترة المقبلة، والتي ستمكّن المؤسسات الإسبانية من خلال تحديد هذه الأولويات بالتنسيق مع شركائها الجزائريين، من إيجاد الفرص الحقيقية لإطلاق شراكات واستثمار في السوق الجزائرية التي توفر «الظروف المثلى للنمو والازدهار»، وسيجد رؤساء المؤسسات الإسبانية الذين تربطهم عقود وشراكات مع مؤسسات جزائرية سواء من الحكومة أو المؤسسات كل «الاستعداد لبرمجة مبادراتهم المستقبلية وكل التعاون لتجسيدها على التراب الجزائري».
وأوضح جراد أنّ برنامج عمل حكومته يقترح إدماج الاقتصاد الوطني تدريجيا ضمن سلسلة المقاييس العالمية من خلال المبادلات التجارية والشراكة وتحويل التكنولوجيات والخبرة، فعلى الصعيد الميداني قال إنّ الجزائر «تقترح في المجال الطاقوي إعادة إطلاق عمليات استكشاف للبترول والغاز من أجل ضمان مستويات أعلى من التصدير، وتشجع إنتاج الطاقة الكهرو ـ ضوئية من خلال برنامج هام سيزداد وتيرته خلال السنوات القليلة القادمة»، آملا أن تساهم في إنجازه الصناعة الإسبانية التي وصفها بـ «جد النشطة» في هذا المجال.
ويعتبر قطاع المناجم والصناعات المنجمية، من بين القطاعات الأخرى التي تحظى باهتمام السلطات العمومية لتمكين هذا القطاع من الساهمة في جهود التنمية الوطنية، وكذا الأمر بالنسبة للصناعات التحويلية المرتبطة بالقطاع الزراعي التي تشكل القيمة المضافة الأساسية من حيث استحداث فرص العمل والمساهمة في الإنعاش الاقتصادي، في حين ترى الحكومة قطاع السكن بمثابة «القطار الاقتصادي الوطني» لذا قرّرت مواصلة دعمه لتلبية الطلب المتزايد باستمرار على السكنات الاجتماعية مع العمل على تهيئة المدن ومراقبة التعمير.
أما في المجال الصناعي فقد قرّرت السلطات العمومية - يضيف جراد - تشجيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من أجل ضمان تطوير نسيج صناعي حقيقي من شأنه المساهمة في التنمية الوطنية لاسيما من خلال شراكات المؤسسات الأجنبية منها الاسبانية، موجّها دعوة لها للاستقرار والاستثمار في هذا المجال، خاصة بعد تخلي الجزائر عن قادة 51-49، وتكريس حرية العمل لفائدة الشركات الأجنبية التي تتمتع في هذا المجال بنفس الحقوق والمزايا التي تحظى بها المؤسسات الوطنية، ونفس الأمر بالنسبة لقطاع السياحة الذي يوفر عدة فرص للاستثمار خاصة مع توسعه ووجود طلب داخلي كبير من جانب المؤسسات والأسر.
ومن أجل التحفيز على اقتصاد المعرفة بصفة قوية وإدخال التكنولوجيات الحديثة بشكل مكثف على النشاط الاقتصادي والتجاري، قرّرت السلطات العمومية تشجيع تطوير المؤسسات الناشئة من خلال تسخير صندوق مخصص لمرافقة حاملي المشاريع.
سانشيز: الجزائر حليف استراتيجي بحضورها القوي إقليميا وقاريا
من جهته، أكّد رئيس الحكومة الإسباني بيدرو سانشيز، أن الجزائر من بين البلدان التي تراهن عليها إسبانيا في إستراتيجيتها على الأمد المتوسط والبعيد، بالنظر لـ «حضورها القوي» في المغرب العربي والقارة الإفريقية، مبرزا الحاجة الملحة لعقد تحالفات قوية وترقية الصادرات وفتح المجال للاستثمار الأجنبي، لإرساء تعاون يكون في مستوى التحديات التي تواجه البلدين لتطوير اقتصادهما وإيجاد مزيد من الفرص للمجتمع.
أقرّ رئيس الحكومة الإسباني، أنّ اقتصاد بلاده يعاني من نفس الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد الجزائري، وعليه الأمور التي كانت «مستعجلة» في الماضي أصبحت الآن «لا مناص منها»، للخروج من ظروف معقّدة فرضتها جائحة كورونا، وتلبية الاحتياجات المنبثقة عن هذه الأزمة الاستثنائية التي تعصف بالعالم ككل، معلنا عن خطة بلاده للصمود وتحديث الاقتصاد، التي تتيح المشاركة لجميع أطراف المجتمع في هذا الانفتاح الاقتصادي، بما فيها الشركات الإسبانية الموجودة في الجزائر التي ستلعب دورا هاما.
وقال سانشيز وهو يوجّه كلامه للمتعاملين الاقتصاديين: «أمامنا مشوار طويل» لإنعاش وتعافي الاقتصاد، وقد كانت التجارة والاستثمارات بمثابة محرّكا وقاطرة لإنعاش الاقتصاد في الأزمات السابقة، لذلك لابد من التعاون وتعزيز فرص الشراكة خاصة على المستويين الجهوي والإقليمي، مشيرا إلى أن الجزائر تقوم بدور هام في هذا المجال، لأنها «حليفة إستراتيجية لإسبانيا يجمعهما الكثير ليس فقط على صعيد الشركات، ولكن على الصعيد الثقافي والالتزام المشترك المرتكز على العمل والنشاط الذي تتحلى بها شركات البلدين».
وأبدى رئيس الحكومة الإسباني عدم رضاه عن حجم المبادلات التجارية بين البلدين التي ناهزت 3 مليار أورو، وقيمة الصادرات الإسبانية الموجهة للجزائر بالرغم من أنها سجلت نموا، فهي بالنسبة له «لا تمثّل كل القوى والقدرات الكامنة بين البلدين»، حيث أن هناك هامشا لتعميق وتعزيز هذه العلاقات على المدى المتوسط والبعيد، وفرص استثمارات متاحة في قطاعات الطاقة والرقمية، التغذية، الدفاع والتكنولوجيات، ومعالجة النفايات، والمياه، يمكن تطوير وتعزيز علاقات تعاون في شأنها بين البلدين، إضافة إلى المجال الطبي، الصيدلي والصحي الذي صار كما قال «يحظى بأهمية بالغة في هذه الأزمة»، ويمكن تعزيز التعاون في خدمات الهندسة ومكاتب الاستشارات.
وذكر أنّ لقاء الأعمال هذا، سيتيح فرصا للحوار واكتشاف عروض الاستثمار الجديدة لفائدة البلدين، خاصة وأنه تمّ تحقيق نجاح في قطاع البتروكيماويات والطاقة والطاقات المتجددة، منوّها بدعم الحكومة الجزائرية الذي تقدمه في هذا المجال، ولكن ينبغي توفير المزيد من آليات التعاون بين البلدين، إذ يمكن القيام بالكثير لدعم هذه الشركات ودعم الصادرات الجزائرية.
وشدّد على ضرورة ألا يقتصر نشاط الشركات الاسبانية المتواجدة بالجزائر على المحروقات، بل ينبغي أن يشمل البيئة من خلال معالجة النفايات والطاقات المتجددة، تقديم الاستشارات، الصناعة الغذائية والزراعية، وهذا يلعب دورا هاما لتنويع الإنتاجية الجزائرية، مبرزا استعداد الشركات الاسبانية للإسهام في هذا الجهد الجزائري لدعم اقتصاد البلد، وفق التوازن الذي تنشده اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي لتحقيق نمو مستدام، وعلى أرضية صلبة.
وذكر رئيس الحكومة الإسباني، بمذكرة التفاهم الموقعة بين اسبانيا والجزائر خلال زيارته الرسمية، للعمل معا في مجال البيئة والتنمية المستدامة، ما يوسّع فرص الشراكة والتعاون، خاصة وأن حكومة بلاده مقتنعة بالانتقال الرقمي للبيئي، وإتاحة الفرص للشباب بالإضافة إلى المساواة بين الرجال والنساء، وهذه محاور سترشد العمل والاستثمارات التي يقوم بها البلدان لإنعاش الاقتصاد واستحداث فرص العمل.
أطر قانونية لتنظيم الاستثمار
أوصى رئيس الكنفدرالية الإسبانية، حكومة البلدين بوضع أطر قانونية لتسيير الاستثمار وتنظيمه، وتبديد كل الغموض والارتباك الذي قد يشوب القطاعات الواعدة للاستثمار.
وأوضح، في كلمة له في أشغال الملتقى، أن إسبانيا بارزة في قطاعات الصناعة الغذائية والزراعية والنقل واللوجيستيك والقطارات والسيارات، ولكن التكامل والشراكة في هذا المجال «أقل ممّا نرجوه»، وبالتالي يمكن العمل من خلال القنوات المؤسساتية على دفع هذه العجلة لصالح اقتصاد البلدين، مشيرا إلى أن الاستثمارات الإسبانية في الجزائر تجاوزت سنة 2018، 318 مليون أورو في البنى التحتية والبيئة والطاقة والتكنولوجيات والاتصال، وكلها قطاعات يمكن أن «نكون شركاء فيها ونعمل على تنويعها».
وأضاف أنّ إسبانيا بإمكانها أن تقوم بدور هام في العملية الانتقالية الاقتصادية للبلدين، وفي الوقت ذاته تدافع على توثيق العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والجزائر من خلال تعميق اتفاقيات الشراكة، وفسح المجال للشركات في هذا الفضاء.